عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-2014, 04:13 PM
المشاركة 27
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
جئت اليوم
باكراً ... شيئاً فيك تغير يا طبيبتى ... بك شوق ولهفة
لمعرفة قصة زرد الصغيرة ..
ام يهمك قصة اخرى...هذه هى نبؤتى السادسة
اعرف من تهتمين لسماع قصته اكاد ارى الفضول على
وجهك .تبتسمين بغموض وتهمسين لى :- اننا نتحدث
عنك يا وجد..وليس عنى..انت المريضة ولست انا
اضحك فى سخرية وهل يوجد مريض يعترف بمرضه
..تبدئين فى التملل..ازفر فى عمق لا بأس فلنكمل القصة
شكرت شهد الهانم الطبيب واجزلت له العطاء مع تحذير
بأن ينسى الصبية وكل ماحدث..لم
يكن فى حاجة لتحذير ..كان فى حاجة ليهرب عن
هذه المرأة الطاغية بكل قوته بل

عن بلدتها كلها إن استطاع..يقلقه مصير الصبية
ويؤلمه انه لا يسطيع فعل لها شئ اكثر مما فعله. كانت
زرد تتعافى لكن قسوة الشهور الماضية تركت اثرا مدمراً
فى نفس الصبية فكثيرا ما كانت تصرخ فى احلك
ساعات الليل صراخ يضج منام الهانم ويؤلمها فتقول لها
وهى تمسكها بقوة:- اصرخى فكم صرخت مثلك..
اصرخى كى تنسى ألمك ولكن لاتنسى من اذوك

..مضت الايام تلتها الاسابيع تبعتها الشهور وشيئاً من
القسوة يحل فى عينى زرد الجميلتين ويحل محل الألم رويداً
رويداً وكان هذا يبهج الهانم ويسعدها فهى تكره الخنوع
والركون ويبهجها ارتباط زرد الشديد بها .فأذا ما اكلوا
سوياً تقسم زرد انها ستطعم الهانم بيدها وتضع اللقيمات
فى فم الهانم وهى تضج بالسعادة ..وتصنع لها العقود
والسلاسل
المبهجة التى تعلمتها من زرد ابيها .واذا ما وجدت
الهانم قد استشاط غضباً من
احدهم وعلا صوتها ..اسرعت باحضار عطرها
الخاص الذى كانت تحضره بغلى بتلات الورد ثم تبريدها
ثم تضعهم على جبين

الهانم وتدللها والهانم ترتاح لتدليلها ولكنها تنتظر ان
تطلب زرد الانتقام..فالحياة
لدى الهانم ماهى الا عقاب لمن يخطئ ..واذا مر العام
سألتها وهى تقبع كالقطة
تحت قدميها وتضع رأسها على فخذ الهانم التى
جلسست فى ظلال شجر الليمون
بحديقتها من اول من فعل بك..فتترقرق الدموع فى
عيون زرد وتغتاظ منها الهانم
الا انها ما تلبث ان تتحول نظرتها لقسوة شديدة وتزم
شفتيها فى غضب وتنطق
اسم االمجرم ابو عوف ..محمود ابو عوف زوج بهانة
...
فتربت عليها الهانم فى جزل وتصدر اوامرها..ليصحو
ابو عوف فى الصباح وقد تسممت
مواشيه وغرقت ارضه كلها وهلك زرعه ولم تكن
الهانم فى حاجة فى تكملة
- -
انتقامها فقد حدثت أمور مريعة فى بلدة زرد ..فقد قل
الصيد الذى يعتمد عليه اهل
البلد واشتعلت الحرائق الغربية فى بيوت كثير منهم
ولم يكد يمضى العام الثانى وقد
اصبحت البلدة فى حالة من الفقر المدقع وخسرت
العائلات الثلاث الغنية الكثير
من اموالها وطارت القصص فى كل مكان عن شبح
العملاق الاسود الذى يراه
الكثيرون ممن يروون حقولهم قبيل الفجر وهم يمرون
لاراضيهم بالقرب من ضفة
النهر ..تضئ اسنانه البيضاء بهيم الليل ثم يشتعل
فجأة وقد وصلت القصص
لمسمع الهانم التى ضحكت ساخرة..تقتلهم
اوهاهمهم..تقتلهم مخاوفهم يا زرد..ثم
تضحك بصوت عالى انهم ينتقمون من انفسهم يا
زرد الجميلة بالفعل ازدات زرد

جمالا وازاد ولع الهانم بها وكأنها ابنتها..ووصل هذا
الولع للاولادها الثلاث
بالقاهرة..اتوا يسابقون الريح ليروا العبدة الفاتنة
التى سرقت قلب امهم وربما
سرقت نقودهم ايضا ..كانوا يخشون سطوتةم الهانم فرغم
انهاا امهم الا هى لا ترحم اذا ما
تعلق الامر بشئ تريده واسقط فى ايديهم فرغم
ترحابها الشديد بوصولهم ووصول
احفادهم وزوجاتهم معهم الا ان الامور اشتعلت وهم
يتناولون اول غذاء لهم مع
الوالدة وزرد تجلس بجانبها فتندفع احدى الزوجات
فى تأفف كيف تجلس هذه العبدة
معهم..ويشتعل غضب الهانم ونقلب منضدة الطعام
فوق رؤسهم وعلى ملابسهم
ولا تكتفى بهذا بل تسحب كرابجها الاثير وتهم
بضرب الزوجة التى تخطت الخطوط

الحمراء وتصرخ النسوة ولا يسطيع ابناء الهانم شئ
امام ثورتها وجبروتها..الا ان
يدها تعلق فى الهواء وزرد تتعلق بذراعها ..فتهدأ
وهى تقول-:
فقط اكراما
لزرد..امهلكم ثلاث دقائق لا رابع لهم لمغادرة بيتى
ويسقط فى يد ابناؤها الثلاث
وهم يهرولون باطفالهم المذعورين من غضبة الهانم
ويبيتون ليلتهم فى قصر
المرحوم الارناؤطى زوج امهم والنسوة تشعل النار
بقلوبهم وتضع احدهن الخاتمة
لقد سحرت العبدة امكم لم يكن الامر عسيرا عليهم
لمعرفة قصة زرد وبلدتها عانت
من سحر زرد وابيها التى..ولم يكن الامر عسيرا وهم
يعرفون ما حدث للبلدة فى
الاونة الاخيرة ويربطون كل هذا بالسحر ..ولم يكن
عسيرا ان يجلسوا مع عائلات

الكردى والجهينى والجهورى ويخرجون باتفاق واحد
انه لابد من قتل الساحرة
ولكن كيف ..كيف وهى فى حماية الهانم وفى
حضنها..ولا تخرج الا برفقتها
وتتحول يوماً بعد يوم الى هانم اخرى لذا لجأوا الى
من تسطيع الدخول لبيت
الهانم..نادمة حزينة على مصير ابنتها لجئوا الى بدر
ومن غير بدر تسطيع احضار زرد لبلدا الغاضبة
اصبحت زياراتك متقاربة جدا يا مى ..ربما لان
القصة قاربت على النهاية او ان امر
احدهم يهمك اخبرتك فى المرة الماضية ان هذه نبؤتى
السادسة
لكن لماذا تصرين على تقيدى ..تعلمين ايتها الطبيبة
ان خطورتى تنحصر على نفس
لقد حاولت الانتحار كى اضع حداً لكل هذا البؤس
..هل تخشين منى يا مى..تبتسمين
مطلقاً يا وجد
- 52 -
ابتسم فى غل
خطأ يا مى
فعلت خيراً ان قيدتنى – وفعلت شرا ان استمعت الى
وتتسع ابتسامتى الشريرة وانا
ارى القلق يرتسم على وجههك..تدوسين الجرس
بشئ من الحدة تستدعىن جلادتى كى تذهب بى
اعرف اين تذهب..ارجوك يا مى لا اريد المزيد من
جلسات الكهرباء تعلمين انى لا
احتاجها..ساكف عن العبث معك واكمل بصوت
يملؤه الارتجاف والكراهية وانا ارى
علامات الارتياح على وجههك
فى ليلة حالكة السواد اجتمعوا ببدر..التى ابتهجت
لعودة بؤرة الاهتمام بها ..هى من
انجبت هذه المصيبة وهى من ستخلصهم منها..اتفقوا
معها على احضارها من عند
الهانم لكى يخلصوا جسدها من الجان الذى
يسكنها..تذكرت بدر يوم رأت زرد الصبية
- -
كانت نسخة كربونية منها بل اشد جمالا ولا يعبيها
لونها الاسود بل يزيد
فتنته..يومها بعد أن رأت ضرب زرد ابوها ونوم
الصبية تحت قدميه اشفقت عليها
ووضعت بجانبها الماء والطعام..كانت ترغب ان تعيد
زرد لحضنها وهو أمر لم
تجرؤ ان تصارح به سوى جنبات نفسها..تبهرها
الصبية وتؤلمها فى نفس الوقت
ولا سيما وقد انجبت ابنة اخرى وحيدة على ستة
صبيان ..ابنة اخذت اللون الاسمر والكثير من القبح
ان اخراج الجان من جسد زرد سيعدها اليها ويكفر
شئ من جريمتها فى حقها
دون ان تخشى لوم من اى كان
سوف تصبح بطلة البلدة وتستعيد زرد وتعرف منها
اين اخفى زرد الكبير كنزه الاثير الذى رأته يوم زفافها
لكن تبقى الهانم بسطوتها والقصص التى تروى عن
قسوتها وتتعجب بدر كيف

لهذه المرأة الجبارة ان تحمل كل هذا الحنان لصبية لا
تعلم شيئا عنها..انه السحر
ولا شك همست لنفسها نفس السحر الذى ما ينفك
يذكرها بزرد الكبير وحنانه معها
اذا ما قارنته بزوجها الحالى ..نفس السحر الذى
مازال بداخلها حنين لزرد ..لقد
تغلبت على السحر يوما حينما تركت زرد وهربت
واشمئزت من لونه الاسود لكنه
ما لبث يطارد لياليها حينما تزوجت مرة اخرى بعد
ان بطل عقد زواجها من زرد ..فلا زواج من ساحر
هكذا افتى اهلها وشيخ الجامع الذى اخطئ بتزوجيها
من الغريب الذى لايعرفه
لقد طاردتها كذبتها الالاف المرات وكانت كل مرة
تقول لنفسها
زرد ساحر ..وهل غير الساحر يملك كترا من الذهب

هبطت بلدة الهانم فى صباح كئيب بارد شديد الرياح
وقد وصلت البرودة لاطرافها
- -
رغم اتها تدثرت بكثير من الثياب وهى تطرق الباب
الكبير لقصر الهانم
يفتح احد الحراس الباب لها وتخبره بالاسم
وتنتظر وتنتظر قارب الانتظار ساعة
والهانم ترقبها من شرفتها وتتسأل لماذا جاءت ..هل
هى مكيدة من ابنائها
وتترل الهانم لمقابلتها..فالهانم لا تخشى احد...لقد
تخلت هذه الام الماكرة عن ابنتها فهل اتت لتطالب بها
نظرت اليها والى وجهها الذى به شئ من الملاحة
طوته سنوات مضت وقد افتر
ثغرها عن ابتسامة وترقرقت عيونها بالدمع وهى تجثو
على قدميها-:

ايدك ابوسها يا ستى
وتجفل الهانم وهى تترع يدها انتزاعا
وبدر تكمل وهى مازالت جالسة فى الارض

جميلك فوق الرأس يا هانم..يا من انتشلتى لحمى من
العار يا هانم..لم اجئ سوى

لهذا ..خشيت ان يمضى العمر ولا اقبل اليد التى
حمت ابنتى وانتشلتها من الموت
تضيق الهانم عيونها ..ثم تجيب
نلت مرادك وقبلتى يد الهانم..فاذهبى
تقوم بدر طائعة وهى تمشى بظهرها وكأنها فى حضرة
ملكة
وقبل ان تقترب من الباب..تناديها شهد الهانم
هذه زيارتك الاولى فلتكن ايضا الاخيرة ولا تدعينى
اسمع عنك مرة اخرى
ويهتز جس
بدر كله بالطاعة فهى لم تتخيل هذا
الحضور الرهيب للمرأة الطاغية
وقبل ان تغلق الباب خلفها يناديها صوت عميق
بدررررررررررررررر
وقفت الصبية هناك تناديها وتهرع بدر وتحضنها
وتقبل يديها ثم تحتضنها مرة
اخرى وصوت يهمس فى اعماقها بسخرية ..هيا يا
هانم ..هيا لنرى من يكسب الهانم .ام.قلب الام
- -
وتضيق عينى الهانم فى غيظ الا أن الحيرة تعتريها فجأة
وهى ترى تلك النظرة
القاتمة القاسية المليئة بالكراهية فى عينى زرد رغم انها
تقبع فى احضان امها بدر
بدر التى غابت عن الوعى فجأة فتحملها خادمات
الهانم حيث الاريكة الوثيرة
مسدت زرد جبينها بمنقوع بتلات الورد التى تجيد
صنعه والهانم ترقبها وهى لاتدرى ماذا يختلج بقلب
الصبية
وحين تفيق بدر من اغمائها الغامض تفاجئ الهانم
بطلب زرد وهى تقبع كالقطة تحت قدميها مستعطفة اياها
دعيها تبقى ..الامطار كالسيول بالخارج وتحتار الهانم
فهذا التعاطف لا يتفق مع
قسوة نظرتها ولا الكراهية التى طلت بكل عنفوان فى
صوتها
وتبقى بدر بل وتحل كل اسبوع عليهم ضيفة ترقبها
الهانم وهى تمشط شعر زرد

الحريرى وتخدعها الدموع الرقراقة فى عينيها وهى
تغنى لها ..تلين الهانم وترى طفى بدر امرأة مجبرة على
امرها ولا حول لها ولا قوة
وتتغاضى عن تزايد الكراهية فى عيون زرد تجاه بدر
كراهية لا تعكسها مطلقاً فى
تصرفاتها واوعزت لنفسها بأن ما قاسته الفتاة اورثها
تلك النظرة الا ان الحيرة
تمتلك اعماقها وتربكها وهى ترى تلك النظرة تتبدل
اذا ما تطلعت لوجه شهد الهانم..تجد نظرة اخرى وديعة
هادئة
وتمضى الاسابيع تتلوها الشهور...وبدر تستمر فى
خطتها فى استدراج زرد للبلد
كى تخرج الجان من جسدها ..منذ رأت الفتاة وتلك
النظرة التى لم تخطئ فى فهمها
..هناك شيئا يسكن الفتاة ولابد ان تتخلص
منه..هكذا اقنعت نفسها
ويأتى العيد وتتجرأ بدر ان تعرض على الهانم وزرد
المجئ لبلدتهم للاحتفاء بهم

عرضت الهانم يوماً الامر على زرد اجابت فى خفوت
لنضع حداً لكل شئ
جاءت الهانم برجالها وهى تثير الرهبة فى بلدة زرد
الظالمة واحتارت بدر كيف
تسطيع ان تستولى على الصبية لبرهة من الهانم التى
لاتفارق الصبية يومان
قضتهم الهانم هناك وفى الثالث دبروا المكيدة
وتوافقت حينما طلبت زرد ان تزور
بيت النهر فى اقصى البلدة فتوافق الهانم شرط ان
يرافقها رجلان من رجالها

هرع احدهم ليخبر رجال الهانم ان احد ابنائها قد
اصيب بحادث وتجزع شهد الهانم
وتبحث عن زرد حتى تسرع بالرحيل فلا تجدها
فتقسم رجال جزئين ..جزء يبقى
لاحضار زرد وتوصيهم ان يذهبوا بها على وجه
السرعة لقصرها

لكن بدر كانت هناك مع زرد عند بيت النهر المحترق
ترقب الصبية بعيون فضولية وهى تقول
استولت ساحرة كوش على احدهم وتنظر لبدر نظرة
كلها كراهية ..حدثتهم عن الكنز
ولم يجدوه اليس كذلك..وتضحك بسخرية وحدى
اعرف ما حدث فى تلك الليلة
وحدى اعرف اين اهدر زرد ابى كنزه ولم تكمل
حديثها والا وقد اتى رجال الهانم
ليعلومها بمصاب الهانم فتخبرهم بدر بأنها ستعد نفسها
للذهاب معهم وفى نفس الوقت اعداد اشياء زرد والهانم
التى تركوها فى مضيفتهم
وتدخل معها زرد البيت ولا تخرج ..ويطول انتظار
رجال الهانم ويستبد بهم القلق
الذى تحول لفزع واحدهم يخرج مولولا وقعت زرد
من اعلى البيت وماتت
وينتاب بدر الهيجان والصريخ الحقيقى فهى لم تتفق
معهم على قتل الصبية بل اخراج الجان من جسدها
وتخرج جنازة زرد بسرعة وتدفن فى المقابر قبيل الظهيرة
- -
ويهرع رجال الهانم لاخبارها
بينما بدر تولول وتلطم خديها ساعات طوال وهى
تصرخ فى النسوة التى سلمت الصبية لهم
سحقا لكم ..لم اعطها لكم لتقتلوها
اعطيتكم ابنتى بيدى ..انا شريكة فى الجرم معكم
فتقول احدهم فى خفوت
لم نقتلها يا بدر لم نفعل ..خشينا لعنة الساحرة
فتجفف بدر دموعها بسرعة وهى تتساءل اذن من
التى دفناها
وتتسع عيناها للاجابة فى ارتياع وخوف
هى من دفناها..دفناها حية يا بدر
- 62