عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2010, 10:46 PM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مرحبا مجددا أستاذة ريم ,
وعذرا للتأخير ,
كانت إجازة لثلاثة أيام سريعة ,

وبالنسبة لسؤالك ,
ما هي الدوافع التي دفعت عبد المحسن فائق لاختراع العملية برمتها و كيف بحث عن الشخص المطلوب ليتم زرعه في النسيج الاسرائيلي في فلسطين المحتلة
؟

سأجيبك هنا بكلام وتفكير اللواء عبد المحسن فائق نفسه , ومرجعنا فى هذا سيكون بإذن الله موسوعة المخابرات العربية لراكوف كروزو مؤرخ المخابرات الشهير ,
كذلك ملف العملية الأصلي الذى نشره الكاتب الصحفي الكبير حسنى أبو اليزيد بتصريح من المخابرات العامة ,
وأيضا مؤلفات سعيد الجزائري وفريد الفالوجى وكلاهما من أعمدة الكتابة فى هذا الفن
وكل ما سنورده الآن وفيما بعد سيعتمد بإذن الله على هذه المراجع وغيرها فعلى من شاء الزيادة العودة إلى إليها

وعودة إلى السؤال وهو الدافع الذى حدا بعبد المحسن التفكير فى ذلك , وأيضا المبرر ,
ونبدأ بالمبرر ,
فهو مبرر أمنى معروف لأن نظم المخابرات فى أى دولة العالم تنقسم إلى نوعين ,
نظم الأمن الحربي وتختص بها أجهزة المخابرات العسكرية وتكون تابعة لوزارة الدفاع وهى مخابرات متخصصة بمعنى أنها لا تتعدى المهمة التى تكلف بها وهى معالجة الأمن الحربي فى الداخل والخارج ,
وتمثلها فى مصر المخابرات الحربية التى تؤمن ظهر الجيش ضد محاولات الإختراق وتأمين سلامة الأسرار العسكرية وأيضا العمل على جلب الأسرار العسكرية الأخرى من خارج البلاد ,

والنوع الثانى أعم وأخطر :
وهو نظم الأمن العام , ويختص به نوعان من الأجهزة داخليا وخارجيا ,
أما داخليا
فتقوم به أجهزة الشرطة المحلية عبر أجهزة على أعلى مستوى تدريبي تكون أشبه بجهاز مخابرات داخلى مهمته حماية أمن البلاد القومى من محاولات التخريب الداخلية سواء قامت بها عناصر داخلية أو خارجية وتمثلها فى مصر مباحث أمن الدولة وفى إسرائيل الشين بيت , وفى أمريكا المباحث الفيدرالية وفى فرنسا جهاز مكافحة الجاسوسية وفى بريطانيا جهاز الشرطة البريطانى العريق سكوتلانديارد
ومهمة هذه الأجهزة قاصرة على العمل داخل البلاد وإذا كانت هناك عملية خارجية فإنها تحيلها للجهاز المختص وهى جهاز المخابرات العامة ,
أما الأمن الخارجى
فمهمته تقع على أجهزة المخابرات العامة فى كل البلاد ويمثلها فى مصر جهاز المخابرات العامة ( م م ع ) وفى إسرائيل ( الموساد ) وفى الإتحاد السوفياتى السابق ( كى جى بي ) والذى ورثته روسيا الإتحادية وأصبح ( الإس في آر ) وفى الولايات المتحدة ( المخابرات المركزية ) وفى بريطانيا ( المكتب السادس إم آى 6 )

ووظيفته تنقسم إلى جانبين
الأول : النشاط السلبي وهو مقاومة تسلل العدو إلى الداخل وتعيين الجواسيس وحماية الأسرار الداخلية الضارة بالأمن القومى بالتنسيق مع أجهزة الأمن الداخلى
الثانى : وهو صلب نشاط تلك الأجهزة وهو العمل على زرع العملاء ( وطنيين أو مجندين ) للحصول على الأسرار التى تهم الأمن القومى من البلاد الأخرى ,
ولكى تتم هذه الوظيفة على أكمل وجه فلابد لها أن تقوم بمحاولات زرع العملاء أو تجنيدهم ,
أما الزرع
فهو اختيار العناصر الوطنية وزرعها فى البلد العدو تحت ستار وتغطية مناسبة ويقوم هؤلاء العملاء باختراق المجتمع العدو وإرسال المعلومات الهامة لأجهزة بلادهم , وهى أشهر أساليب أجهزة المخابرات وتألق فى هذا المجال رفعت الجمال الذى يحتل المركز الأول باعتبار أن شبكته هى الوحيدة فى العالم أجمع ـ حتى الآن ـ التى قامت بوظيفتها كاملة طيلة عشرين عاما ولم يكتشف أمرها قط ,

وأما التجنيد
فهى محاولة استمالة عناصر من البلد العدو بإغراء الوسائل المادية أو وسائل الضغط النفسي أو غيرها وأشهر عمليات التجنيد هى عملية تجنيد الألمانى ريتشارد سورج الذى تعتبر شبكته أقوى الشبكات حتى اليوم فى تجنيد العملاء وكان دورها رهيبا فى الحرب العالمية الثانية عندما جندته المخابرات السوفياتية ضد الألمان , وانتهى أمرها بكشفه وإعدامه
وكذلك عملية تجنيد نائب رئيس المخابرات البريطانية كيم فيلبي والتى تعتبر أكثر العمليات تأثيرا فى جهاز المخابرات البريطانية وجندته المخابرات السوفياتية لصالحها وانتهى عمله بفراره إلى موسكو بعد انكشاف أمره ,

بالإضافة إلى عمليات التجنيد والزرع تقوم المخابرات بالحصول على معلوماتها أيضا من مصادر علنية وسرية عن طريق رجالها الذين تبثهم تحت ستار ديبلوماسي أو تجارى للعمل فى أجواء البلاد المطلوبة ,
وذلك عن طريق دور الصحف والنشر الكبري التى تقع مصادرها على معلومات رهيبة فى بعض الأحيان تتسرب فى غفلة من أجهزة الأمن فى البلاد , وكذلك من محاولات سرقة وتصوير الوثائق السرية ,
وأشهر تلك الحوادث ما قام به أحد الصحفيين السوسريين من نشر كتاب كامل يحتوى كافة تشكيلات الجيش الألمانى ومواضع فرقه العسكرية فى جبهات أوربا وأسماء قواد الجيش ورتبهم
وحصل على تلك المعلومات الرهيبة من الصحف الألمانية ! حيث تقوم صفحة الوفيات فى تلك الصحف بنشر التعازى متضمنة أسماء المعزين من القادة وبياناتهم كاملة مما حدا بجهاز المخابرات الألمانى للإنتباه لتلك الثغرة التى صار الإهتمام بها قانونا فى أجهزة المخابرات فيما بعد ,.
وهذه المهمات تتم عن طريق ضباط مخابرات محترفين يقومون بتلك المهمات ويعودون إلى بلادهم بعد إتمامها أو عن طريق رجال السلك الديبلوماسي المقيمين فى البلد المستهدف ,
وأشهر هذه الأمثلة رجل السلك الديبلوماسي المصري فى إسرائيل الذى وضعته مؤلفات تاريخ المخابرات فى مراجعها باعتباره أبرع رجال هذا المجال وهو يشغل الآن منصب سفير بوزارة الخارجية المصرية ,

من هنا نستطيع القول أن مسألة زرع عناصر وطنية تحت ستار مناسب داخل البلاد المستهدفة هو العمل الرئيسي لأى جهاز مخابرات فى العالم ,
وعندما بدأ عبد المحسن فائق فى عمله كان جهاز المخابرات وليدا ليس له أى مصادر داخل بلاد العدو , وبدأ التفكير الجدى بالبحث عن عنصر مناسب وزرعه فى المجتمع اليهودى بمصر ثم ترحيله إلى إسرائيل باعتباره مهاجر يهودى مصري ,
وكانت هذه هى الطريقة المثلي لاختراق المجتمع الإسرائيلي ,
وقام عبد المحسن فائق بالبحث عن هذا العنصر ولاقي فى ذلك صعوبات شديدة لأن المخابرات العامة كانت فى بدايتها ولم يتكون فيها بعد قسم زرع العملاء الذى تشكل فى مرحلة لاحقة وكانت مهمته انتقاء العناصر الصالحة للزرع من شباب مدرسة المخابرات وهو القسم ( 3 ج أ ) أخطر إدارات وأقسام جهاز المخابرات وأكثرها سرية وفيه يمارس المرشحون حياتهم كما لو كانوا داخل المجتمع الإسرائيلي بالفعل فلا يستخدمون إلا اللغة العبرية ويتناقشون فيما بينهم كما لو كانوا مواطنين إسرائيليين وذلك لمدد طويلة متفاوتة بحيث يكونون جاهزين للزرع وقت الحاجة ,

قام عبد المحسن فائق بالعمل فى ظل الإمكانيات المتاحة ,
ولأنه ـ رحمه الله ـ كان أسطورة وموهبة خرافية فى هذا المجال فقد رسم المواصفات التى يطلبها فى الشخصية المرشحة وهى مواصفات الملامح التى تشي باليهودية كذلك اللغة والصفات الشخصية التى اشترط فيها الإحتيال والذكاء بالإضافة للوطنية والإخلاص ,
وسعى عبد المحسن فائق إلى البحث فى القوات المسلحة وكذلك فى المجتمع المصري وكلف عددا من أصدقائه فى جهاز المباحث التابع للشرطة أن يرسلوا له ملفات المحتالين والنصابين الذين يمكن أن تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة ,
وكان من ضمن من تم تكليفهم بذلك الصاغ ( الرائد ) أحمد رشدى رئيس مباحث الإسكندرية ـ والذى أصبح فيما بعد اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية فى نهاية الثمانينات ـ
ويروى اللواء أحمد رشدى فى لقائه مع الصحفي محمد مصطفي حيثيات وقوعه على رفعت الجمال , حيث تم ترحيل الشاب رفعت الجمال من الحدود المصرية مع ليبيا وكانت المباحث بعد ترحيله إليها عاجزة تماما عن معرفة جنسيته أو تحديد شخصيته ففي تلك الفترة كان إثبات الشخصية مرهونا فقط بجوازات السفر فلم يكن قانون البطاقات الشخصية قد صدر بعد
واحتار الرائد أحمد رشدى فى الشاب الجالس أمامه والذى يملك ثلاثة جوازات سفر بجنسيات مختلفة ويتحدث ثلاث لغات لا يمكن تحديد لغته منها لبراعته الفائقة فيها جميعا

فاتصل أحمد رشدى بعبد المحسن فائق وأخبره بالأمر ,
واستلمه عبد المحسن فائق وبدأ تحرياته الدقيقة حوله وبمراجعة جوازات السفر فى سفاراتها الأصلية بمصر تم اكتساف تزويرها جميعا ولم يكن هناك جواز سفر حقيقي باقي إلا الجواز المصري باسم رفعت على سليمان الجمال
وبعد أن تحرى عبد المحسن بنفسه عن عائلة الجمال فى دمياط أيقن أنه أمام هذا الشاب المصري رفعت الذى ينتمى لتلك العائلة وعرف ظروف حياته كلها ثم جلس معه جلسات طويلة وطلب منه أن يروى له حقيقته
وهنا كان عبد المحسن يختبر صدق الشاب لأن عبد المحسن تمكن بالفعل من معرفة كافة المعلومات عنه
ونجح رفعت فى الإختبار ,
ثم تم زرعه فى المجتمع اليهودى بمصر عن طريق اعتقاله كيهودى فى تلك الآونة مع بقية اليهود المعتقلين ونحج رفعت الجمال ـ الذى كان يتصور أن مهمته تقتصر على يهود مصر فقط ـ نجاحا بارعا ,

وحانت لحظة المصارحة من عبد المحسن فائق وقبل رفعت الجمال المهمة ,
وهنا تم تدبير أمر هجرته إلى إسرائيل عن طريق إيطاليا باعتباره ( جاك بيتون ) اليهودى المصري الذى فر من معتقلات الثورة وتم صنع الغطاء المناسب له فى إسرائيل وأسس فيها مكتبا متواضعا للسياحة باسم ( سي توزر ) فى شارع بيريز فى تل أبيت وهو المكتب الذى تحول فيما بعد إلى شركة عملاقة باسم ( سي تورز )

هذه باختصار ظروف عملية الزرع وبدايتها ,