عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2012, 10:18 PM
المشاركة 387
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فردوس الجنون
الوحدة
الاثنين27/9/2010
جودت حسن
لا توجد رواية بلا شخصية , ولا توجدشخصية بلا صراع , هذا أمرٌ يجب أن يكون من البديهيات .. أما عندما يقتصر الأمر علىشخصية ( واحدة ) تتفرّع عنها كل الشخصيات الأخرى , فإن الحديث عن الرواية يبدوصعباً وفظاً إلى حد ما ..! وهذا الحدّ يجب أن تظهره المعايير الأدبية , وهذا ما لميبلغ كماله بعد ..! إن
المونولوج هوالسائد في القصّ الحديث , لكنه ليس عاجزاً عن تقديم الشخصية الروائية وإدارة » أزمة « الصراع بين أكثر من قطب وأكثر من شخصية ..! في رواية الأستاذ » أحمد يوسف داود « الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان : » فردوس الجنون « صبوة مجنونة للحاق بحلمسوريالي يستطيع رسم الواقع بغير أدوات هذا الواقع .. وأنا أظن أن الكاتب أراد أنيخط ملحمة غنائية تشاكل رواية حيدر حيدر في : » وليمة لأعشاب البحر « الرواية التيهي سرد ومكابدة لبطل وشخصية صراعها موجود في كل صفحة وفي كل حركة .. واللغة نفسهاعند حيدر حيدر تتحول في رأيي إلى » بطل « ! إن اللغة عند » حيدر « تتحول إلى كابوسيقضّ مضجع الذين حولوا الشخصيات المنفية إلى أرقام .. ! لكنّ هذه اللعبة خطيرة ولايمكن تقليدها بسهولة .. ثم , إن الروح الشاعرية عند » حيدر « تغطي و » تجمّل « فنياً الخروقات في كل صراع وشخصية لم يصل إلى ذروة هذا التناقض الذي على الرواية أنتسطّره , وعلى الراوي أنْ يجيد حبكه واللعب عليه من خلال الكلمات .. ! النشيد هناعند الروائي » أحمد يوسف داود « مع أن البطل الوحيد - الراوي - يكاد يكون واحداً فيالروايتين ! بطل أحمد يوسف داود منفي في لبنان وفي ميليشيات التهريب .. في رواية » فرودس الجنون « هناك شخصية مركزية واحدة تتفرع عنها الشخصيات الأخرى , أو هي تخلقنقيضها لتكون كاملة كرواية , لكن أبطالها يتحدثون بالنيابة عن الراوي - المؤلف الذييتقمص دور الجنون ليبرز عورات هذا العالم : » في أوطان لا تنتج غير أصناف العلكةالرديئة , كيف يمكن حتى لأرسطو أن يتفلسف ? « ص10 .. نتابع أيضاً : » الحياة ماعادت غلطة سافلة وحسب , بل هي قد صارت في هذا العصر الفاضل مجتمع قاذورات ومجمعفظاظات يخترع الشيطان ذاته « ص8 .. ولأن الروائي الكاتب يدرك سلفاً أنه لا يستطيعتقديم كل هذه الكمية من الجنون في رواية حتى لو بلغت صفحاتها الألف , فإنه يعترف » لحظتها , تبين لي مدى سذاجة روايتنا هذه قياساً إلى الجنون الفعلي الذي احتلّالعالم « . ص12 .. ! وفي الصفحة التي تلي نقرأ : » كنا نجد هذا العالم أمامنا كلمااخترعنا وهماً روائياً كي ننساه .. وجدنا أنفسنا واقعين في مطبّات من الجنون البارد « ص13 ..! والمؤلف يجد أنه من الصعب تغيير قواعد اللعبة هذه عندما يجد أنه لايستطيع أن يخترع جنوناً يليق بسفالة هذا العالم .. وهنا علينا أنْ ندقق قليلاًبالشخصيات في الرواية وفي صراعها .. مع منْ تتصارع هذه الشخصيات إذا كان خالقهاالروائي يقرّ بعجزه عن تغيير اللعبة , الأمر الذي لا ينبغي أن يؤيده النص الجديدالذي يسرد طرفاً من الجنون : » ممنوعٌ عليك أن تضع ولو لمسة صغيرة جديدة في قواعدالجنون « ص 17 .. وهذا الهمّ يكاد يصبح كابوساً يؤرّق المؤلف الذي يعود إليه بعدعشر صفحات قائلاً : » إنّ إحدى سقطات روايتنا هذه أيها السادة , هي أنّ الجنون فيهايبدو لنا - نحن أبطالها - سخيفاً إلى درجة محزنة .. إننا نُبدي أسفنا أمامكم , علىأننا لم نستطع أنْ نكون فيها مجانين حقيقيين بالقدر الذي ترغبونه ..! « ص27 ..! فيرواية » فردوس الجنون « يوجد حدّ أدنى من السوريالية , وهذه في رأس قفزة ملائمة فيالعصر الفاوستي الجديد , لكي نبرهن أننا لم نعدْ بحاجة إلى الروح , وكل ما يصبوإليه الأبطال في الروايات وخارج الروايات هو تحقيق الجزء الأسفل من فلسفة أبيقور ..! تبقى اللغة في » فرودس الجنون « شخصية حاضرة لتذكر بالشاعر المؤلف , واللغة هناتستر ولا تعري .. ونحن تنقصنا المعايير النقدية لنفرق في الألفية الثالثة ما بينشخصية » واقعية « وأخرى يرسمها خيال » الشاعر « , الأمر الذي يجعل الصراع أقلّتوتراً , والجنون أقلّ فائدة , والصراع على الوصول إلى النهايات القصوى في » الحدث « وفي » التشويق « أكثر عقلانية , في الوقت الذي يجب فيه على اللغة أن تسقط مندورها كورقة توت , وهذا أمر لم يقصّر فيه الراوي - المؤلف .. لكن الجنون يحتاج إلىسوريالية , وهذه تحتاج إلى جنون اعترف الكاتب بأنه جاء ساذجاً وبسيطاً .. لكنهارواية تسرد جزءاً من التاريخ المعاصر لشرقيّ بلدان المتوسط , ( فردوس الجنون ) للشاعر والروائي أحمد يوسف داود , هي رواية شيقة , وجذابة , وشاعرية , وكثير منالتخيل الذي يعكس الواقع بلغة الحالم , وهناك لوحات مسرحية كاملة يمكن تطويرها فيالمستقبل لكي يكتمل الجنون الأصلي في شرق المتوسط .. في شرق لم تمرّ عليه لمسات » فاوست « , ولا يريد أنْ يصدّق بأن » العقل « مصيبة حتى في رواية ..!‏