عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-2020, 07:44 AM
المشاركة 2675
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال

.... صَحِيْفَةُ المُتَلَمِّسِ ....


قال المفضل : كان من حديثها أن عمرو بن المنذر بن امرئ
القَيْس ، كان يُرَشِّحُ أخاه قابوس - وهما لهند بنت الحارث
ابن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده ، فقدِمَ عليه
المتلمس وطَرَفة فجعلها في صحابة قابوس وأمرهما بلزومه ،
وكان قابوس شابًّا يعجبه اللهو ، وكان يركب يوماً في الصيد
فيركُضُ ويتصيَّدُ وهما معه يركضان حتى رجعا عشية وقد
لَغبا ، فيكون قابوس من الغد في الشراب ، فيقفان بباب
سرادقه إلى العشي ، وكان قابوس يوماً على الشراب فوقفا
ببابه النهارَ كلَّهُ ولم يصلا إليه ، فضجر طرفة وقال :

فَلَيْتَ لَنَا مَكَانَ المَلْكِ عمرٍو
رَغُوثًا حَوْلَ قُبَّتِنَا تَخُورُ

مِنَ الزَّمِرَاتِ أَسْبَلَ قَادِمَاهَا
ودرَّتُها مركنَةٌ دَرُورُ

يُشَارِكُنَا لَنَا رَخْلَانِ فِيهَا
وتَعْلُوهَا الكِبَاشُ فَمَا تَنُورُ

لَعَمْرُكَ إِنَّ قَابوسَ بْنَ هِنْدٍ
لَيَخْلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كَبِيرُ

قَسَمْتَ الدَّهْرَ فِي زَمَنٍ رَخِيٍّ
كَذَاكَ الحُكْمُ يَقْصِدُ أَوْيَجُورُ

لَنَا يَوْمٌ وَلِلْكَرَوَانِ يَوْمٌ
تَطِيرُ البَائِسَاتُ وَلَا نَطِيرُ

فَأَمَّا يَومُهُنَّ فَيَومُ سُوءٍ
يُطَارِدُهُنَّ بالخربِ الصُّقُورُ

وأمّا يومُنَا فَنَظَلُّ رَكْبًا
وُقُوفًا لَا نَحُلُّ وَلَا نَسِيرُ

وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو ، وكان كريماً على
عمرو بن هند ، وكان سَميناً بادناً ، فدخل مع عمرو الحمام ،
فلما تجرَّدَ قال عمرو بن هند : لقد كان ابنُ عمك طرفَةُ رَآك
حين قال ما قال ، وكان طرفة هَجَا عبدَ عمرٍو فقال :

وَلَا خَيْرَ فيهِ غيرَ أنَّ له غِنًى
وَأَنَّ لَهُ كَشْحًا إذَا قَامَ أَهْضَمَا

تَظَلُّ نِسَاءُ الحَيِّ يَعْكُفْنَ حَولَهُ
يقلنَ عَسيبٌ من سَرَارَة مَلْهما

لَهُ شربتانِ بِالعَشِيِّ وَشَرْبَةٌ
منَ الليلِ حتى آضَ جَبْسًا مُوَرَّمَا

كأنّ السّلاحَ فوقَ شُعْبَةِ بَانَةٍ
تَرَى نَفَحًا وَرْد الأسرّة أَصْحَمَا

ويَشْرَبُ حتّى يغمرَ المَحْضُ قَلْبَهُ
فإن أعطه أَتْرُكْ لِقَلْبِيَ مَجْثَمَا


فلما قال له ذلك قال عبد عمرو : إنه قال ما
قال ، وأنشده :

* فَلَيْتَ لَنَا مَكَانَ المَلْكِ عمرٍو *


فقال عمرو : ما أُصَدِّقُكَ عليه ، وقد صَدَّقَه ولكن
خاف أن يُنْذِرَه وتدركه الرحِمُ ، فمكث غير كثير ثم
دَعَا المتلمسَ وطرفةَ فقال : لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما
وسَرَّكما أن تنصرفا ، قالا : نعم ، فكتب لهما إلى أبي كَرْب
عاملِهِ على هَجَر، أن يقتلهما ، وأخبرهما أنه قد كَتَبَ لهما
بِحِباءٍ ومعروف ، وأعطى كل واحد منهما شيئاً ، فخرجا ،
وكان المتلمس قد أَسَنَّ ، فمر بِنَهر الحِيْرَة على غِلْمان
يلعبون ، فقال المتلمس : هل لك في كِتَابَيْنَا فإنْ كان
فيهما خير مَضَيْنَا له ، وإن كان شراً اتقيناه ، فأبى طرفة
عليه ، فأعطى المتلمسُ كتابَه بعضَ الغلمان فقرأه عليه
فإذا فيه السوأة ، فألقى كتابه في الماء ، وقال لطرفة :
أطعني وألقِ كتابَكَ ، فأبى طرفة ومضى بكتابه ، قال :
ومضى المتلمس حتى لحق بمُلُوك بني جَفْنَة بالشام ، وقال
المتلمس في ذلك :

مَنْ مُبْلِغُ الشُّعَرَاءَ عَنْ أَخَوَيْهِمُ
نَبَأ فَتَصْدُقَهُمْ بِذَاكَ الأَنْفُسُ

أَوْدَى الذّي عَلِقَ الصَّحِيفَةَ مِنْهُمَا
وَنَجضا حِذَارَ حِبَائِهِ المُتَلَمِّسُ

أَلْقَى صَحِيفَتَهُ وَنَجَّتْ كورَهُ
وَجْنَاءُ محمرة المَنَاسِم عِرْمِسُ

عَيْرَانة طَبَخَ الهَوَاجِرُ لَحْمَهَا
فكأنَّ نُقْبَتَهَا أَدِيمٌ أَمْلَسُ

أَلْقِ الصَّحِيفَةَ لا أَبَالَكَ إنَّهُ
يُخْشَى عَلَيْكَ مِنَ الحِبَاءِ النِّقْرِسُ


ومضى طرفة بكتابه إلى العامل فقتله .
وروى عبيد راوية الأعشى قال : حدثني الأعشى قال :
حدثني المتلمس - واسمه عبد المسيح بن جرير - قال :
قدمت أنا وطَرَفة بن العبد على عمرو بن هند ، وكان
طرفة غلاماً معجباً تائهاً ، فجعل يَتَخَلَّجُ في مشيه بين
يديْهِ ، فنظر إليه نظرة كادت تقتلعه من مجلسه ، وكان
عمرو لا يبتسم ولا يضحك ، وكانت العرب تسميه مُضَرِّطَ
الحجارة لشدة ملكه ، وملك ثلاثاً وخمسين سنة ، وكانت
العرب تهابه هيبة شديدة ، وهو الذي يقول له الذهاب
العجلى (واسمه مالك بن جندل بن سلمة ، من بني عجل ،
ولقب بالذهاب لقوله :

وما سَيْرُهُنَّ إذْ عَلَوْنَ قُرَاقِرًا
بذي أمَمٍ ولا الذَّهَابُ ذَهَابُ)

أَبَى القَلْبُ أن يأتي السديرَ وأهلَه
وإنْ قيلَ عَيْشٌ بالسَّدِيرِ غَرِيرُ

بهِ البَقُّ والحمَّى وأسْدُ خَفِيَّةٍ
وعَمْرو بن هند يَعْتَدِي ويَجُورُ


قال المتلمس : فقلت لطرفة حين قمنا : يا طرفة إني
أخاف عليك من نظرته إليك ، مع ما قلت لأخيه ،
قال : كلا ، قال : فكتب له كتاباً إلى المكَعْبَر - وكان
عامله على البحرين وعمان - لي كتاب ولطرفة كتاب ،
فخرجنا حتى إذا هبطنا بذي الركاب من النجف ، إذا
أنا بشيخ عن يساري يتبرز ومعه كِسْرَة يأكلها ويَقْصَع
القمل ، فقلت : تالله إن رأيت شيخاً أَحْمَقَ وأَضْعَفَ
وأقلَّ عقلًا منك ، قال : ما تنكر ؟ قلت : تتبرز وتأكل
وتَقْصَع القمل ، قال : أخرج خبيثًا ، وأُدْخِلُ طيّبًا ،
وأَقْتُلُ عَدوًّا ؛ وأَحْمَقُ مني وأَلأمُ حاملُ حَتْفِهِ بيمينه لا
يدري ما فيه ، فنبهني وكأنما كنت نائماً ، فإذا أنا بغلام
من أهل الحِيْرَة يَسْقي غنيمة له من نهر الحيرة ، فقلت :
يا غلام أتقرأ ؟ قال : نعم ، قلت : اقرأ ، فإذا فيه
"باسمك اللهم ، من عمرو بن هند إلى المكَعْبَر ، إذا أتاك
كتابي هذا مع المتلمس ، فاقْطَع يديه ورجليه وادفنه
حياً ، فالقيت الصحيفة في النهر ، وذلك حين أقول :

وأَلْقَيْتُهَا بِالثِّنْيِ مِنْ جَنْبِ كَافِرٍ
كَذَلكَ أقنو كلَّ قطٍّ مُضَلِّلِ

رَضِيتُ لها لما رَأَيْتُ مَدَارَهَا
يَجُولُ به التَّيَّارُ فِي كلِّ جَدْوَلِ


وقلت : يا طرفة معك والله مثلها ، قال : كَلَّا ! ما
كان ليكتب بمثل ذلك في عقر دار قومي ، فأتى المكَعْبَر
فقطع يديه ورجليه ودفنه حياً .
يضرب لمن يَسْعَى بنفسه في حَيْنها ويغررها .