عرض مشاركة واحدة
قديم 01-13-2014, 04:11 PM
المشاركة 34
أحمد الورّاق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


أستاذي الفاضل

ورد في أكثر من موضع في مداخلاتكم أن الدين كله أخلاق . و أن الدين هو الأخلاق .
وهذه الفكرة يصعب تقبلها ، ليس لأن فكرنا خضع لقولبة معينة و لا يستطيع تجاوزها ليصل إلى عمق الأشياء ، بل لأن جوهر الدين أعمق من مصطلح الأخلاق .
فالدين عبادة وهذا هو عمق الدين الذي ترسخه العقيدة ، فالله ما خلق الجن والإنس إلا للعبادة . و هذا أمر واضح صريح .
و لكي تعبد الله تأتي العقيدة متقدمة على كل ما سواها و بعدها العبادات ثم الأخلاق .

فحتى تعميم الأخلاق هكذا وجب تصحيحه و ذكر الأخلاق الحسنة و بالضبط الأخلاق الإسلامية ، فلا أعتقد أن كل تلك الأخلاق التي آمنت بها الأمم السابقة رغم حسنها في نظرها تبقى دائما حسنة ، فالله حرم الخمر على أقوام دون غيرها وكذلك الخنزير .
بل أكثر من ذلك فمصطلح الأخلاق يحيلنا إلى حمولة فلسفية كبيرة فالأخلاق مرتبطة بالخيرية و المنفعة و الواجب .
وعندما نقول الخير فهو مصطلح شاسع أيضا فالغاية عند البعض تبرر الوسيلة ، وهناك تيارات تؤمن بأن الأفعال كلها خيرية وأن تلك الخيرية مختلفة النسبة لا غير .
لذلك نجد أن حتى في المدارس تم تغيير مصطلح الأخلاق بالآداب الإسلامية ، وذلك لتفادي الإشكال الفلسفي الذي تثيره الأخلاق .
لذلك تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن مكارم الأخلاق ، و الله تعالى عن الخلق العظيم .

و أعتذر إن كان ردي سريعا .

أهلاً بك..

أنت الآن وسعت المشكلة ولم تضيقها فافترضت وجود مشكلة بين الإسلام وبين الأخلاق وهذا موضوع آخر وأخطر، وقلت أن العبادة لله أكبر من الأخلاق، هل تستطيع توضيح هذا؟ بينما أنا أستطيع توضيح أن العبادة أخلاق، بل قمة الأخلاق، أنت تريد أن تحيلنا إلى شيء ومجهول بنفس الوقت اسمه العقيدة التي جاءت لوحدها ولا تنتمي لشيء ولا تفهم ولا ترتبط بشيء ، فلا تمت علينا ديننا يا أخي، فهذا اسمه تجميد وتصنيم وفقدان بصيرة تجعل المؤمن يعظم شيئاً وهو لا يدري لماذا، بينما هو آمن أصلاً حباً في الله الخير، فكيف تكون العقيدة لا شأن لها بالخير وهو آمن بسبب الخير أصلاً.

لماذا أقول هذا؟ لأن الإنسان لا يفهم إلا من خلال الأخلاق، عندما نجد مجتمعاً يعظم شخصية معينة سوف نسألهم لماذا استحق كل هذا؟! ما هي الأعمال العظيمة والفاضلة التي فعلها لكي تعظموه؟ إذا قالوا لنا إنه أعظم من الأعمال الفاضلة وما الأعمال الفاضلة إلا شيء بين الناس العاديين! فسنقول فعلى أي أساس عظمتموه؟؟ حينها نكون لا نفهم وسيقولون لنا افعل مثل الناس وكف عن التفلسف! هذا يشبه ما تفعله أنت مع العقيدة، فلا تريد أن تحدد لنا ماهيتها وانتماءها ولا تريدنا أن نفهمها فكيف نفهم أنها عظيمة؟ هل إذا وصفت أنت أو غيرك شيئاً بأنه عظيم أصبح عظيماً؟! كيف لنا أن نعرف هذه العظمة ونحن يقال لنا لا تسأل عن المقاصد ! بينما المقاصد هي التي تجعلنا نقول عن الشيء عظيم أو غير عظيم، أمامك شخص مات من الجوع، هل تقول عنه عظيم؟ لن تقول، إلا إن عرفت أنه آثر بطعامه غيره أو لأجل قضية عظيمة، إذن الموت من الجوع بحد ذاته ليس عظمة، ولكن الغاية منه هي التي كشفت عظمته.

وكيف ندعو غير المسلمين بعقيدة وشريعة جامدتين لا تعرف لماذا ولا ما أبعادها الأخلاقية؟ هذا لا يمكن، بل إن الدعاة يحاولون أن يبينوا الغايات الجميلة والنبيلة للإسلام، لكن إذا جاء أحد يسأل يقال له لا تسأل!!

يا أخي نحن عرفنا الله بالخير والمنطق والحق ولم نره بعيوننا ، والخير والمنطق شيء واحد ، فكيف تكون عقيدته منفصلة عن الخير؟ وقل أيضاً أنها منفصلة عن المنطق وأنها أكبر منه!

ثم ألست تعرف الله بالفطرة؟؟ فما هي الفطرة أليست حب الخير والأخلاق؟؟ هذا الطرح غير قادر عن الدفاع عن نفسه، أن تمسك الأخلاق وترميها جانباً وتقول أن الشريعة والعقيدة مقدمة عليها وأكبر منها ولا تفهمان أبداً لا بأخلاق ولا بغيرها بل تفعل فقط! ويقوم الإسلام بالعقيدة حتى لو أهملت الأخلاق بينما لا يقوم بالأخلاق لو أهملت العقيدة! هذا الفصل بين الأخلاق والعقيدة مشكلة كبيرة، وما رأينا القرآن إلا يمدح الخير ويدعو إليه وما ذم أحداً إلا بالشر وسوء الأخلاق. ولم تذكر كلمة عقيدة في القرآن، وذكر الخير والخلق كثيراً، فكيف يكون الجديد الطارئ بعد عدة قرون على الإسلام أهم من نصوص القرآن؟

بينما المهاجرون للحبشة قالوا للنجاشي: إن محمداً لم يدع خيراً إلا وأمرنا به ولا شراً إلا ونهانا عنه.

مع أني لا أعترض على كلمة عقيدة، لأن كل دين يحتاج إلى عقيدة وشريعة وتعامل في إطار الأخلاق، لأن الدين أصلاً هو أخلاق، وترك الدين هو ترك الأخلاق.
ولا قيمة لشيء إلا على معيار أخلاقي، كيف نقيمه إلا بمعيار الخير والشر؟ أنت تحب الرسول، لماذا؟ أليس لأنه صادق ولأنه تحمل في سبيل الله ولأنه حرص على الأمة وضحى بنفسه لأجلها...الخ، أليست هذه كلمات أخلاقية؟

المشكلة هي عندما تمسك شيئاً عاما وتضعه في زاوية فهذا ما سبب الارتباك، وهذا ما يسمى بالتهميش، إذا كنت مديراً ووضعوك في مكان الفراشين فهذا اسمه تهميش، أليست حكاية الإيمان والكفر مبنية على موضوع الخير والشر؟ أليس الدين كله خير، فالأخلاق هي خير، فكل خلق أساسه خير وليس كل صور الأخلاق كاملة خير؛ لأن بعض الصور فيها مبالغات تضر بخير آخر، مثل الذي يذبح ابنه أو يسرق من جاره ليكرم ضيفه، الدافع أخلاقي لكن السلوك غير أخلاقي ، والأخلاق خير، لكنه أخرج هذا الخير بطريقة شر فكان شراً، أنت مثل من ينظر لموضوع الماء وهو داخل في كل شيء ويحتاجه كل جسم ومادة، ثم يقول إن الماء موجود في البرك والمستنقعات فقط! فهذا اسمه تهميش.

حسناً ، هل تقول الإسلام خير بعقيدته وسلوكه؟؟ إذا قلت ذلك اتفقنا ، أم أن عقيدته فوق الخير؟ اذكر لي شيء فوق الخير.

ومسألة أن الله لم يحرم الخمر أو الخنزير على بعض الأمم، فمن يثبت ذلك؟ هل كتبهم المحرفة؟! وهل ذكر القرآن أنه أحل الخمر لهم؟ الله يأمر بالطيبات وينهى عن الخبائث سواء لنا أو لغيرنا من الأمم، والخنزير نفسه حيوان مكروه ومقزز في سلوكه وما يأكله من قاذورات حتى عند من يأكلونه فهم يعيرون من يكرهونه بالخنزير! هنا التحريم مراعاة للذوق مثله مثل تحريم الدم مع أن الدم غني بالبروتين، والميتة أيضاً لماذا حرمت؟ خصوصاً الموقوذة والمتردية كشاة صحيحة وسقطت من الجبل ونزف دمها وماتت أمامك فلماذا حرم أكلها؟ كل هذا لمراعاة الذوق، والذوق من الأخلاق، ستقول لأن السبب لأنه لم يذكر عليها اسم الله، وأقول لك لا، حتى لو رأيت خروفان يتناطحان وسميت الله على أيهما يموت الأول فلم يكن حلالاً، لأن الدم مذكور عليه اسم الله ومع ذلك فهو حرام،

لا تجمد علينا عقيدتنا بحيث لا نفهم مقاصدها بارك الله فيك، وما البكرة إلا استكمال وعدم توقف، فما جاء الإسلام إلا ليفتح لنا طريق الخير وآفاقه، بل كل خير جديد لم يأت به نص نحن مطالبون فيه ، وهكذا يكون الدين إيجابي ومعروف الغاية لأنه رحمة للعالمية والرحمة أخلاق يا سيدي وهو مما وضعته في الهامش، فالدين كله جاء لمغزى أخلاقي، وهذا كلام ربنا وليس كلامي أنا، وما دمت تقول أنك لا تتبع نمطية عقلية بالتوارث إذن أثبت لي بالحجة والمنطق والدليل خلو العقيدة من الأخلاق حتى نعرف أن الأخلاق هي في تبسمك في وجه أخيك وآداب المسجد فقط ولا شأن للعقيدة ولا الشريعة في الأخلاق..

الله أمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر ، أنت تريد أن تحدد المعروف وكأنه غير معروف عندنا، المعروف هو الخير والمنكر هو الشر، والله ذكرها على انفتاحها ولم يقل المعروف الذي أعرفكم به ولا بالمنكر الذي أنكره لكم بل قال المعروف الذي تعرفونه والمنكر الذي تنكرونه، أي بفطرة البشر كلهم.

كل شعوب الأرض إذا استثنينا أهل المصلحة ينكرون الفواحش والتعري والزنا ويقيمون الزواج والأسرة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، ويحترمون المرأة المحتشمة التي لا تغري الرجال، هذه الأوامر ليست غريبة على الفطرة السليمة، ومثلها الإيمان بالله الواحد ليس غريباً على الفطرة ووجوب شكره وعبادته ليس غريباً على الفطرة، وتقديمه على ما سواه ليس غريباً على الفطرة؛ لأنه أهل لذلك فلماذا الطلسمة والتلغيز؟؟ ولماذا تجعل الإسلام في صراع مع الأخلاق وهو جاء لأجلها أصلاً؟ (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) تستطيع أن تضرب أمثلة لتوضح وجهة نظرك وتوضح الغريب المجهول والذي يتصادم مع الأخلاق العالمية الذي جاء به الإسلام والذي يؤخذ كعقيدة دون فهم، هذا الطرح الذي أتبناه تستطيع أن تقنع به غير المسلم وتقول له إذا كان عندك خير أفضل من هذا فاذكره لنا، بينما نحن نستطيع نقد عقائدهم من الناحية الأخلاقية..

فنقول للهندوسي :لماذا دينكم قائم على الطبقية والتفريق بين خلق الله وجعل الطبقة الدنيا نجسة تنجس الطبقة العليا إذا رأتها أو أكلت معها مع أن كلكم هندوس؟!! فهذا عمل غير أخلاقي، فيسقط بيده، بينما في الإسلام الناس سواسية..

ونستطيع القول للمسيحي: لماذا ربكم يصلب ويقتل لأجل أن تتمتعوا بالذنوب وهو يغفرها؟! فهذا غير أخلاقي، فالمفترض أن تفدونه أنتم وليس هو يفديكم! ولماذا تمجدون الصليب الذي صلب به ربكم؟!! فالمفترض أن تخفوه وترجموه لا أن تضعوه على صدوركم..

ونقول لليهودي: لماذا الله (يهوه) لكم وحدكم؟ وبقية البشر عبيد لكم؟ ولماذا أنبياؤكم بهذه الصورة السيئة وبهذا الفسق والفجور كما تصمهم التوراة المزورة؟ ولماذا أنتم أبناء الله دون بقية الناس؟! فهذا غرور وتكبر غير أخلاقي في عقيدتكم..

ونقول للملحد: لماذا حياتك بلا هدف بينما تريد من كل شيء أن يكون له هدف؟! ولماذا ترجع الأخلاق للمصلحة والكسب؟ هذا يعني أن حياتك بلا أخلاق بل بكسب ، فأنت ضد الأخلاق..
...وهكذا.

لكن إذا كانت عقيدتنا ضد الأخلاق فكيف سنفهمها؟؟ وكل شيء يفهم بمعيار الأخلاق والمنطق.

ومن المعروف أن الناس كلهم يستهجنون السكر والمخدرات، ويتأسفون لمن ابتلي بها، وكلهم يتقززون من مرأى الدم فما بالك بشربه أو أكل الجيف الميتة؟ الإسلام جاء بالمعروف ولم يأت بألغاز، هذا غير تحريم السرقة والميسر والقتل والظلم، وكل شعوب الأرض تجمع على بطلانها، نظرتك المغلقة للعقيدة تجعلها غير معروفة، وغير المعروف من الصعب التعريف به لغير المسلم أو للمسلم المنحرف، بينما الإسلام جاء بالمعروف وهذا يجعلك تخالف نظرة القرآن.

وبهذا تهتز فكرة أنه لا حسن إلا ما حسنه الشرع ولا قبيح إلا ما قبحه الشرع؛ لأن النصوص لا يمكن أن تحيط بكل صور الخير والشر وصور الحسن والقبيح، فكل يوم تظهر مواقف جديدة تحتاج إلى تقييم جديد، قال تعالى {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} فهذا مقياس عام للخير المفتوح، وفكرة أنه لا حسن إلا ما حسنه الشرع تجعل الخير محدوداً ومغلقاً، القرآن حث على اليتيم فهل يعني هذا ألا نهتم بالمعاق لأنه لم يذكر؟!

إذن الإسلام فتح لنا باب تعاطي الخير ما ذكر وما لم يذكر ، قال تعالى {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ولم يحدد ما هي الصالحات، ونهى عن كل فساد، ولا يمكن تحديد مفهوم الفساد بمفهوم محدد، حتى الإضرار بالبيئة من الفساد في الأرض، إذن ديننا يأمرنا أن نقف مع حماة البيئة والحيوان وحقوق الإنسان حتى لو كانت منظمات أجنبية لأن فيها خير.

إن جعل الشريعة تحيط بكل صور الحق والباطل فيه تعسف وتضييق وتجميد وإحالة على مجهول تتنافى مع الخيرية المطلقة التي أمر بها الدين، وتتنافى مع البصيرة العقلية التي أمر بها الدين، قال صلى الله عليه وسلم: (حضرت مجلساً عند ابن جدعان لو دعيت إليه في الإسلام لحضرته) وابن جدعان كان من المشركين، لكن ذلك المؤتمر كان يخدم حقوق الإنسان.

كل ما جاء به الدين الحقيقي كله معروف ، وكلمة معروف أهم ما فيها الغاية والمقصد، وكلمة معروف أي معروف غايته ومرغوبة، ولا يعرف شيء من الغايات إلا بمعرفة خيريته وإلا فهو منكر أي تنكره الفطرة ولا تعرفه، أنت تريدنا أن نقول أن الخمر حرام وبس! ولا نعرف الغاية من التحريم ولا المقصد من ذلك، مثله مثل لحم الخنزير والدم وهكذا، وأن الإسلام أمرنا بالصلاة ولا ندري ما غايتها وليس لنا الحق في السؤال عن المقاصد في الشريعة! فهل هذه الغاية التي تريد؟ وهل تصنع هكذا أمة واعية متفهمة أو تصنع دوغمائية مستعبدة؟ أليس القرآن لقوم يعقلون ولأولي الألباب ، أليس أولوا الأباب أهل الفهم؟ بينما أنت تحارب الفهم تجعل الدين طلاسم لا تفهم ولما ذا جاءت، هل الله يتعبدنا بما لا نعرفه أم أنه سماه المعروف الذي نعرفه ؟؟ هل تقوم حجة على أحد وهو يعمل شيئاً لا يعرفه،

لهذا أرجو منك إعادة النظر فأنت إنسان مرن العقل فيما يظهر لي، وتحب الإيمان والإسلام، فمالذي يمنعك من تفهم هذا الكلام أو ترد عليه بـرد يدحضه ويكون مقنعاُ ومستنداً على الآيات والأحاديث الصحيحة دون انتقاء.

وشكراً لأدبك في الحوار ..
وجزاك الله خيراً كلما بحثت عن الحق..