عرض مشاركة واحدة
قديم 05-11-2012, 03:34 PM
المشاركة 560
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار مع ابو جدرة
كتبت رواية الصبار ردا على المشككين في جدوى الاستقلال والثورة

أكد الروائي الكبير رشيد بوجدرة أنه كتب روايته الأخيرة "الصبار" للإجابة على ما وصفه بالبلبلة الحاصلة في أذهان بعض الجزائريين بشأن قراءة التاريخ، مستغربا طرح البعض لأسئلة عن جدوى الاستقلال مؤكدا أن الثورة كانت ضرورية و أن الاستقلال جاء إيجابيا وسيبقى إيجابيا، و قال أن بعض الكتاب الجزائريين يكتبون اليوم من المنظور الكولونيالي لليمين الرجعي الحاكم في فرنسا. بوجدرة الذي خص "كراس الثقافة" بهذا الحوار تحدث بصراحته المعهودة عن عدة قضايا سياسية واجتماعية وثقافية ولم يتردد أيضا في البوح بجوانب حميمية من حياته، وبالطبع فإن الحديث إلى هذا الكاتب يتشعب تشعب عوالمه واهتماماته وهواجسه وفي جميع الحالات فإنه حافل بالإمتاع الذي أختص في صناعته منذ أطلق سنة 1969 رائعة "الإنكار" إلى غاية "الصبار" المنجز الحادي والعشرين في معمار روائي فريد جعل طفل عين البيضاء المشاغب من خيرة من كتبوا فن الرواية العظيم في التاريخ.
حاوره: سليم بوفنداسة
رشيد بوجدرة الآن على باب السبعين، يا للمأساة! كيف تنظر إلى مرور العمر، وبعبارة أدق ألا تخشى الموت؟
لا، أبدا، نحن في الانتظار، قضية الموت عادية شأنها شأن الولادة، كما ولدنا نموت وكفى، ليس لدي هوس حول قضية الموت بل بالعكس قد يكون الموت كما قال أبو العلاء "ضجعة يستريح الجسم فيها".

بقدر ما عرى رشيد بوجدرة حياته الخاصة في رواياته بقدر ما أخفاها، حيث لا تزال هناك مناطق ظل وما يزال الكاتب لغزا، ما زالت هناك أشياء كثيرة في حياته، ربما يتعطش القراء إلى معرفتها: كيف يعيش رشيد وهو الآن جد، كيف يعيش هذه العلاقة مع العائلة، مع العائلة الكبيرة التي فضحها في رواياته وأخفاها في نفس الوقت ؟
إذا كنت تتحدث عن العائلة الكبيرة الأب والإخوان والأخوات، فالأمور واضحة، أنا لدي علاقة مرضية مع الأب، وهذا معروف، هذا الوضع قد يستغربه بعض الناس، فحتى بعض أصدقائي المثقفين يقولون لي لا مستحيل أن يكره شخص أباه، أنا لدي مشكل مرضي لم أشف منه، ولا زلت أعاني من هذه العقدة المرضية، الأم المتوفية بالنسبة لي أيقونة، وعدا الأب العلاقة بالآخرين عادية، بإستثناء بقية الإخوة والأخوات من الأب والذين ليس لدي علاقة بهم، بصراحة. بالنسبة للأبناء أن لدي بنت واحدة وهي أيضا متزوجة ولها بنت وحيدة هي الأخرى، علاقتي مع ابنتي وزوجتي طيبة جدا، وهما بالنسبة لي صديقتين وكذلك الشأن بالنسبة لحفيدتي التي هي الآن في العشرين وتدرس بمدرسة عليا في باريس، العلاقة هنا أكثر من زوجية وأبوية، إنها علاقة صداقة ورفقة، وهن يحملن معي عبء مشاكل البلد، ومشاكلي العائلية بسيطة طبعا، وليس لدي مشاكل أساسية، فالاتصال متواجد وحتى إديولوجيا فإنني مع زوجتي وابنتي ندور في محور واحد وفلك واحد.

أما بالنسبة لبقية الأشياء، فحتى أنا قد لا أعرفها، هناك بعض الأماكن المظلمة لا يمكن اكتشافها والحديث عنها، لا أدري أين أنا، لأن المبدع والكاتب لا يملك صفات خاصة، هو إنسان كالآخرين، ممكن أن يكون حساسا أكثر من الآخرين فقط. أنا كمواطن مواطن عاد جدا، أنا مع التقدم والحداثة هذا هوسي الأساسي، أحب هذه البلاد كثيرا، بل وأعشقها عشقا صوفيا، وأريدها أن تتقدم وتذهب إلى الأمام، أنا مهوس بنظافة المدن الجزائرية، مددنا أصبحت مهترئة ووسخة وقذرة وأنا أتأسف، و أنا أيضا حامل لهموم المواطن العادي كمناضل سياسي مواقفي معروفة بشأن الحريات والفقراء والمظلومين، وأتألم يوميا حين أرى في محيط بيتي نساء وعائلات تبيت في العراء، هذا مؤلم جدا، وأتمنى، من حبي للجزائر، أن تختفي هذه المظاهر.

في روايتك الأخيرة الصبار، تعود إلى التاريخ للمرة الثالثة بصفة مباشرة، لماذا هذه العودة إلى التاريخ الآن؟
هذه الرواية واقعية، وشخوصها موجودة فعلا، وهي جواب على البلبلة التي تمكنت منا كجزائريين بالنسبة للتاريخ وقراءة التاريخ، أما موقفي من الثورة فواضح لا لبس فيه، كان لا بد من الثورة ولا بد من الاستقلال وجاء الاستقلال وكان إيجابيا وسيبقى إيجابيا، لأن الفرق بين جزائر اليوم وجزائر الخمسينيات شاسع، أنا أستغرب حين يقول بعض المثقفين ماذا فعلنا. أذكر أننا حين كنا ندرس في الجامعة بعد الاستقلال كان عددنا حوالي خمسمئة طالب في كل الشعب، كم عدد الطلبة في الجامعات الجزائرية اليوم، كم عدد الجامعات اليوم، وكم عدد الثانويات والمستشفيات؟ الجزائريون وحتى بعض المثقفين منهم ينسون في بعض الأحيان هذه المنجزات، هناك فرق كبير بين ما كنا عليه خلال الاستعمار واليوم، كانت هناك مجاعة وأمراض مزمنة، اليوم خرجنا من هذا الوضع، لكن اليوم لا نجد الزخم الذي أحدثته الثورة، الثورة الرهيبة والنضال الثوري لجبهة التحرير الذي أدهش العالم وأدهش فرنسا، اليوم لا نجد تلك القوة في التنظيم وذلك الحس التنظيمي لدى الجبهة، ربما لأن الفارق الآن بين الأغنياء والفقراء أصبح رهيبا وذلك من الأشياء التي تؤلمني جدا.

العودة إلى التاريخ إذن، هي لمعالجة هذه البلبلة الموجودة لدى المثقفين وكأن هناك حتى من ندموا على الاستقلال، ويقولون ماذا فعلنا بالاستقلال وماذا أعطانا الاستقلال. أقول لهم أسكتوا، كيف كنتم وكيف كان آباؤكم؟
والدافع الآخرأيضا هو علاقتي بقريب وصديق، كان مقاوما وبعد الاستقلال كان له موقف صارم بالنسبة لأبيه الذي كان محافظا ورئيسا للشرطة بباتنة خلال الفترة الاستعمارية وبالنسبة لأخيه الذي انتمى إلى لوآس، حيث أعتبر أنهما لعبا مع التاريخ فأكلهما التاريخ، وهذا موقف عظيم، لكنه بدا شيئا فشيئا يتراجع، ويعكس موقفه البلبلة الحاصلة في أذهان المثقفين بصفة عامة، فأردت أن أطرح هذه القضية، قضية الريبة والشك التي بدأت تنخر النخاع الشوكي للناس والوطن، وفي نفس الوقت أنا لم يسبق لي تناول الغزو الفرنسي للجزائر فأردت مقاربة ذلك روائيا، كما أردت تناول المجازر الفرنسية التي بلغ ضحاياها الملايين، رغبت في تذكر وكتابة ذلك لأنه هاجس قائم بالنسبة لي منذ المراهقة وكالعادة لا استغل الأمور مباشرة، فلم أتناول في معركة قسنطينة مثلا الحرب بين سانت أرنو وأحمد باي، ولكن أخذت لمراسلات الجنرالات حول معركة قسنطينة ومعارك أخرى في العاصمة وتلمسان، سواء المراسلات التي تمت بين الجنرالات أو بينهم وبين عائلاتهم، لأقدم التاريخ في هشاشته وإنسانيته، فترى جنرالا كسانت أرنو الذي كان يراسل أخاه يوميا فيقول له مثلا قتلنا اليوم ستمئة واثنين وأربعين ذئبا وفي نفس الوقت يبدي تألمه لوفاة طفلة في العائلة بفرنسا، هذا يكشف عن عدم توازن غريب في الإنسان الذي يقتل أكثر من ستمئة شخصا ويتألم من جهة أخرى لوفاة شخص واحد. وهي أيضا فرصة لتقديم صورة عما عانته الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي.

بطل رواية "الصبار" يقول بأن المقاومين الذين ارتكبوا جرائم كان لهم الحق في الخطأ والحق في الجريمة، هل رأيك من رأي البطل، أي أنه يجب التغاضي عن الأخطاء التي حدثت أثناء الثورة؟
هناك طبعا تاريخ رسمي فيه الكثير من الصمت والخرافات والأشياء المسكوت عنها على الخصوص، فقضية عبان رمضان عانيت منها شخصيا ومنذ المراهقة، فكيف يقتل الرجل شنقا من طرف الرفقاء في ضيعة في تيطوان، وأظن أن هذه القضية تطرح لأول مرة في عمل روائي، وأيضا قضية ملوزة وأحداث أخرى، قام بها جيش التحرير مضطرا، فما حدث لم يحدث نتيجة روح القتل وإنما لظروف وضغوط الحرب، فضلا عن كون قادة المقاومة شبه أميين ويواجهون جيشا فرنسيا يلقي عليهم القنابل.
حاولت من خلال حادثة اغتيال عبان والتجاوزات التي حدثت وهي قليلة جدا وموجودة في كل الثورات أن أتناول جانبا لم أتطرق إليه من قبل ليس خوفا، ولكن لان وقتها لم يحن، والآن فإن المسكوت عنه بدأ ينطفئ وحتى المثقفين والمؤرخين والمهتمين بتاريخ الجزائر بدأوا يقدمون بعض الطروحات الجديدة الواقعية والتي تعطي توازن فجيش التحرير وإن أرتكب بعض التجاوزات فإنه لم يقم بها عمدا، فحتى قضية عبان فيها قليل من الموضوعية وقليل من الذاتية، فمؤتمر الصومام خلق شرخا حيث نجح عبان ديموقراطيا في انجاح المؤتمر و أصبح المسؤول الإيديولوجي لجبهة التحرير بصفته صاحب برنامج، وكريم بلقاسم و بوالصوف كانوا ضد محتوى وأسس البرنامج، هذا فيما يخص الجانب الموضوعي أما الجانب الذاتي الشخصي فإن عبان كان يصف كريم بآغيول، ما جعله ينفجر بعد كثير من الصبر.
من هذا المنظور فإن بطل الرواية لا يدين العقيد عميروش، فهو وإن أشار إلى استهدافه للمثقفين فإنه يسجل مساعدته لعدد كبير ممن نجاهم من الموت؟
نعم، نجى عشرين ألف شخص ويقال أنه كان مسؤولا عن وفاة ألفين، لقد نجى الكثير من المثقفين والعسكريين حين أصبحت الحرب ضروسا وهربهم إلى تونس، وأنا لذي الوثائق وحتى في عائلتي شهادات لناس أنقذهم عميروش، وأستطيع أن أقدم اسم سيدة من قسنطينة، هي فاطمة الزهرة فريخ اشتغلت مع عميروش وهربها إلى تونس، وبالنسبة لي ورغم أني لا أحب البطولة فإن عميروش بطل ومقاوم كبير.
مرة أخرى تصدر رواية جديدة لرشيد بوجدرة بفرنسا، ورغم القيمة الأدبية الكبيرة لأدب بوجدرة إلا أن الصحافة الأدبية في فرنسا والأوساط الأدبية واجهت الرواية كالعادة بنوع من الصمت، في الوقت الذي احتفت بروايات جزائرية أقل قيمة من "الصبار"، ما حكاية هذا الشرخ بين بوجدرة والدوائر الأدبية الفرنسية؟
هناك فعلا شرخ كبير، والدليل أن هذه الرواية ووجهت بصمت تام، هناك قطيعة مع بوجدرة خاصة و أن الموضوع الذي تطرحه هذه الرواية حساس الآن، حيث تأتي وقت الحديث عن تجريم الاستعمار الفرنسي، وفي وقت رفضت فرنسا الاعتراف بمجازرها، بالمقابل هناك بعض الجزائريين، دون أن أسمي أحدا، يكتبون في فرنسا روايات تتماشى مع الأفكار المطروحة هناك ومع المنظور السياسي والتاريخي لفرنسا اليمينية الرجعية، في الوقت تأتي روايتي ومن الطبيعي أن تواجه بالصمت التام.
هل يعني ذلك أن عدد المثقفين الفرنسيين النزهاء تناقص عما كان عليه في السابق؟
أظن ذلك،هذا هو الواقع صراحة، لأنه من الغريب ألا يعير ناقد في صحيفة فرنسية كبرى أهمية لهذه الرواية حتى و إن صدرت في فترة حساسة، وواضح أن هناك مقاطعة تامة، وكأنهم اتفقوا على أن تقاطع هذه الرواية، وعلى العكس من ذلك فإن الرواية قوبلت بترحاب كبير في الجزائر فالمقالات والاستجوابات كثيرة في الصحافة، المهم أن الرواية نجحت في بلادي الجزائر وهي الأخيرة في العقد الذي يربطني بالناشر الفرنسي.
وقد سئلت إذا كنت أفكر في المقروئية الفرنسية أو الجزائرية، وأجبت طبعا أني أفكر في المقروئية الجزائرية، ولا تهمني المقروئية الفرنسية، بالرغم من أن هناك بعض الفرنسيين الذين احترمهم لمواقفهم وهذه الرواية بالذات تعرض للفرنسيين التقدميين الذين هم من الشيوعيين وغير الشيوعيين والمسيحيين في الثورة الجزائرية، بطريقة رائعة وفيهم حتى من عذب وقتل، هذا هو شرف فرنسا أن يكون بعض أبنائها لعبوا دورا مشرفا خلال الثورة، هذا هو الضمير الفرنسي الإيجابي والشجاع الذي نحترمه.
بالعودة إلى الرواية نلاحظ أن عومار هو نظير التوأم في "فوضى الأشياء"، تماما كما نلاحظ أن الكاتب يبحث دائما عن شخص يسقط عليه بعض صفات البطل التقليدي المعروف في رواياته، هل أن عومار تعلّة لكتابة التاريخ من منظورين والرواية من زاويتين أم أنه شخصية واقعية حقا؟
هو شخص واقعي و تعلّة في آن، هو موجود وأستاذ في الطب في مكان ما من الجزائر، وفي نفس الوقت هو تعلّة، هذا الشخص "المسكين" التقي به بصفة عادية وبكثرة والآن أصبحت له عقدة بالنسبة لوالده وأخيه، حيث شرع في تأسيس أطروحة أخرى فحواها أن والده كان يشتغل مع الثورة وأن أخاه لم يكن عضوا في الأو آ س.
يستمر التناص الداخلي بضراوة في هذه الرواية كما في أغلب روايات بوجدرة والهواجس العائلية ذاتها، حيث نلمس عودة قمر صغرى زوجات الأب، وتوازي بين الهاجس التاريخي والهاجس الشخصي العائلي؟
بالضبط، الهاجس العائلي موجود و الأمر يتعلق حالة مرضية ولدي عقدة ذنب بالنسبة لهذه الأشياء من طفولتي، ولا علاقة لذلك بالخلفيات الدينية، كشخص أرى أن تعدد الزوجات يخلق مشاكل خطيرة داخل العائلة وأنا عشت هذا.