عرض مشاركة واحدة
قديم 05-29-2013, 12:58 AM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عن القدس العربي بقلم رشيد العناني
سعود السنعوسي، وهو كاتب شاب لم يتجاوز الحادية والثلاثين من العمر وروايته الفائزة هي الثانية من ، قرر أن يفعل شيئا لا نحب نحن العرب أن نفعله عادة: أن نجابه الأشياء مجابهة مباشرة، وأن نسميها بأسمائها مهما قبحت، أن ننظر إلى أنفسنا فنرى عيوبنا فلا نتستّر عليها بل نصارح أنفسنا والآخرين بها باعتبار ذلك أول خطوة على طريق الإصلاح. كل هذا لا نحب أن نفعله، مختارين غالبا الاعتقاد الآمن المطمئن بأننا خير أمة أُخرجت للناس وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان، وأن القذي دوما في عيون الآخرين وحدهم، أما نحن فمنه براء. لكن الكاتب الكويتي الشاب اختار أن يستقيل من عضوية هذا النادي الذاهل المرتاح، وأن يسمح للأدب أن يقوم بوظيفته المرتجاة، وهي الكشف والتعرية، الصدم والمجابهة للفرد والمجتمع، كخطوة على درب الفهم والتغيير. ولأن هذا شيء جدّ نادر في أعرافنا الاجتماعية والأدبية والإعلامية، فكان حتما أن يُلاحظ جهده وشجاعته، وأن تلتفت إليها لجنة تحكيم ‘البوكر العربية’ فتسبغ عليها من التكريم والتنويه ما يأتي في سياق الفوز بهذه الجائزة.
تثير الرواية قضايا عديدة لصيقة بالتركيبة الاجتماعية الخليجية وبالعلاقة بين المجتمعات الخليجية الوطنية وملايين العاملين الذين تستضيفهم في بلادها لتسيير شؤونهم المعاشية، خاصة في مجالات العمالة الدنيا مما يستنكفون عن القيام به بأنفسهم وتيسّر لهم قوتهم الاقتصادية الاستعانة عليه بالغير. وتكشف الرواية عن النظرة المتعالية المُحتقِرة، العنصرية في جوهرها، التي ينظر بها الكويتي، والخليجي بالتعميم، إلى الطبقات العاملة في خدمته من آسيا وغيرها. وتكشف عن أن المبدأ الديني الأخلاقي الذي تعتنقه تلك المجتمعات من أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، إنما هو شعار مثالي نظري، وأن الفضل من الناحية العملية المطبّقة إنما يكون بالقوة والمال والعصبية العرقية والأسرية والقبلية.
تكشف الرواية عن كل هذا مما يعرفه الجميع ولكن لا يتحدث فيه أحد عن طريق قصة شاب نصف كويتي نصف فيلبيني نتج عن زواج سري بين شاب كويتي من أسرة مرموقة وخادمة فلبينية تعمل في منزل الأسرة. وعلى الرغم من نبالة الشاب، فإن الأسرة والتقاليد ترغمه على تطليق زوجته وإعادتها مع رضيعها إلى الفلبين، ولا يلبث الأب أن يلقى حتفه على يد الغزو العراقي للكويت. ينشأ الصغير في ظروف فقر وبؤس في الفلبين حتى يصير شابا يافعا ويقرر أن يرحل إلى الكويت ويحصل على الجنسية التي هي من حقه ويحاول الانتماء إلى أسرة أبيه. لكن المجتمع الكويتي يرفض تقبله والاعتراف به. حقا أنه ينال الجنسية الكويتية بموجب القانون كون أبيه كويتيا، ولكن هذا الاعتراف القانوني يبقى مجرد ورقة رسمية لا تنفع بشيء أمام أسرة أبيه المتوفى والمجتمع بأسره الذي يلفظه ويرفض انتمائه له رفضا صريحا. ولا يشفع له في شيء اعتناقه الإسلام، دين أبيه، على الرغم من نشأته مسيحيا في الفليبين. ولكن تبقى ملامحه الآسيوية و’وصمة’ الجزء الفليبيني ‘الوضيع′ من دمه عائقا منيعا أمام تقبله على قدم المساواة في الأسرة والمجتمع.
يُحسن السنعوسي صنعا إذ يعطي وجهة النظر في السرد الروائي للشاب التعس الذي نسمع القصة من منظوره، فنرى عذابه وحيرته، شوقه للانتماء، محاولاته لأن يُحبّ، لأن يُقبل، والتي تنكسر كلها على صخرة التقاليد والأعراف الاجتماعية والعصبية العنصرية. ومما يُحسب للروائي أنه لا يُصوّر القضية تصويرا مبسّطا بالأبيض والأسود، وإنما هو واعٍ تماما بأهمية الظلال الرمادية، بالتداخل بين النقيضين، بالمنطقة الوسط بين حركة بندول النوازع البشرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فالأسرة الرافضة من جدّة وعمّات الخ ليست بلا قلب، وليس رفضها مطلقا أعمى، وإنما هي أيضا فريسة للعرف الاجتماعي والعصبية المتوارثة جيلا عن جيل، والذي يثبت أنه أقوى من أي نوازع للقبول والاعتراف لدى بعض أفرادها. لا تسعى الرواية للإدانة والحشر في خانات الطيّب والشرير، وإنما تسعى لأن تقول: لدينا مشكلة اجتماعية وأخلاقية خطيرة، كفانا تجاهلا لها، دعونا نتصارح بها ونفكّر فيها.