عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2021, 11:42 PM
المشاركة 81
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: لقاء مفتوح مع الاستاذ ياسر علي
أهلا بك أستاذة ناريمان الشريف



الشعر*


قد أكتب بشيء من الشعرية، حين تتجه بوصلتي نحو البوح والخاطرة، لكن لم أمتلك يوما الشجاعة لاقتحام عالم الشعر، أحس أنه أكبر بكثير من قدراتي الفنية، واللغوية والتصويرية، لكن سؤال الشعر لم يفارقني يوما، من أين للشعر هذه الهيبة وتلك السطوة التي ترغمك على التواضع له والانسياق له والاستنجاد به في لحظة لا تجد من الكلام ما يجدي غير بيت شعري ظل محفورا في الذاكرة، يستيقظ ليقول أنا أنت فلماذا تنكسر. ظل الشعر على الدوام الأقرب إلى الإنسان ورحلته عبر العصور، وسيبقى سحره يلامس القلوب. حين أدخل المواقع الأدبية تثيرني قدرته الجبارة على جذب الناس إلى فضاءاته فغالبا أجده يحظى بأكبر عدد من المتتبعين.

تساءلت غير ما مرة، لماذا أصر أفلاطون على إبعاد الشعراء من مدينته الفاضلة، فمملكته العقلية تخاف على نفسها من وجدان الشعراء، قد يكون محقا حيث يحمل الشعر في ثناياه الموروث المعرفي والقيمي الذي حاول تجاوزه، لكنه مخطئ أيضا لكونه هو بالذات أسس عالم الوضوح على غرار العالم الملائم والجيد الذي تمثل السماء رمز كماله "كل شيء في مكانه" أو بصيغة أوضح النظام الدقيق للكون، علما أن الأسطورة اليونانية مؤسسة على هذا البراديغم الكمال في السماء و النقص في الأرض. جئت بهذا الكلام لأقول أن الشعر تنظيم دقيق للغة، حيث يجعل اللغة تنصاع لقوالب مضبوطة كل مفردة تأخذ مكانها الذي لا تستطيع مفردة أخرى احتلاله.

كان سؤالك عن الموانع التي جعلتني لا أكتب الشعر، هي كثيرة *و في مقدمتها جهلي للشعر كصنعة، وسبب ذلك أيضا هو أنني لا أحفظ، لا أحس بالمتعة في التكرار، لا أملك هذا الصبر و هذا النفس الطويل. تعتريني بعض فوضوية، لكن أقدر الشعر حق قدره ولست تفكيكيا أو من دعاة تجاوز نمطية الشعر، وإن كنت لا أمانع في ظهور أنماط جديدة تثري جمالية القول على غرار قصيدة النثر.*

لكنني مكتف بالخاطرة وبالمناسبة هذه خاطرة كتبتها حين ماتت جدتي من أمي، ربما قرأتها ذات يوم.*


هل بعدك ألق.!*

*

عيون الزهر تمطر دمعا،
وناي البلبل سيّال بلحن الألم،
نغمة صمت مديد فتّاك تحاصر مسمعي،
ثقيل ظل الفراق حبيبتي.

صدري موطن خصب،
لضيق كفته وازنة،
لا تهزّها فضاءات كون مدّت أطرافه.
ميزاني إبرته مالت، ولو ملئ الكون ضياء وأفراحا.

آه منك أيها الفراق العنيد.
تستبدّ بي في كل لحظة.
تصرّ أن تسكن فؤادي، تذكّرني أنك حيّ لا تموت.
كلّ يوم تنبعث في شكل جديد،
ترفع علم الخلد،
أنت الأصل والوصال شبح أرتّق أطيافه.

أين تلك العيون التي تشعّ دفءا،
أين سحر بسمة تلألت ذات يوم،
تضاءلت، فخبت، وغابت،
وساد صمت القبور.

صمت بطعم الضجيج
يحفر طرقه في أذني
تتجعد نفسي، تتنازعها السّكرات

آه والآه انكسار
تنطقه نفس عاجزة، مستسلمة، راضخة.
كيف تريدني أملا، وقد أدمنت الفراق،
وصار في جوفي أملي المعتّق.

هناك بين الدّروب تسكن الوحشة،
ينصب الفراق خيمته،
يطعمك من زاده مايكفيك، فلا تنسى.
تسكنك ذكراه،
والنبض بإيقاعاته يقتدي.

هل أصمت وأكون لقمة لك لذيذة،
طريدة آمنة،
أم أكون للعويل مصاحبا،
فأستثير فيك شبق الغاب،
لتأخذني غلابا.

لا، لن أصمت،
وأكياس الحزن مكدّسة في دياري،
رصّفتها رفوفا، كمكتبة زاخرة،
حيث وليت وجهي وجدتك حاضرا.

حياتي أوراق خطت بحبر أسود،
لوحات تبرق فيها الحياة عنوة،
ملتحفة أثواب العتمة.

حبيبتي ذهبت
وأنا هنا باق أحكي الحكايا.
حكاية فراق شامخ
يأبى إلا أن يكون رمز البقاء.