عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2019, 12:47 PM
المشاركة 170
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
فقال المهدي: أما علي فقد نوى سمت الليان، وفض القلوب عن أهل خراسان، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون. ثم قال: ما ترى يا أبا محمد؟ يعني موسى ابنه.

فقال موسى: أيها المهدي، لا تسكن إلى حلاوة ما يجري من القول على ألسنتهم، وأنت ترى الدماء تسيل من خلل فعلهم. الحال من القوم تنادى بمضرة شر، وخفية حقد، قد جعلوا المعاذير عليه ستراً، واتخذوا العلل من دونها حجاباً، رجاء أن يدافعوا الأيام بالتأخير، والأمور بالتطويل، فيكسروا حيل المهدي فيهم، ويثنوا جنوده عنهم، حتى يتلاحم أمرهم، وتتلاحق مادتهم، وتستفحل حربهم، وتستمر الأمور بهم. والمهدي من قولهم في حال غرة ولباس أمنة قد فتر لها، وأنس بها، وسكن إليها. ولولا ما اجتمعت به قلوبهم، وبردت عليه جلودهم، من المناصبة بالقتال، والإضمار للقراع، عن داعية ضلال، أو شيطان فساد، لرهبوا عواقب أحوال الولاة، وغب سكون الأمور. فليشدد المهدي - وفقه الله - أزره لهم، ويكتب كتائبه نحوهم، وليضع الأمر على أشد ما يحضره فيهم، وليوقن أنه لا يعطيهم خطة يريد بها صلاحهم، إلا كانت دربة لفسادهم، وقوة على معصيتهم، وداعية إلى عودتهم، وسببا لفساد من بحضرته من الجنود، ومن ببابه من الوفود، الذين أقرهم على تلك العادة، وأجراهم على ذلك الأدب، لم يبرح في فتق حادث، وخلاف حاضر، لا يصلح عليه دين، ولا تستقيم به دنيا. وإن طلب تغييره بعد استحكام العادة، واستمرار الدربة، لم يصل إلى ذلك إلا بالعقوبة المفرطة، والمؤونة الشديدة. والرأي للمهدي - وفقه الله - أن لا يقيل عثرتهم، ولا يقبل معذرتهم، حتى تطأهم الجيوش، وتأخذهم السيوف، ويستحر بهم القتل، ويحدق بهم الموت، ويحيط بهم البلاء، ويطبق عليهم الذل. فإن فعل المهدي بهم ذلك، كان مقطعة لكل عادة سوء فيهم، وهزيمة لكل بادرة شر منهم. واحتمال المهدي مؤونة غزوتهم هذه يضع عنه مؤونة غزوات كثيرة، ونفقات عظيمة.