عرض مشاركة واحدة
قديم 08-24-2010, 02:03 AM
المشاركة 10
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
الشاعر اللبناني المبدع .. خليل الحاوي
لماذا انتحر ؟؟


الهروب أحيانا يراه البعض انتصارا على الذات المقهورة

مع ظهور غبار الدبابات الاسرائيلية وهي تزحف لاحتلال بعض المناطق من لبنان
في السادس من حزيران عام اثنين وثمانين
وصلت أزمة هذا الرجل الى ذروتها ..
فحسمها باطلاق النار على نفسه

هذا الشاعر الفارس الذي ترجّل عن حصان الحياة الهزيل باختياره ..
وليس باختيار الموت أو أنصار الموت
هذا الشاعر نعرفه من خلال أشعاره وأخبار معاناته
ومن خلال معاركه الصاخبة والخافتة
نعرفه كمبدع تومض أشعاره في كل سماء
لا يقف في طريقها حدود ولا سدود
وحين اختصر رحلة حياته بيديه
ندرك كم مات الفرح في القصيدة العربية
ولماذا تحوّل الحصان ذو الغرة البيضاء
في حكايات الأطفال
الى ثعبان أسود .. نعرفه من ثلاثيته الشهيرة
( نهر الرماد والناي الجريح وبيادر الجوع )
واذا ما تأملت نهر الرماد ..
تبيّنتَ أن أنهار قصائده لا يجري فيها ماء ..
وانما هي أمواج من الرماد
رماد الحرائق الناتجة عن حالة التوقف والقنوط
حيث يولد الطفل عجوزاً أعمى لا يرى الأشياء
ولا يتفاعل معها
ولو اقتربنا أكثر من شعر خليل حاوي
ومن لغته الدرامية .. ومن بنائه الشعري
سنجد أنه عكس التحولات الأنضج
للقصيدة العربية الجديدة في الخمسينات
ولو تحدثنا من خلال التداعيات عن الأثر النفسي والثقافي الذي تركه هذا الشاعر في قارئه العربي
حين خرج من جنوب الجزيرة العربية يرتعد
خوفا من العصر.. ولم تكن بلاده يومئذ
قد استكملت خروجها تماما من غبار الصحراء
كانت تبدأ بخطوتها الأولى بعد توقف دام قرونا
وذلك التأثير يؤكد أن المعنى الانساني للشعر يتجلى
بمقدار ما يتركه في نفس قارئه من تغيير !!!
حيث أن وظيفة الشعر الحقيقي هو أن يجعل الانسان
قادرا على التطور والارتقاء والتجدد المستمر

ان من يقترب من ثلاثياته يصطدم بالاختلاف الهائل
بين تلك القراءات وبين الأثر العميق
الذي تحتجز خطوطه العريضة كجزء من التحول
الذي أسهم في صياغته شكل وجداني جديد
ويسهم في تأسيس احتمالات الكتابة الشعرية
وفي تجديد اسلوب التعامل مع الأزمنة الجديدة دون خوف .

وتبرز شجاعة الشاعر .. وتبهرك أحلامه
وتشدك أضواء البروق التي اختزنها في عينيه
في قصيدة ( عودة الى الاسلام )
والتي يقول فيها
**
عدتُ في عيني
طوفان من البرق
ومن رعد الجبال الشاهقة
عدتُ بالنار التي من أجلها عرضت نفسي عاريا للصاعقة
جرفتْ ذاكرتي النار وأمسي
كل أمسي فيك يا نهر الرماد
صلواتي سفر أيوب وحبي دمع ليلى
خاتم من شهرزاد فيك يا نهر الرماد
**
ونتساءل الآن : هل تحققت نبوءاته الشعرية ؟
هل صمدت البروق والنيران التي ادخرها
لمواجهة الجفاف والخواء في وطنه العربي البارد
كالثلج .. كالجثة ؟!!
وهل ظهر ذلك الجيل الذي بشر به قصائده ؟
حين شاد من أضلعه جسرا يسير عليه
وينتقل به من الشرق المستنقع الى الشرق الجديد ؟
وهل حقق الشاعر انجازا فريدا على المستوى الشعري
يضعه في الدرجة الأولى من شعر الحداثة العربي ؟
ولكن .. هل هذا ما كان يطمح اليه الشاعر ؟
وهل طموح الشاعر يقف عند كونه شاعرا مرموقا
في وطن يعاني الاذلال والقمع ..
ويمتقع وجهه صباح مساء في الهزائم والانتكاسات

قد يكون ذلك مستساغا ومقبولا عند عشاق البريق
الزائف ورواد الصالونات الأدبية
لكنه كان مرفوضا عند الشاعر خليل حاوي

حيث تتمحور قصائده كحياته حول هموم العرب
ومعاناتهم وأحلامهم وانتكاساتهم وآمالهم
من هنــــــــا
كانت تلك الآلام والمواجع والتي ظلت تمزق روحه
وتخترق كيانه العقلي والنفسي
وتجعله غريبا في أهله ووحيدا في عالمه
لذلك حسم الأمر باطلاق النار على نفسه
واختارالموت بقفزة واحدة قبل أن يزحف الموت نحوه
متسللا
فبعد اعلان وفاته على الطريقة الشرقية
حاول البعض استرجاع قصائده للبحث عن الحقيقة
التي تقف خلف هذا الاختيارالفاجع
والباحث بشكل مستفيض يجد أن الوضع العربي
للوطن الحلم الذي تبعثر وتناثر في كيانات غريبة
ومحيرة كان وراء هذا الانتحار
فضلا عن غياب الفارس العربي
وآخر ما أقول ...
قبل أكثر من ثلاثين عاما كان الحديث يدور
عن الوجه العربي !!
والقفا العربي !!
فالوجه كانت تمثله أقطار الشام ومصر وشمال أفريقيا
أما القفا العربي فكان يتمثل بأقطار الجزيرة العربية
بما فيها اليمن موطن هذا الشاعر
ولكن بعد تتابع الهزائم على الشعب العربي من الماء الى الماء صار الوطن كله قفا ..
بلا وجه
وأصبحت شمس الشرق العربي الجديد هي الشمس الساطعة التي يشع فيها الليل تعبيرا عن التناقض والتضاد في
أشيائنا الكبيرة والصغيرة في الوطن المتمزق .

عاش الشاعر .. مات الشاعر .. انتحر الشاعر
لا فرق .. ما دام الحلم العربي لم يتحقق بعد !!