عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2011, 09:22 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وبعد هذه النظرة المتأملة ,
أليس من حقنا أن نقول بأن التضحيات التى قدمناها لتحقيق ما وقع , هى بالفعل تضحيات تقل كثيرا جدا عن المقابل المنطقي لثورة مثل هذه الثورة ونتائجها ,
إن مصر طيلة الثلاثين عاما الأخيرة كانت تخسر ألف وخمسمائة قتيل سنويا فى حوادث الطرق , بخلاف ثلاثين ألف مصاب بخلاف الحوادث التى كانت تقع لإهمال السلطة فيذهب ضحيتها الآلاف بلا ثمن , مثل حادثة قطار الصعيد أو حادثة عبّارة السلام ,
فإذا كانت مصر تحملت هذا الثمن الفادح فى مقابل لا شيئ !!
فهل يعتبر الثمن كبيرا عندما يذهب منا ثمنمائة شهيد فى مقابل نصر كامل مؤزر كهذا النصر ,
ومصر فى السنوات الثلاثين الأخيرة مرت ـ تحت رعاية النظام ـ بفتن الإرهاب وفتن الطائفية التى قضت على آلاف الأبرياء وضعضعت الحالة الإقتصادية للبلاد , فى مقابل لا شيئ
فهل نستكثر على الثورة وقوع محاولات للفتنة هنا وهناك يذهب ضحيتها أفراد معدودون , تمكن الشعب وقواته من التآزر لمنع آثارها قدر المستطاع
ومصر فى السنوات الثلاثين الأخيرة عانت من نهب منظم غير مسبوق منذ أيام الفراعنة , بلغ فيه مجموع المال المنهوب سائلا وفى شكل عقارات , ما يقارب ثلاثة تريليونات جنيه مصري ( أى ثلاثة آلاف مليار جنيه )
ذهبت بلا مقابل , وإلى خزائن العائلة الحاكمة وبطانتها ورجال أعمالها ,
فهل نستكثر على الثورة أثرا سلبيا يتمثل فى اهتزاز معدل النمو والإنتاج هذا العام ,
وحتى لو استمر الإهتزاز لأعوام قادمة ـ لا قدر الله ـ ما الذى تمثله هذه الخسارة المحدودة أمام جحافل المليارات المنهوبة سابقا ,
لا سيما لو وضعنا بأذهاننا أن ميزانية الدولة شهدت اليوم موارد ضخمة جديدة مضافة إليها , وهى الموارد التى كان نظام مبارك يستبعدها من حساب الميزانية الخاصة بالدولة وتذهب حكرا لرياسة الجمهورية ومصاريف الحكومة دون أى حساب ,
مثل مليارات الصناديق الخاصة والمنح المختلفة , بالإضافة لدخل قناة السويس , وثروة الغاز الطبيعى والبترول الذى كان يتم تصديره بفارق أسعار مذهل لصالح إسرائيل مقابل عمولات معروفة , فضلا على إنتاج مناجم الذهب التى كان يتم تهريبها برعاية رسمية من رجال النظام , بالإضافة إلى القروض المشبوهة التى يتم نهبها من البنوك , .... إلخ
وهذه القيمة المالية المضافة تفوق فعليا ميزانية الدولة السنوية , أى أننا نستطيع القول بل مبالغة أن ميزانية مصر ابتداء من العام القادم ستشهد مضاعفة فى الموارد بسبب ضم الموارد المنهوبة إلى الميزانية بعد قطع دابر النهب المنظم

فالخائفون والمتوجسون عليهم أن يهدءوا نفسا , لأنهم إذا استعادوا المشاهد السابقة فى الثورة , سيثقون أن هناك معاملا خفيا غائبا عن منطق الأحداث ,
هذا المعامل هو الذى أثقل كفة الشعب الأعزل فى مواجهة النظام المتسلط , وكفل للشعب نصرا باهرا بأقل مستوى من التضحيات ..
هذا العامل هو توفيق الله عز وجل , والذى جعل ضربة العـُــزّل أشد فتكا من ضربات القنابل ,
وهو نفس العامل الذى ينبغي أن يـُـطمئن الخائفين على مستقبل الثورة , فمن رعاها فى بدايتها لابد أن حاميها فى نهايتها ..
والله عز وجل أكرم من أن يمنع ما أعطاه , أو يرعي ثم يترك رعيته ,
وهو عز وجل الذى طلب إلينا أن نغير ما بأنفسنا , ثم وعدنا أن النصر حليفنا إن فعلنا , وقد غيرنا أنفسنا بأنفسنا , فكان عليه حقا نصر المؤمنين ..

أما بالنسبة للفريق الثانى ..
الفريق المتعجل لنتائج الثورة والذى يعتقد أن مجرد وقوع الثورة يعنى بالتبعية خروج مصر أخرى فى غمضة عين !
فكما قلنا من قبل أن الطوفان الجارف الذى أحدثته الثورة , قام فينا بقيامة طوفان نوح عليه السلام , كانت وظيفته كنس الكفار وأبنائهم ومسح آثارهم من على وجه الأرض لتعود بكرا كما كانت
لكن لم يكن من وظائف الطوفان الذى أنقذ نوحا وقومه أن يقوم بإعادة بناء دولة التوحيد بعد زوال دولة الكفر , وهذا أمر طبيعى لأن إعادة إعمار الأرض بعد الطوفان كانت موكلة إلى المؤمنين الناجين مع نوح فى السفينة ,
وهؤلاء هم الذين شمروا عن سواعد الكد والجهد سنوات طوال لإعادة البناء وخلق أرض جديدة على أرضية صافية ونقية ..
وهذا بطبيعة الحال استلزم جهدا ووقتا امتد لقرون ,
ومصر الجديدة التى خرجت من رحم الثورة , لم يلاحظ المتعجلون أنها أرض جديدة مسح النظام السابق منها كل وجوه الحياة , وامتص خيرها وضرعها حتى اللحم , ومن الطبيعى أن أن إيقاف النزيف وكف يد النهب , يحتاج معه إلى إعادة البناء بموارد خصبة تنتظر السواعد التى تشارك فى نهضتها ,
وأمام مصر عشرين عاما قد تطول أو تقصر بحسب الظروف لكى يمكن لها أن تحتل المكانة العالمية اللائقة بها داخليا وخارجيا , وليس فى هذا ما يدعو لليأس أو هبوط الحماس

بالعكس ..
المفروض أن يكون سببا للتفاؤل
فمصر الحرية , ستعرف أخيرا معنى البناء عندما يشمر أبناؤها لنهضتها ويعملون بجد واجتهاد وهم واثقون من أن نتاج عملهم سيعود لهم هم هذه المرة , بعد طول عمل كانت ثماره تُنهب كل يوم أمام أعينهم
فما أجمل العمل الذى يشعر صاحبه بأن نتاجه حتما هو راجع إليه , مهما استطال التعب فى سبيله ,
فضلا على إغراء آخر ينتظر هذا الجيل وهو أننا الجيل الذى قام بالثورة , وأمامنا فرصة لنضيف إلى مجد الثورة مجدا آخر وهو مجد بناء الدولة المصرية الحديثة الأولى بعد مصر محمد علىّ
لتتذوق الأجيال القادمة من مصر مذاقا مختلفا عما شربناه نحن , وهذا المجد وحده يكفي للصبر ويستحقه ..

وللحديث بقية .. مع بقية القضايا ..