عرض مشاركة واحدة
قديم 02-18-2022, 10:05 PM
المشاركة 8
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ظِلالُ التّغريبةِ الفلسطينيّةِ
التركيبة المعقدّة التي أبدع في تبسيطها د. وليد سيف، هي شخصية وسلوك مسعود الفلسطيني المنكوب صاحب الفكر العقلاني والنّظرة العملية في واقعٍ مُرٍّ زُجَّ به هو ومن معه من أفراد عائلته من غير حولٍ لهم ولا قوّة، ابتداءً من مجتمع القرية الصغيرة وانتهاءً بالمخيّم الضّحل صنيعة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

فمسعود الذي كان يفلح كرم الزيتون، هو ذاته مسعود الذي شارك مع القائد أبو صالح الكفاح ضد الاحتلال، وهو ذاتهُ مسعود الذي رفض البقاء في القرية بُعَيْدَ سقوطها خوفاً على النّساء والأطفال، وهو ذاتهُ الرَّجل الذي بنى سوراً حجرياً حول الخيمة وقد اتُّهِمَ يومئذ باليأس والخضوع للاحتلال ونتائجه، وهو ذاته مسعود الذي اختار الغربة بدلاً من البقاء في المخيّم، هو مسعود الشخصية الجدليّة بين نار الثّائر وجليد السّياسيّ، كان دائماً يرى الأمور بشكلٍ مختلفٍ ومميّز، وهو الفلسطينيّ الذي يصحو دائماً في الوقت الذي فيه يخيّم على عقول الجميع ذهول المصيبة.

ولا أنكرُ أبداً رفضي لكيفية تفاعله مع الأحداث بشتى أشكالها ودرجات خطورتها، ولكنني أعود من جديد لأثق بمسعود بعد أن ينقشع الضباب عن الصّورة الكاملة للمشهد، وكون عاطفتي الوطنيّة تطغى على عقلي الواقعيّ، فلن أعترف أكثر بمدى إعجابي بشخصيّة مسعود واحترامي له.

نعم، فلسطين لا تُسترجع بالسّياسة وحدها ولن تحرّر بالمال والنّفط، وكلّ كتب وروايات الدّنيا لن تعيد ذرّة تراب واحدة من أرض فلسطين، فنحنُ لا نؤمن إلا بطريقٍ واحدٍ نحو فلسطين لا يمرّ إلا من فوّهة البندقيّة، نعلمُ ذلك ونؤمن به ركناً راسخاً من أركان عقيدتنا النّضاليّة.

كان مسعود يؤمن بهذا أيضاً ولكنّ اللجوء والشتات اللذان عانى منهما الفلسطيني بعد ضياع فلسطين، جعلاه يعيد ترتيب الأولويّات بما تقتضيه الحاجة الملحّة، فالثّورة والجوع نقيضان لا يلتقيان أبداً، والحلم الجميل تفسدهُ اليقظةُ البائسة، ولا يوجد بندقيّة تعمل من دون رصاص، ولن يرتفع علم فلسطين بغير ساريةٍ متينةٍ لا تهزّها الرّيح، ولم يكن بالإمكان أكثر ممّا كان، فجيوش العرب رضخت لقرارات ساستها، وكلّ الدّنيا قررت الحلول دون تحقق الحلم الفلسطيني،

وكما قال محمود درويش: "وضعوك في حجرٍ وقالوا لا تسلّم، ورموك في بئرٍ وقالوا لا تسلّم، وأطلت حربك يا ابن أمّي، يا ابن أكثر من أبٍ .. كم كنت وحدك"

كان على الفلسطينيّ أن يشُقَّ طريقه الخاصّ، ويصنع طريقته الخاصّة، كان عليه أن يبتكر وصفتهُ الأصيلة في مقارعة الاحتلال والنّضال ضدّ المشروع الصهيوني، وكان عليه أن يترك كيس العواطف عند أوّل صخرةٍ كما قال محمود درويش، وكان عليه أن يلتقط ذراعه التي سقطت ويحملها معه ثمّ يمضي في رحلته الطويلة، الطّويلة الطّويلة.. نحو فلسطين.

"يعني الثّورة ما انتهت"

#فلسطين
#جنين
#دير_ابو_ضعيف

موسى المحمود