عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2014, 11:50 AM
المشاركة 1263
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
آراء وافكار: شيء من الخوف
*

*
*

جمعة عبدالله مطلك
في رواية ثروت اباظة شيء من الخوف* والتي تحولت الى فيلم سينمائي شهير اخرجه حسين كمال، يخوض قارئ الرواية او مشاهد الفيلم لحظات صعبة مع شخصيات يحاصرها الخوف والهلع من المحيط والآخرين ومن الذات ايضا. واستطاع الروائي “ومخرج الفيلم ايضا” ان يقدم بديلا موازيا لهذا الخوف تمثّل بتبلور ارادة عامة عبّرت عن نفسها برفض الظلم ايجابيا. أي تجاوز عدم المشاركة الى الوقوف بوجه رموزه.


لا ادري لماذا تقفز مشاهد الرواية والفيلم الى عميق احساس الانسان في مشاهدته وقائع من الحياة اليومية للعراقيين. ففي “كراجات النقل العام” لابد للمرء ان يصطدم بعشرات النسوة والشيوخ والشباب ايضا ممن يبحثون بذعر وقلق واضحين عن مكان او دائرة رسمية او مركز رعاية او مستشفى. يحمل هؤلاء “الغرباء” همومهم او حزمة من اوراق في ايديهم متوسلين بالمارة او ركاب السيارات ان يدلوهم على مكان في هذه المدينة التي لا تشبه نفسها.
لا يمكن وصف بغداد بانها تحولت الى ريف كبير. فهي تفتقد فضائل الارياف الصغيرة او الكبيرة في شعور الانسان بالامن على الاقل وسط اناس يعرفهم ويطمئن اليهم. وبنفس الوقت لا يمكن وصف هذا الحيز الجغرافي الكبير ذي الالق التاريخي الذي شكل عبئا عليه بانه مدينة حديثة. لا تعدو بغداد منذ عقود الا مسرح قلق لا تستطيع كبيرة السن بسهولة ان تصل الى مستشفى او تزور قريبا لها “وهذا ترف لا تدعيه عجائز العراق”.
المدينة الحديثة رومانسية وشديدة الصرامة القانونية بنفس الوقت. فهي حانية وسلسة وتستطيع العجوز والمراهق والانسة الصغيرة المهذبة ان يصلوا الى ما يريدون دون ذعر من مجاهيل تستوطن مدينة معلقة في فراغ ذعرها وخوفها.
في بغداد “شيء اكبر من الخوف”. انه الخوف نفسه عندما يعبر عن ذاته بعلائق اجتماعية مشوشة ومضطربة تفتقد الثقة والشعور بالتواصل الانساني الحميم بين الذوات البشرية وبينهم وبين الطبيعة. لهذه الاسباب وغيرها عز على بغداد الغارقة حتى النخاع بامجاد الماضي ان تريح نفسها من عوادم السيارات ونزق السواق غير الاعتيادي بمترو بسيط. ما يزال العراقيون ينتظرونه منذ اربعة عقود على الاقل. وجريا على العادة والمالوف لم تكسر السياسة هذه النسقية البغدادية المثقلة بالتوتر والفزع بل زادت عليها تشظيا فارهقت كثيرا ما تبقى لها من فسحة بعد ان تقطعت السبل بالبغداديين او يروا حديقة في منازلهم. فقد علا الاسمنت شحيح الامتار المتبقية في بيوت تحولت الى مستعمرات. وما عادت آنسات العراق الجميلات يجلسن في الحديقة لمطالعة الدروس والاستمتاع بساعة او ساعتين مع منظر الفراغ الحالم والخضرة الموحية. ولاننا في واقع حقيقي خارج المجاز الفني الروائي فازاء هذا الكثير من الخوف يحتاج العراقيون ما يماثله من الثقة والاحساس بالسلام الداخلي. فماذا هم فاعلون مع لغتهم وارثهم وسياستهم والملثمين الباحثين في طبقات الاسمنت العراقية المتلاصقة عن مكان للانتحار.