عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-2012, 11:36 AM
المشاركة 562
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
محمد كريشان:
نعم، يعني هذا الالتزام مثلاً إذا أردنا أن نكون أكثر دقة مثلاً التطورات الأخيرة التي شهدتها موريتانيا والجدل الداخلي الذي أثاره موضوع التطبيع مع إسرائيل، هل حفز همم بعض الشعراء؟ أم ربما في مرحلة مقبلة؟
أحمد بن عبد القادر:
ما دام التطبيع ظاهرة عربية فلابد يوماً، ما أن تكون له أن يوجد أدب تطبيع، ولكن هنا لم أره بعد، لم أجد هنا أدب تطبيعي، وعندما يوجد سأجيبك بملاحظتي عليه، لا مساهمتي فيه.
محمد كريشان:
لا أقصد الأدب التطبيعي، الأدب المناهض للتطبيع.
أحمد بن عبد القادر:
قد يوجد، قد يوجد.
محمد كريشان:
لكنه لم يوجد بعد؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا لم أتصل به لكن أعتقد أنه موجود.
محمد كريشان:
لأنه بعد القرار الأخير تحرك الساسة، تحركت الأحزاب، تحرك، إذا لم يتحرك الشعراء؟
أحمد بن عبد القادر:
أعتقد أنا شخصياً لم أتحرك.
محمد كريشان:
لماذا؟
أحمد بن عبد القادر:
ربما لم يستحق الموضوع عندي، لم يستحق الموضوع عندي.
محمد كريشان:
يعني كل الهموم العربية التي أثرتها في شعرك، الموضوع الموريتاني الإسرائيلي لم يحرك فيك شيئاً يعني هنا مفارقة ربما؟
أحمد بن عبد القادر[مقاطعاً]:
ربما..
محمد كريشان[مستأنفاً]:
ولم يحرك شعراً ربما بالتحديد.
أحمد بن عبد القادر:
على كل حال شعوري لم يحركه فأمدحه.
محمد كريشان[مقاطعاً]:
ولم يغضبك فتهجوه.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
وإن أغضبني فلم أتكلم عنه بعد.
محمد كريشان:
نعم، إشارتنا قبل قليل إلى قصيدة السفينة تعود بنا مرة أخرى ربما إلى ما يسمى هنا بأدب التصحر، يعني ما هو هذا الأدب بالتحديد؟ ما هي ملامحه.
أحمد بن عبد القادر:
هذه كلها ظاهرة اجتماعية أدبها، والموقع اللي تقع فيه موريتانيا هو في شمال الصحراء، شمال غرب إفريقيا، والصحراء الكبرى تشغل 40 أو 60% من البلاد الموريتانية، وهي في الشمال، وعواصف التصحر تأتي من الشمال، الصحراء تتجه.. والتصحر يتوسع جنوباً، يعني إلى ما جنوب الصحراء، والموريتانيون يشعرون بالغربة عن أمتهم ولغتهم، عن أمتهم بسبب البعد، فنحن الصحراء الكبرى تقع ما بيننا مع المغرب والجزائر وتونس، وتعزلنا عن محيطنا، وأعتقد أن مَنْ تتبع تاريخ التصحر يجد أن سكان موريتانيا كانوا قبل خمسة قرون يوجد 90% منهم على مسافة ألف، ألفين كيلو متر إلى الشمال، فكانت الصحراء.. كانت كل دورة تصحرية يعني البلد تتداوله فترات خصب وفترات تصحر، لكن كل فترة خصب تأتي بعد أن توسعت الصحراء، ولا تعوض، فتأتي الدورة الجافة فتبتعد الصحراء إلى الجنوب، فنحن كنا ندفع إلى خط الاستواء بعيداً، لأنه بلغ المنى دول غرب إفريقيا بعضهم بلغ بالمواشي أدغال إفريقيا البعيدة بحثاً عن المرعى..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
وأيضاً انعكس في الشعر هذه الهموم بـ..
أحمد بن عبد القادر:
بالبعد وبالاقتراب من خط الاستواء البعيد علينا شوية إلى الجنوب، فكان هناك اضطراب قوي، وكنا نرحل عن أرضنا، يعبر أحد البداة تعبيراً شاعرياً جميلاً، ولكنه نثري، يقول: سلم عليه ابن عمه قال له: ماذا طرأ فيكم؟ في أرضكم؟ قال له: اللي طارئ فينا إنه فيه كثبان جديدة وتلال جديدة، معالم جديدة في الأرض، لازم تذبحوا لها كباش وتسموهها، ما تحمل أسماء، المعالم القديمة ماتت، وعندنا أصبحنا نعيش بين معالم جديدة لا تحمل أسماء، يعني يشعرون بانفصام، اجتذاه من العروق ينتج عنه قلق كبير.
قصيدة السفينة -كما تفضلتم بالحديث عنها- تمثل هذا النوع، وأفضلها:
رحلنا كما كان آباؤنا يرحلون.
وها نحن نبحر كما كان آباؤنا يبحرون.
تقول لنا ضاربة الرمل وا عجباً سفينتكم..
رفعت كل المراسي مبحرة.. ألا تشعرون؟
وهو حوار مع ضاربة رمل..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
رمل.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
تخبرهم بحظوظ الفناء، أو ما يدعو للقلق..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
هل..
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
من قصيدة السفينة سبقتها قصيدة اسمها الكواليس، كواليس التصحر، أقول فيها:
مرت بقربي حمائم ثكلى
وردن الغدير، وسرن عطاشاً جنوباً جنوباً
يطاردن أعشاش جيل جديد
يحلق في الجو من غير ريش.
ويؤسفني في بكاء الحمام أن ضحاياه..
في عهد طوفان الرمادة أنسته ضحاياه..
في عهد طوفان نوح عليه السلام.
ويؤسفني يا سيال الرمال نور البطاح..
أن الحياة..
يعني إلى آخره.
محمد كريشان:
نعم، هل هذه المحلية الخاصة بالشعر الموريتاني وارتباطه بالبيئة هو الذي ربما يجعله لاحقاً أكثر انتشاراً، أكثر من ارتباطه بقضايا الأمة العربية والقضايا السياسية، يعني أشرتم مثلاً إلى السفينة أنها لاقت اهتمام في أوروبا لأنها تُرجمت، ربما لأنها موريتانية قحة، ولأنها محلية وخاصة بالبيئة، وأحياناً يُقال: كلما كان الأدب محلياً كلما صار عالمياً.
أحمد بن عبد القادر:
الأقطار العربية، أو الشعوب العربية على تباعدها المطلوب من كل واحد منها هو ما سيضيفه، لا ما سيأخذه من الآخرين من الأشقاء، والسؤال.. كل ما (...) خصائص هذا البلد، إبداعاته التي لا توجد في شعر مصر، ولا في شعر الحجاز، ولا في شعر.. في أي بلد هي التي سيُكتب لها البقاء، وهي المهمة، فأروي لك حكاية إني كنت مرة في طرابلس، مؤتمر اتحاد أدباء العرب، وكان فيه أستاذ عراقي يُسمى دكتور ناجي.. محامي ما أذكر اسمه، ناجي هلال أعتقد، في السبعينات، وكان ينظم دائماً إذا وصل، وحصل حضور مؤتمر اتحاد الأدباء العرب، يقول: أنا سأنظم مؤتمر الأدباء المنقح على الهامش، ويأخذ شعراء من كل قطر يبدؤون بمطارحات شعرية كل اللي بتحكيه بيت من شعر بلده، وعند اليمين يقوم هذا، مطارحة يعني، كان معي زميل من موريتانيا، فوصلت إليّ الدورة، وعليّ أن أبدأ بيت أوله ألف [أ] في المطارحة، فألقيت بيت لأحد الشعراء القدامى في موضوع غزلي يقول:
أطعت العوازل خوف الجفاء وخوف الحشيشة أن تُنتفَ
فصاحبي غمزني قال لي: هذا ليس فصيحاً، فمدير الندوة قال: أعد البيت واشرحه لنا. قلت له: هذا شاعر يحب زوجته ويكرمها، وله تعلق بغيرها، ويعيره العُزَّال ألا يمنح قلبه لغير زوجته، فقال:
أطعت العوازل خوف الجفاء وخوف الحشيشة أن تُنتفَ
عندنا مثل شعبي يقول: "نتفوا الحشيشة بينهم.. يعني كان بيت.. الزوج إياه كان شاب، حوله خيمة أصهاره بينهم حياء، يجعلون ساتر من الحشائش بينهما، للحياء بس باب الحياء، فإذا وقعت بينهم مشاجرة أو مشادة تنتف الحشيشة يعني تنتزع المهابة بينهم، فاستنبط الشاعر الفكرة من هذا المثل الشعبي الذي لا يوجد له نظير هناك، بل هو محلي هنا.
أطعت العوازل خوف الجفاء وخوف الحشيشة أن تُنتفَ
فكان.. أن كانت الخلاصة أمر مطلوب من كل حركة أدبية وكل شعراء كل قطر هو إغناء العرب بما سيرفدونه به المجرى العام بما يأتي من الروافد، نحن روافد، كل قطر يعني رافد، فأنا معك أن ما ركز على الخصائص هنا هو اللي يحكم له البقاء، أما الآخر فيجمعنا مع الآخرين، ولكن ليس بالعمق نفسه.