عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
4185
 
سليمان المهدي
كـاتـب

سليمان المهدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
61

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Mar 2009

الاقامة

رقم العضوية
6596
11-21-2010, 07:20 AM
المشاركة 1
11-21-2010, 07:20 AM
المشاركة 1
افتراضي هوى كل نفس حيث كان حبيبها
لَئِن حالَ رَسمُ الدارِ عَمّا عَهِدتُهُ فَعَهدُ الهَوى في القَلبِ غَيرُ مُحيلِ
يولّد المكان شعريّة خاصّة به ، قد تأتي من الحبّ بقدر ما قد تأتي من المقت ، ولا ريب أن المكان يبدو في الإبداع الشعري أروع مما هو في الحقيقة ذلك ، أن الشاعر يصور الجمال في المكان وينظر له بنظرة شاعرية متميزة عن النظرة العادية ، وهنا تظهر مقدرة الشاعر الخيالية والتصويرية حيث يبدع صوراً لا يتخيلها غيره من الناس ، فنجد بعض الشعراء يفضل أماكن مخصوصة لأن له عاقة ما بها أو لأنه يحبذ فيها نمط من العيش محدّد نتأمل في بيت رائع لأحمد شوقي ( شاعر الأمراء )
خيمةٌ في البيد خيرٌ من قصور تبخلُ الشمسُ علَيها بِالمرور
هنا يفضل الخيمة على القصر لأن الخيمة تزدهي بمرور الشمس عليها بينما القصر تحجب أسواره مرور الشمس فهو لا يحسن أن يعيش المكان بلا شمس .
طالما أحببنا مكاناً ما لأن له في مخيلتنا تذكار نقشناه بحروف الهوى أو بدموع الجوى ، ومن يبتعد أو يهجر يشعر بمدى تعلقه بأماكنه التي عاش فيها من طفولته إلى شبيبته ويدرك قدر الذكرى التي مرت به في هذا المكان أو ذاك خاصة الذكرى المتعلقة بالأهل والأحباب فلها في النفس وقع يكون بمثابة الوشم في التصور والشعور .
نرى شاعر البادية عمر الفرا في قصيدة الغربة كيف يصور ارتباطه بالمكان وتفاصيله ويتمنى أن يحمل إلى ذلك المكان
( فمن لي للهوى العذري يحملني
إلى صحرائنا الحلوة
إلى لحنٍ إلى غنوة
إلى جملٍ إلى هودج
لزهر الشيح والعوسج
إلى القيصوم والحرمل
إلى ظبيٍ نجفّله فلا يجفل
إلى بدويةٍ نسيت نسيم الليل
يعبث في ضفيرتها ولا يخجل
وضوءُ البدر طرّز ثوبها المخمل
هو الثاني يداعبها ولا يخجل )
هنا نرى شاعرية فذة تتخيل المكان بتفاصيل جمالية فيها الزهور والألحان والنسيم وضوء البدر والثياب المخملية والضفائر الناعمة ، وهكذا يخيل لنا الجمال من منابعه التي يستقيها الشاعر من المكان الذي ارتبط به وتوثق بعراه .
ودوماً يكون ( هوى كلّ نفس حيث كان حبيبها ) وحيث هذه توحي هنا فقط بالمكان ، فحيث كان الحبيب يكون الهوى ويكون الخيال والشعور ويبنى ويهيأ الرسم الأمثل لهذا المكان أو الدار فيأتي الحس يصوّر مواطن الجمال وتفاصيله وأثره في النفس .
في وحل الاغتراب يتهم المرؤ نفسه بالتنكر للمكان وفي هذا تجني وظلم ، فالنفس تحاول أن تبدي تجلداً أمام العوائق التي يسببها الرحيل والغربة ، ولو نستدرج أهواءنا كلما نبتعد عمن نحب وننزع إلى أوطاننا بقدر اللهفة الأولى لذهبت أنفسنا في هوى حب المكان وساكنيه .