عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2012, 04:05 PM
المشاركة 399
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ليلى العثمان في رحلة الحياة والكتابة:أنسنة العالم أو تأنيث الكتابة... والوعي النسوي المضادّ
جهينة- أحمد علي هلال:

ترى هل مثّلت الكاتبة الكويتية ليلى العثمان فيما كتبته وأبدعته في عوالم القصة القصيرة والرواية وقصائد النثر وسواها، ظاهرة استثنائية لا تقف عند حدود المشهد القصصي والروائي الكويتي والخليجي، ظاهرة قد تفسرها نتاجاتها في تلك الحقول المختلفة؟!
وبالتأكيد فإن تأكيدها لحقيقة الجدل والسجال حولها، سيضفي على ما أبدعته ليلى العثمان خصوصية لافتة على امتداد تجربتها من عام 1965، حيث صدور مجموعاتها القصصية «امرأة في إناء، يحدث كل ليلة، في الليل تأتي العيون، الحب له صور، حالة حب مجنونة، 55 حكاية قصيرة، زهرة تدخل الحي، لا يصلح للحب»، إلى انعطافها إلى عالم الرواية في «المرأة والقطة روايتها الأولى عام 1985، إلى فتحية تختار موتها، والمحاكمة، العصعص، صمت الفراشات، مقطع من سيرة الواقع» فضلاً عن ولوجها فضاء القصة القصيرة جداً، وكتابتها قصائد النثر والخواطر والمقالات والمقالات بلا قيود... دعوني أتكلم».

السيرتان
ربما تتضافر سيرتا المبدع الذاتية والإبداعية لتشكّلا عالماً قائماً بذاته من الدلالات والاستيهامات والرموز، لعلنا نستقرئ في نسيجه ومحكيه واقعاً تتكشف فيه هوية، وأنساقاً اجتماعية وأخلاقية وثقافية وفكرية، وعليه... فإن جدلاً بين الخاص والعام سيضبط العلاقة ما بين المبدع ونصه، ولاسيما إذا كان عالم المرأة هو المنطلق، والباعث لهواجس إبداعية وشواغل لا تنتهي.
فالكاتبة ليلى العثمان استطاعت التعبير عن نفسها من خلال إرث سردي متنامٍ، لا يأخذ معناه من خلال التنوع والامتداد وابتكار لغة خاصة مختلفة فحسب، بل من خلال بث رؤى خاصة، لعل مبتدأها هموم المرأة الكويتية ومن ثم المرأة الخليجية والعربية، تستنطق التاريخ والذاكرة، وتبحث عن الصوت الإنساني، وهي لا تذهب إلى الماضي لأنه ماض، بل تنبش في بنيته، تحفر عميقاً في آثاره لتناهضه بمعنى مناهضة أسلبته، من أجل صلة بالحاضر تقارب المسكوت عنه في الاجتماع والسياسة والثقافة، وتزحزح السائد وتتصدى لإشكاليات ومعوقات لا تخص امرأة بعينها في الأغلب الأعم، من مثل: «استمرار النمط الأبوي كشكل أساسي للعلاقات الاجتماعية، ومحاولات الإقصاء المستمر لدور المرأة في الحياة الثقافية، وأن المعوقات ما زالت وربما تزداد يوماً بعد آخر، إذا ما تنامت التيارات المعادية لتحرر المرأة ولإبداعها ولإنسانيتها».
شعرية الرفض
تلك هي رؤية ليلى العثمان التي ستجد حواملها الأدبية في متون سردياتها الزاخرة بشعرية التمرد والرفض، ومنظومة الرموز المحفزة لتأويلات جمة، لعل في مقدمتها التماهي بين الكلمة والكاتبة، حيث تقف روايتها القصيرة «المرأة والقطة» مثلاً على حقيقة نزوع المثقف للرفض – رفض لا معقولية الواقع، والتحرر من الخوف وإدانته.
تتوغل- العثمان- عميقاً في دقائق النفس البشرية، فتقف على مأساة الفتاة الشرقية، فمعاناة المرأة الخليجية، تلتقط بخبرة ودراية دلالات الحرية الإنسانية، وترى في المرأة مركباً سيكولوجياً متعدداً، فتسقط عليها اتجاهاتها الواقعية المفتوحة على الحلم والأسطورة والزمان المتخيل والواقعي، وسواها من اتجاهات «رومانسية» لا تغفل عن إيقاظ المتخيل السردي، على إيقاع الحب والموت، حيث تتنكب أقدار شخصياتها التي تلوذ بأحلامها- حريتها الفردية- إزاء عالم يعوق التطلع، متسلط كابح لصوت المرأة ووجودها، لا يريد منها سوى الوقوع في أسر جاذبية استلابها.
نقي وجارح
وصف أدبها بأنه أشبه بالماس، نقي وجارح، هذا الوصف الذي قاله نقاد حصيفون من أمثال عبد اللطيف الأرناؤوط، قارئ أعمالها غير الكاملة، يختزن صدقها وجرأتها وخصوصية تجربتها في الفضاء الثقافي الكويتي، وما أثارته من ردود أفعال متباينة إثر صدور رواياتها «العصعص، المحاكمة، صمت الفراشات»، حيث هجاء القهر العائلي، ورصد التجربة الذاتية، واستدعاء زمن الطفولة، والجهر بمحنة المرأة العربية الصامتة والمحكومة بالخوف، وأهمية الماضي في تشكيل الحاضر.
ليلى لا تصالح الواقع
تلك الجرأة حملت روائياً سورياً معروفاً على القول: ليلى لا تصالح الواقع، لا تراه قدراً، لا تتعبده صنماً، لا تنوء تحت وطأته، لا تهرب منه إلى الأمام، بل تواجهه، ترفضه، تقاومه».
هكذا دأبت ليلى العثمان على الكتابة، مثيرة أسئلتها الكبرى عن الوجود والإنسان والمكان والهوية، أسئلة «ميتافيزيقية» اتسعت لها الرواية بحساسية جارحة، وقول روائي لا يكتب الواقع، بقدر ما يفارقه، ولعل الثمن الموضوعي للاختلاف سيتجاوز تكريمها وانتزاع جائزة الأدب التي منحها لها «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عن مجموعتها القصصية «يحدث كل ليلة»، أو وقوفها أمام المحكمة بتهمة كتابة أدب يتضمن «عبارات تخدش الحياء العام» إلى عالمها الذي يشبهها، وكيف تصوغه وتمتلك كثافته ليقول بأن القهر متساوٍ.
مشروع حرية
قهر الرجل والمرأة على حد سواء، لتكتب عن بلاغة انتهاك الجسد أو الروح تعالج رصيدهما في متخيلها اليقظ، ولتستدعي مشروع حريتها، وإنسانية الخوف، وفي كل أشكال معالجتها، ثمة توتر درامي يحيل على اللغة والحدث ولا يكتفي بهما فالرواية كمغامرة محسوبة شأنها شأن الكتابة، فإلى جانب ما تتوهج به، تبث قلقها وإلى جانب ما تهدمه من متعاليات الواقع، تبني بالرؤية ما يوازي عالماً مفقوداً كالحب الذي تقوم عليه روايتها «وسمية تخرج من البحر» في اختزاله بالبحر كمهاد لإسقاطات دلالية لعلاقة تقليدية تجمع قطبين متنافرين في حياة واحدة لابد من وضع نهاية لها، ما يشي باستبطان التوحد، والذهاب بعيداً في المرجعيات النفسية للإبداع.
على نحو يثير الجدل تمضي ليلى العثمان في مشروعها الإبداعي، بشغف الحكاية وغوايتها وانفتاحها على آفاق طليقة، خارج تعييناتها- غالباً- فهي كما يقول عنها الروائي حنا مينة في تقديمه لمجموعة «في الليل تأتي العيون»: «ليلى العثمان امرأة من الكويت تكتب لكل رجل وامرأة في العالم العربي، عسى الإنسان أن يلتزم بإنسانيته» ومن اللافت أن الإنسانية محور نتاجاتها، ليست إلا إنسانية مثلومة.
من هو الإنسان؟!
أو ملتبسة بفعل ما يواجهها من قسر وخوف وإحباط وانكسار أحلام، فالإنسان كما تقول ليلى العثمان: «ليس ملاكاً ولا إنساناً، الإنسان هو ما سوف يكون، ونحن نساعد في تكوين هذا الإنسان، أن نرفعه إلى أعلى أو نهبط به إلى أسفل» الإنسان في مواجهة الموروثات، وسلطة التقاليد، وعبث المدينة.
نزوع إلى الخلاص
هل تبشر الكاتبة بالخلاص الفردي، وهل تقود الجنون إلى حتفه ليكون وجه الموت أليفاً، وهل تصطفي حكمتها في صياغة الواقع أو الوقائع؟!
إن عالم المرأة في الخليج هو عالم ليلى العثمان، بما يتضمنه من دورة الصراع بين قيم الماضي، والانفتاح على العالم الجديد، لكنه يختزن تفعيل دورها بوصفها متفوقة في الثقافة والعمل، تنهض الرواية لدى –العثمان- إذاً بتيمات رئيسية هي «الحلم والواقع والتخيل» مؤسسة على ثقافة ستتضح خطاباتها في فضاءات السرد، لتصبح معادلاً موضوعياً للمعيش المفقود أيضاً، لردم فجواته، وما يضع وعياً مضاداً في مواجهة أسلبة الذات وتحررّها، بما يستطيعه الفن لأن يتخطى، ويعيد تشكيل الوعي بين الحياة والكلام، بين السرد والرمز بكل متطلّباته، كذلك تأتي الرواية من العثرات، من الطرق المسدودة... تأتي بأسئلتها وبنواقصها، كي «لا تأكل المبدعة ثورتها»!.
جائزة ليلى العثمان
في خضم انشغال ليلى العثمان بمنجزها الواسع الطيف ومعاركها المفتوحة، تفتح صالونها الثقافي على النقد والإبداع، يلتقي في أجوائه مبدعون كويتيون وعرب.. من مختلف الاتجاهات والتجارب، والثقافات، ثمة فعاليات تحتضن الإبداع بأسمائه وعلاماته المتحققة وغيرها، تجربة تذكر بصالونات ثقافية عربية مع اختلاف في خصوصية المكان، وطبيعة القضايا، وسجالات الثقافة، بل تعلن جائزة باسمها إلى مبدعي الشباب الكويتي، ظاهرة قد تجد مثيلها في غير قطر عربي، كما ليلى العثمان ذاتها كظاهرة إبداعية، وليست بعيدة عما تنجزه مثيلاتها الروائيات العربيات مثل: سحر خليفة، ونعمة خالد، وأحلام مستغانمي، ورضوى عاشور، وعالية ممدوح، وليلى أبو زيد، على مستوى ارتيادهن مناطق ظليلة، وعلى مستوى تقاناتهن السردية، ومستوى ما يقاربن من موضوعات شائكة ملتبسة تنطوي على تحديات مثيرة وخطرة بآن معاً في «رحلة الصدق والإدانة»... الكتابة والحياة..