الموضوع: لن أتزوج
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
20

المشاهدات
12672
 
أنين أحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


أنين أحمد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
302

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Feb 2012

الاقامة
السعودية

رقم العضوية
10907
05-18-2012, 06:07 PM
المشاركة 1
05-18-2012, 06:07 PM
المشاركة 1
افتراضي لن أتزوج
لن أتزوج

هل ضحيتم قبلا بحياتكم؟.. لقد فعلتها أنا .. ولكني لم أندم يوماً على ذلك .. فبعض الأشخاص يستحقون التضحيةِ والاهتمام .
هذا اليوم هو اليوم العاشر مذ أن مات أبي .. ومنذ سنة مضت .. ماتت أمي
فلم يبقى في البيت صوتٌ سوى صوتي وأخي الذي يصغرني ..لي شقيقة أيضاً .. وهي الصغرى بيننا .. تزوجت منذ ثلاث سنواتٍ مضت .. رزقت بطفل .. وبآخر تحمله في بطنها لم تضعه بعد .
لكن أنا .. بلغت من العمر الأربعين .. ولم أتزوج بعد .. لست متألمة كثيراً على ذلك .. ألست أنا مَنْ رَفِضتُ الزواج بمَنْ تقدم لي حينما كنت أبلغ من العمر الثلاثين؟
لم أنسَ ذلك اليوم .. ولا تلك السنوات والأيام الماضية
كُنتُ دوماً أجدني قد ولدتُ شقيةً في هذه الحياة .. وأنني لم أُكتَبْ من السعداء .
في الواقع .. لم أرَ أني وفقت تماماً في كثيرٍ من الأمور الحياتية
فأنا لم أكمل دراستي العامةِ كما كنت أتمنى ..ولم أحظَ باهتمامٍ جيد من والداي .. بالرغم أني بكرهما .. لكنهما لم يشعراني بالاهتمام والحب مذ كنت في العاشرة من عمري .
أنجبت أمي لي أخاً وأختاً .. وسرعان ما أهملتني .. ووضعت هي وأبي جل الاهتمام في صغيريهما .. فلم أعش طفولتي كالأطفال الآخرين .. وحتى بعد بلوغي .. فلقد حملت مسؤولية التنظيف والطهي مبكراً .. فقد انشغلت أمي عني وعن واجباتها بعد أن رمت ثقل المنزل على فتاة لم تبلغ الخامسة عشرة سنة ..وأبي كذلك .. لم يراعيني كما يجب
بل صرت أشعر بأني في زاوية المهملات .. بعيداً عن محط الحب والاهتمام .. وكم كان ذلك يؤلمني .. فشتان بين معاملة أبي لي ومعاملته مع أخي وأختي.
متطلباتي المدرسية لم توفر لي .. لم تكن دراستي تهمهما .. ولرغبة أمي ببقائي في المنزل والتفرغ لواجباته .. قَرَّرَتْ أن أنسى الدراسة وأن أمكث في البيت .. لأنه كما قالت .. لن تنفعني الدراسة بقدر ما ستنفعني الواجبات المنزلية .. ولم يُعَارِض أبي .. بل شجع أمي على ذلك .. فتَركتُ دراستي ورضخت لرغبة أمي والأسى يعصرني .. وما يزعجني أكثر أنهما كانا يحرصان على تلبية متطلبات شقيقاي .. وقد كانا يأملان أن يكون أخي طبيباً في المستقبل .. وتكون أختي معلمة .. كانا يهتمان كثيراً بدراستهما وبهما بشكلٍ عام .. لقد كانا مدللين .. ولم أشعر بالغيرة منهما أبداً .. ولكن ذلك يحزنني .. لأنني كما قلت في زاوية المهملات .. وكنت أتساءل: ألستُ بكرهما؟.. ألستُ أولَ فرحتهما؟.. لمَ يعاملونني بجفاء؟.. لمَ لا يهتمون بي؟.. وكأنني خادمة المنزل ولست ابنة لهما .. الكل يأمرني .. يريد مني أن أفعل له وأخدمه .. وأنا لم أتذمر يوماً .. بل أفعل ما يريده مني الجميع بصمت.
حتى بلغت الثلاثين من عمري .. كان الكبر قد حلَّ بأبي ومرض أصاب أمي في قدميها .. فلم تكن تستطيع المشي كثيراً
وقد كنت أعتني بهما وأحرص على رعايتهما والاهتمام بصحتهما.
كنت أحمل على عاتقي مسؤولية المنزل وأبواي .. بينما كان شقيقاي منشغلين بدراستهما .. فحرصت على أن لا أزعجهما فما كنت أتمنى لهما إلا النجاح و التوفيق في دراستهما دائماً .
في يومٍ ما .. فاجأتني أمي بقولها أن هناك امرأة قد تقدمت لخطبتي للزواج من ابنها .. وبدا أن الشاب قد نال على استحسان أبي وأمي .. في الواقع لقد نال على استحساني أنا أيضاً .. فكما سمعت أنه شاب وسيم يبلغ من العمر الخامسة والثلاثين ويعمل في وظيفةٍ محترمةٍ وممتازة .
أحسست أخيراً أن أبي وأمي أنصفاني هذه المرة بتقبلهما زواجي .. وأن الحياة أخيراً ابتسمت لي .. وعبء العشرين السنة الماضية سوف يزاح عني بعد صبرٍ كبير .. فلطالما تألمت لهذه المعاملة السيئة من الجميع
ولقد قَدَّمتُ الكثير لهم من الخدمة والرعاية .. وآن الاوان لأستريح .. فقبلت بالشاب .. وكلي تفاؤل بأيامي القادمة
لكن .. في أحد الأيام وعند المساء .. كنت قد اتجهت نحو غرفة شقيقي لأبلغه بأوان موعد العشاء .. وما أن رفعت يدي لطرق الباب .. استوقفني صوت أختي التي كانت جالسة مع أخي بالداخل .. قائلة بحزن
:: لا أريد أن تتزوج أختكَ وتغادرنا ::
تأثرت لكلامها .. فلم أتوقع أبداً أن هناك من يهتم بوجودي في المنزل .. ابتسمت لنفسي بسعادة .. لِمَ أخفت أختي عني مشاعرها؟ ..
سمعت بعدها صوت أخي قائلاً
:: ستفتقدينها؟ ::
تشوقت كثيراً لسماع جواب أختي .. فأصغيت بترقبٍ والابتسامة مازالت على ثغري .. لكن سرعان ما انجلت بعد سماعي لقولها الساخر
:: لا!!.. أقلتَ أفتقدها؟.. لا مطلقاً!!.. لكن إن غادرت .. فسيتوجب علينا أنا وأنت رعاية أبيك وأمك .. في الواقع .. لا طاقة لي على تحملهما أبداً!.. ولا بواجبات المنزل .. فكل شيء تقريباً سيقع على عاتقي بعد مغادرتها::
اتسعت عيناي دهشةً وصدمة!!.. فلم أتوقع أبداً سماع ذلك منها .. خصوصاً أنها أكثر من حظي بدلال أبواي .
وضعت يدي على فمي لأخفي زفرة ألمٍ كادت أن تخرج من صدري
فسمعت صوت أخي .. وقد بدا هو الآخر حزينا
:: معكِ حق ..ليتها لا تتزوج .. فمن يتحمل رعاية عجوزين مريضين .. أعترف بأن أختي تمتلك قوةً خارقة ::
تراجعت مسرعةً والألم يعتصر قلبي .. لا أريد سماع المزيد
أي ابنين هما؟.. أكاد لا أصدق ما سمعت!.. ماذا يمكن أن يحل بأمي وأبي إن غادرتُ المنزل؟.. كم كانت أختي قاسية جداً .. ويصعب علي أن أثق بها .. وأن أترك أبي وأمي تحت رحمتها هي و أخي ..
آهٍ يا أبي لو تعلم عما دار من حديثٍ هنا ..ابنتكَ المدللة تعجز عن الاهتمام بك .. وطفلتكِ المحببة يا أمي تكره رعايتك .
كم هما ناكرينٍ للجميل .
ذهبت مسرعة إلى غرفة أبي و أمي .. وطرقت الباب بيدٍ مرتجفة .. فما زالت الصدمة تهز بدني .
أذن لي أبي بالدخول .. ففتحتُ الباب ومشيت نحوه .. جثوت عند ركبتيه وأمسكت بيدهِ أقبلها .. وقلت له وأنا أنظر لعينيه بعطف :: أبي .. أنا لن أتزوج ::
عقد أبي حاجبيه متسائلاً وقال
:: لماذا يا ابنتي؟.. إنه شاب جيد وهو مناسبٌ لكِ تماماً ::
لم أستطع منع نفسي من البكاء حينها .. فأجبته قائلة
:: لن أتزوج .. لن أذهب عنك أنت وأمي .. بل سأعتكف على رعايتكما والاهتمام بكما بنفسي .. لن أترككما أبداً .. فذلكَ يريحني ::
رفع أبي يده ومسح على رأسي .. ولأول مرة شعرت بحنان أبي .. فغمرتني سعادة عظيمة .. فما أجمل هذا الشعور الذي افتقدته منذ فترة طويلة ..
أسندت رأسي على ركبته وأنا أردد مبتسمة
:: لن أترككما .. لن أتزوج ::
كم كان ذلك اليوم رائعاً .. فلقد تبدد الشعور بالظلم عني .. وصرت قريبةً أكثر وأكثر من أبي وأمي .. منذ ذلك الحين .. وأبي يدللني .. ويبتسم لي دائماً ويشكرني .. أحببته كثيراً
ففي السنوات العشر الأخيرة من عمره .. كان الأب الحنون بمعنى الكلمة .. ليرحمك الله يا أبي
فلم أندم أبداً أن امضيت عمري في رعايتك والاهتمام بك ..
ولم آسف على قراري بعدم الزواج لأجل رعايتك وأمي
لم آسف .. لم آسف .

بقلم أنين