عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2010, 12:41 PM
المشاركة 33
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ب- النزعة السادية عند المتنبي أسبابها وتجلياتها
لجأ اليوسف ليؤكد هذه النزعة إلى مجموعة من الخطوات منها أنه :
1- اعتمد بداية على شعر الصبا، محاولا التحقق من فرضية أن المتنبي أبدي منذ الصغر ميلا واضحا إلى القتال، مستدلا بخبر ورد في اغلب كتب الأخبار : " فقد قيل له يوما وهو لم يزل تلميذا في المكتب ما احسن هذه الوفرة (أي الشعر الغزير) فقال :

لا تحسـن الــوفـــرة حـتـى تـرى



منشورة الضفرين يوم القتال " ( ).


ويقول في موضع آخر وهو لازال طفلا :

ألا ليست الحاجات إلا نفوسكم



وليست إلا السيوف وسائل( الطويل )


إن هذه النزعة القتالية ستتطور عبر الزمن وتقلب الأحداث لتتحول إلى نوع من السادية.
2- لكي يبرهن على هذه الفرضية لجأ إلى استقراء الصور الشعرية المتواترة في شعر المتنبي التي تعكس الموضوعة الأساسية لديه في - اعتقاد اليوسف -وهي موضوعة " الالتذاذ بالموت ". فقد نظم عناصر هذه الصور في سلك واحدة قائلا : " الموت في الحرب جني النحل في الفم. يحف به رجال كأن الموت في فمها شهد. وأن المنية عند الذل قنديد (عسل السكر). لقد صمم أن يرى روحه على الأرماح سائلة، وان يكتفي بالدم الجاري على الديم. وأخذ يفكر في معاقرة المنايا. وأغرم بسفك دم الحواضر والبوادي، وأقدم إقدام السيل حتى كأن له سوى مهجته أو كان له عندها تأثر. وإذا عاش فسيجعل الحرب أمه والسيف أخاه والرمح أباه. بل هو يصرح بان القتل هو المسكن الوحيد لروحه :

وما سكني سوى قتل الأعادي



فهل من زورة تشفي القلوبا ( الوافر )


إن موضوعة الموت تشكل هاجسا ملحاحا في شعر المتنبي، حيث أن رؤية العالم لديه تتشكل في فلك هذه الموضوعة، ومن تم تندغم النرجسية لديه بالسادية، هذا " يعني أن ذلك الإعجاب الشديد بالانا لا يمنع النرجسي من أن يوجه إلى ذاته اكبر أذى يمكن أن يلحق بها، الشيء الذي يؤكد أن النرجسيين لا يحبون ذواتهم إلا بقدر ما يكرهونها، ولهذا فإننا نزعم أن المتنبي لا يملك نزعة عدوانية ضد الآخرين وحسب، بل هو يكن القتل لنفسه أيضا، ومثل هذا النزوع هو عقوبة للذات من اجل إخفاقها في مضمار إشباع الدوافع ". ولقد بلغت هذه النزعة التدميرية للذات مبلغا صريحا في قوله :

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا



وحسب المنايا أن يكن أمـــانيا (الطويل)


تمنيتهـا لـمـا تـمنيت أن ترى



صديقا فأعيا أو عدوا مداجـيـا


لقد ورد هذان البيتان في مطلع القصيدة التي مدح بها المتنبي كافورا الأخشيدي ، وهي أول قصيدة قالها المتنبي بحضرته كافور بعد رحيله عن سيف الدول.
إن مثل هذه المطالع اعتبرها النقاد العرب القدامى " إساءة للأدب " بالأدب ، حيث أن ذكر الموت في مثل هذا المقام يبعث على التشاؤم ؛ فالمتنبي في هذا المطلع كان واقعا تحت تأثير الفراق المر وتأثير النزعة اللاشعورية للموت باعتباره محركا أساسيا لعوالمه المتنبي الباطنية. لقد أرغم هذا الوضع الشاعر على خرق أدبيات المقام المدحي الذي قيلت فيه القصيدة.
إن هاجس الموت انبثق في شعر الصبا عند المتنبي ورافقه إلى أخريات حياته، حتى أن آخر قصيدة قالها المتنبي بحضرة عضد الدولة البويهي نعى فيها نفسه قائلا :

وأنى شئت يا طرقي فكوني



نجاة أو أذاة أو هلاكا الوافر


وديوانه يضج بالإحالة إلى هذه النزعة، مرة في وصفه للحروب أو في وصفه للصيد في طردياته ومرة في تأملاته الوجودية أو في مراثيه. وإننا نلفي ذكرا لهذا النزوع في بعض قصائده المدحية. لقد أصبح الموت آلية دفاعية في لاشعوره، وقد رد اليوسف مصدر هذا النزوع إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية المتناقضة التي عاش فيها المتنبي.