عرض مشاركة واحدة
قديم 07-20-2011, 12:28 AM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القضية الثانية .. الثورة وسقوط الرموز


حديثنا فى هذا الجانب لن يشمل نوعا بعينه من الرموز , بل سنحاول وضع الأساسيات التى تؤهلنا كجمهور للتمييز بين رجل الحق ورجل الباطل فى شأن كافة الرموز العلمية والفكرية , سواء كانوا من العلماء والدعاة أو من المفكرين والكـُـــتـّـاب , أو من رجال السياسة ,
وفى مختلف الحالات , سواء فى الأجواء العامة العادية , أو فى الأحداث الإستثنائية كالثورة مثلا ..

والحكم على الرموز ليس أمرا سهلا فهذا أمر عظيم القدر وكبير المسئولية .. والمشكلة أنه بالغ الضرورة لنا هذه الأيام .. لأن ثقافة التمييز أصبحت الآن لازمة لا غنى عنها
وإذا كانت هذه الثقافة قديما إحدى مقومات الكمال , فهى الآن فرض عين لإدراك مقاييس الرجال ,
والسبب جلىْ وواضح , ويكمن فى أن النفاق بعصرنا أصبح هو القاعدة , والإخلاص هو الإستثناء , وليس كل من حمل العلم والفكر عالم أو مفكر , طالما استخدمه فى أغراض دنيوية بغض النظر عن رسالته ,
لا سيما إذا تذكرنا نبوءات النبي عليه الصلاة والسلام فى أمر آخر الزمان , وكيف أن الظاهرة التى ستحكم هذا الزمن هى ظاهرة أئمة النار الذين يدعون إلى النار بدعاء الجنة وعلم السلف ,
وفى ظل الظروف المتلاطمة فى مرحلة إعادة البناء اليوم , فإن الوطن لا يحتمل دخول لبنة واحدة فاسدة فى تكوين البناء الجديد , الذى ينبغي له أن يقوم على أساس سليم قوامه المخلصون .. والمخلصون وحدهم ..

وقبل أن نعرض لقضية تقييم الرموز وأحوالهم , ينبغي لنا أولا أن نعرف من هم الرموز ,
من هؤلاء الذين يستحقون هذا الوصف .. ؟!
ورغم أنه سؤال قد يبدو ساذجا , إلا أن الإنقلابات المجتمعية فى تقييم البشر أخلت بالموازين , ورفعت الجهلة وخفضت العلماء ,
وأصبح المقياس الوحيد لاعتبار الشخصية الرمز أو الشخصية العامة هو انتشارها إعلاميا بأى وجه من أوجه الشهرة ,
المهم أن يكون الشخص شهيرا إعلاميا ليحصد الإعتراف المجتمعى به كشخصية عامة تفتى فى مدار أحداث الوطن الجسام !! وليس غريبا أيضا أنهم يضعون الحلول لقضايا لا تتمكن عقولهم حتى من استيعاب اسمها , فضلا على فحواها !
وساهم الإعلام الرسمى فى تكريس هذه النظرة فأصبحت البرامج الحوارية طيلة العقود الماضية تستطلع الآراء فى أخطر قضايا المجتمع من الممثلين والراقصات ومن شاكلهم !

واستعيدوا كل الكوارث أو الأحداث الجسام التى مرت بها مصر خلال ثلاثين عاما , وراجعوا الإعلام الرسمى والخاص وقارنوا عدد الممثلين وأهل الإعلام الذين ظهروا ليفتوا بالحلول إلى جوار آراء المتخصصين والعلماء وأهل الفكر
كما ساهم هذا فى فتح جبهات الجهلة للهجوم على ثوابت الأمة والدين فى خفة عقل لا مثيل لها , لمجرد الشهرة , فتجد صحفيا يطعن أو يناقش صحة قاعدة فقهية , وتجد حلاق صحة ـــ تحول إلى طبيب فى حركة ترقيات "[1] " ـــ يناقش مبادئ العقيدة !!
ولعل هذه الثقافة المنتشرة كانت هى السبب فى خروج بعض المراهقين السياسيين ليطرحوا أنفسهم لمنصب رياسة الجمهورية , كما لو كانت انتخابات الرياسة شبيهة بانتخابات نادى هيليوبوليس أو مركز شباب إمبابة ,
ولم يجد هؤلاء حرجا أو وقتا ليسألوا أنفسهم هل مصر الثورة ـ بعد كل هذا التغيير ـ تستحق مرشحين تنطبق عليهم أوصاف المتردية والنطيحة وما أكل السبع !!
والمشكلة أن هؤلاء المرشحين يعتبرون دليلا قاطعا على غياب ثقافة التمييز من المجتمع , لأنهم اكتسبوا الشهرة الإعلامية وظنوها ذات حصانة لهم فى الكل العهود ! وظنوا أن الشعب طالما اعتاد رؤيتهم مع الممثلين والراقصات على شاشات التليفزيون فإن أى موقف منهم مقبول من الشعب !

فشخص مثل عمرو موسي يعتبر أحد الآبناء الشرعيين لنظام مبارك ونديم الفكر والخمر لهذا الأخير والصديق الوحيد له ـ بعد حسين سالم ـ الذى كان يزوره فى كابينته الشخصية بالمصيف كل عام لتبادل الدعابات والأحاديث غير الرسمية , ويعتبر أحد راسمى سياسة الإنبطاح التى أخرجت مصر من دورها لتدور فى فلك السياسة الأمريكية منذ أن كان وزيرا للخارجية وحتى شغله لمنصب جامعة الدول العربية , وهو بطل أبطال التصريحات والكلام الفارغ الذى ظن أن يبنى به شعبية ولا زال يمارس نفس الأسلوب حتى اليوم , سياسة حرب التصريحات والشجب والندب إلى غير ذلك من لوازم السياسة العربية القديمة
شخص مثله أعلن قبل شهور من الثورة أنه إذا ترشح مبارك للمرة السادسة فهو معه بلا جدال هو نفس الشخص الذى استجاب للنظام وذهب للمعتصمين فى ميدان التحرير كى يحثهم على فك الإعتصام قبل رحيل النظام !
شخص مثله لم يستح أن يتكلم باسم الثورة وأن يقدم نفسه رئيسا منتظرا وزعيما ملهما ! , وكل صُوره توحى بهذا الداء المركب الذى يستولى على عقله المريض سياسيا والذى يتخيل نفسه على مقعد الفرعون ورافعا يده ليحيي الجماهير كزعيم منتظر , وهى الأمنية العريقة فى قلب عمرو موسي ويتخيل أن الشعب المصري ـ بوعيه الثورى ـ قابلا للخدعة مرة أخرى ليثق بأحد رجالات مبارك كانت كل وظيفته فى النظام ( كداب زفة )
والمشكلة أنه يصدق نفسه وكأنه فقد الذاكرة أو الوعى ,
فإذا به يقف فى البرلمان الأوربي فى الجلسة المعقودة لمناقشة الثورات العربية بشهر يونيو الحالى "2" ويلقي خطبة عصماء باعتباره أبا للثورة المصرية , وأكثر المعبرين عنها الآن !!! ـ ولم يقف عند هذا الحد بل امتد به التبجح أنه ادعى التربع على قلوب الشعب باعتباره المرشح الأوفر حظا لرياسة الجمهورية !!!
وليست المشكلة فى ممارسته للدعارة السياسية , بل المعضلة فى درجة الفجور التى مارسها بها
فليته اكتفي بتملق الثورة مثلا , أو اكتفي بالإنقلاب على مبارك بعد أن ظل تابعه المطيع طيلة السنوات الماضية , بل إنه زايد حتى على الثوار وصادر على رأى ووعى الجماهير وقدم نفسه باعتباره أحد آباء الثورة بينما هو وزير الخارجية الأطول عمرا فى عهد مبارك ـ وهذا الأخير معروف عنه أنه لا يبقي بجواره إلا أقرب وأخلص رجاله ـــ ومنفذ سياسة الإنبطاح التى اعتمدها النظام , تلك السياسة التى اعتبرت بها إسرائيل أن مبارك ونظامه كنز استراتيجى لها ـ على حد تعبير بن اليعازر ـ وهو المدشن الأول لسياسة التصريحات الفارغة والمقارعة الصوتية بلا أى فعل إيجابي على الأرض ,

وبلغ به حد ابتلاع الإهانة أنه سمح لنفسه وهو أمين الجامعة العربية ومعه وزراء خارجية العرب جميعا أن يتعرضوا للطرد شبه الصريح من كوندوليزا رايس ــ وزيرة الخارجية فى إدارة بوش الإبن ــ قبيل حرب العراق , وذلك عندما ذهب الوفد برياسته لمقابلة بوش فى البيت الأبيض فوجهتهم رايس إلى نيويورك ـ حيث مقر الأمم المتحدة ـ ولم تسمح لهم الإدارة بمقابلة الرئيس الأمريكى وانصرفوا وكأنهم بعض المتسولين وليسوا وزراء ممثلين لبلادهم التى تمثل للولايات المتحدة ـ كما هو مفترض شريكا إستراتيجيا ـ فإذا بها ـ بسياسات موسي ورفاقه وأنظمتهم ـ عبارة عن أتباع للسياسة الأمريكية تحركهم إشارة وتثبطهم أخرى
وهو المحلل السياسي للنظم العربية القمعية بالذات فى ليبيا وسوريا ومصر والممهد الأول لديكتاتوريتها , وهو المسئول الذى لم ينطق حرفا ـ وهو وزير خارجية أو أمين للجامعة العربية ـ حرفا واحدا تجاه ممارسات القمع أو الإرهاب الأمنى التى مارستها تلك الأنظمة
ومواقفه أثناء الثورة ـ وقبل إعلان فوزها ـ دليل آخر على مدى انتمائه لمبارك حيث أوصي جهاز أمن الدولة باستغلال عمرو موسي لمحاولة خداع ثوار ميدان التحرير وهو ما كشفته وثائق أمن الدولة وأكده الواقع حيث رأيناه نزل الميدان بالفعل داعيا للتجاوب مع النظام وما ينادى به من إصلاحات , ثم زادت الطين بلة بأن قدم نفسه للمتظاهرين على أنه مرشح رياسي محتمل ـ فى هذا الوقت ودماء الشهداء لم تجف بعد !

وشخص آخر مثل أحمد شفيق ـ رجل البلوفر ـ قـَــبـِـل أن يكون محللا سياسيا للنظام ! , وكان أحد رجال مبارك الموثوق بهم لدرجة تفصيل منصب وزير الطيران خصيصا لأجله ,
وشغل منصب رئيس الوزارة فى أحرج فترة من تاريخ مصر الحديث حيث كان قبول رياسة الوزارة أو الوزارة خيانة للثورة وانتفاضة الشعب المصري ..
شخص مثله شارك وتواطأ على قتل المتظاهرين فى موقعة الجمل وهو يشغل منصب رئيس الوزراء وظهر على شاشة قناة الحياة ليعلن أن حماية المتظاهرين فى رقبته ( برقبتى يا ريس ! ) ثم فعل مثلما فعل عبد الحكيم عامر الذى أضاع مصر فى نكسة 1967 م عندما قال نفس العبارة وفى اليوم التالى سقطت سيناء فى يد الإسرائيليين
فقالها شفيق ليسقط المتظاهرون فى اليوم التالى مباشرة فى موقعة الجمل ليفقدوا ستمائة شهيد على الأقل وقرابة خمسة آلاف مصاب بإصابات فادحة تراوحت بين فقد العينين معا أو أحدهما أو الشلل النصفي أو الشلل التام من جراء هجوم البلطجية بقنابل المولوتوف وحجارة الرخام والمدافع الآلية والأسلحة البيضاء على صهوات الجياد والخيول التى اقتحمت ميدان التحرير على متظاهريه العزّل
ثم خرج شفيق بعد المعركة الدامية التى استمرت يوما وليلة ليعلن أنه لم يكن شيئا عن أحداث موقعة الجمل !! ... هكذا ببساطة لا يعلم شيئا وهو الذى تعهد قبلها بساعات بحماية المتظاهرين برقبته !!
هذا الشخص الذى رفض تسمية الثورة بالثورة , واعتبرها مجرد احتجاجات وانتفاضة , وأعلن فى الإعلام العالمى أنه يستطيع أن يحصر الإعتصام فى ميدان التحرير ويحرره من المتظاهرين ويفتح الطريق ويترك المعتصمين يفعلون ما شاءوا ويرسل إليهم بالبونبون والشيكولاته !!
هذا الشخص نفسه هو الذى يرشح نفسه لرياسة الجمهورية الآن ويردد فى لقاء ـ بعد التنحى ـ بلا حياء أنه يستبشر بثورتنا ـ لاحظوا اللفظ ( ثورتنا ) ! ـ التى وضعت مصر على خارطة التقدم !!
فبم يمكن أن نسمى هذه المواقف ؟!
وهل يفي مصطلح الدعارة السياسية للتعبير عن هذه السياسات , أم أننا ندين بالإعتذار للدعارة باعتبار ممارسيها لا يبلغ بهم التبجح أن يقدموا أنفسهم كرعاة للفضيلة , !!

ويُضاف إلى هؤلاء الراقصين على أحبال السياسة , الراقصين أمام الشاشات الصغيرة والكبيرة , والذين يقدمون أنفسهم على أنهم أهل الفن وضمير المجتمع , فلا فارق بين النوعين فى ممارسة كل منهما لنوع من أنواع الدعارة الإعلامية سواء كان يمارسها بمفهومها القديم منذ الأزل , أو بمفهومها الحديث فى السياسة وعالم الإنتخابات !


الهوامش
[1]ـ تعبير ساخر شهير للأستاذ محمود السعدنى رحمه الله فى أحد كتبه
[2] ـ شهر يونيو 2011 م