عرض مشاركة واحدة
قديم 09-24-2013, 04:23 PM
المشاركة 1062
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -39- تماس عروسية النالوتي تونس

- عروسية النالوتي كاتبة تونسية، من مواليد 1950 بالجنوب التونسيجزيرة جربة”، وأستاذة أدب عربي، صدر لها قبل “تماس”: البعد الخامس”، “مراتيج،وبعض قصص الأطفال.

- عروسيّة النالوتي تدخل في «تماس» إلى قلب الصراع: نساء ورجال وأحزان..

- لأن المرأة المبدعة تعدّ نفسها مسؤولة أمام هذه القضايا وغيرها فهي تشهرقلمها متوعدة، متحدية تارة وشاكية، باكية تارة أخرى وفي الحالتين تبقى صورة المرأةغائمة غير جلية تقبع في ظلّ الرجل، من هذا المنطلق ندخل عوالم رواية عروسيةالنالوتي “تماس” التي حاولت التغريد خارج السرب لكنّها لم تفلح في ذلك رغم إصراربطلة روايتها هذه على مواصلة الصراع إلى النهاية، رافضة إعلان خنوعها و استسلامهاإلى القدر المحتوم، والهزيمة المنتظرة...

- إن شخصيّاتتماس” شخصيات مأساوية تطاردها المصائب دون أن تكون متسبّبة في ذلك أو ارتكبت أيّفعل شائن تستحقّ من أجله عقابا بل عن طريق خطأ يتسبّب فيه الغير أو الآخر المتمثّلهنا في المجتمع.

- رأينا في هذا النصّ ما يبرّر حتى تسلّط “قاسم عبد الجبّار والدزينب” الذي نشأ في حضن أم متسلّطة أرغمته على التجرّد من مشاعر الأبوّة ومن واجبهتجاه زوجه.

- فيصبح بالنسبة له من العار أن يجهر بها حتى بعد موت والدته، وهذه الصورةتحيله إلى شخصيّة مرهوبة، لكنها تخفي داخلها ذاتا هشّة تجلّت عندما عانقته ابنته: “فعانقها بشدّة وهو يطلق العنان لشهقاته المكتومة، كطفل يلوذ بحضن أمّه،

- واستغربتخديجة” لانقلاب الأوضاع... ولم تعد تفهم شيئا فقد تحوّل زوجها إلى طفل وديع يشكويتمه لأمّ هي ابنته، وغدت ابنتها التي لم تعرف معنى الأمومة بعد إلى أمّ عرّيفة بحاجات الولد إلى أمّ سخيّة تحضن وتمسح ما ترسّب في النّفس من أكدار”.

- توضّح هذه الفقرة هشاشة قاسم من الدّاخل، كما تبرّر له جبروته وظلمه “لخديجة” فيجد القارئنفسه أمام شخصيّة تستدرّ عنده مشاعر متناقضة فهو يسخط عليه عندما يرى فيه تلكالشخصية المنفرة التي تسحق وتبطش وتقتل ويشفق عليه حين تتحوّل الشخصية ذاتها منمرهوبة إلى مستكينة، تستسلم إلى صدر الابنة/ الأمّ وكأن الرجل يرفض أن يكبر ويتجاوزطفولته وهو في حاجة دائمة إلى حضن أمه، أكثر من حاجته إلى زوج تعامله كانسان راشد،مسؤول.

- لحرمان هوالخيط الرّابط بين شخصيّتي “قاسم وزينب” .الأول حرم من حنان الأم فتحول إلى شخصيةمريضة تفرض هيمنتها على من معها وتعذّبه بينما تحمل في داخلها روحا معذّبة، هشّةتحلم بالانعتاق والثانية حرمت من حنان الأب فخرجت تبحث عنه في رجال آخرين لهم بناتيغدقون عليهن حنانهم بسخاء فحاولت تجريدهن من آبائهم وتجريد أمهاتهن من أزواجطيّبين لم تحض “خديجة “ أمها بزوج مثلهم...

- ومثلما ركّزت على الطفولة ودورهافي بناء شخصيّة الإنسان، اهتمت المؤلّفة بالموروث وما يسبّبه من اختلال وتشويهلطبيعة الكائن الذي يخلق جميلا، رائعا ثم يتحول غصبا عنه إلى شخص مريض تكبّله العقد.

- لم تكشف المؤلفة عن جانب واحد من معاناة المرأة بل توسعت في وصفهاوتطرقت إلى كل القضايا المحيطة بها. لكنّها رغم تحريرها لبطلة روايتها استطاعت أنتمنعها من التهور وارتكاب جريمة في آخر الرواية.

- لم تشأ عروسية النالوتي أنتختم نصّها بقتيل وقاتل، فجعلت “زينب حسّان” تفقد السيطرة على قبضتها فينزلق “قاسممن بين أظافر “زينب عبد الجبّار”، ويفسّر ذلك رغبة “زينب حسّان” في قتل الأبالمتسلّط بيد ابنته المعذّبة “زينب عبد الجبّار”، التي تتخلّى في اللّحظة الأخيرةعن ذلك و تفضل عنه اللّجوء إلى الحوار.

- أخذ الماضي فيهذا النص يتقدّم حتى تجاوز الحاضر إلى المستقبل وذلك تجلّى من خلال الاسترجاعوالاستذكار لأحداث جدّت خلال فترة الطفولة: “للصخر همسه. للصخر هلوسته. للصخرنداءاته البعيدة، المدويّة في الفضاءات السّحيقة الفارغة إلا من الذكرى وحكايات الإنسان الذي كان هنا زمن ثم عبر وترك شرط الوجود والعلامة”.

- تحيل هذهالفقرة على ماض وحاضر ومستقبل وقد انطلق ذلك في الحاضر من خلال هلوسات الصّخرونداءاته: ماض بعيد، ينضم إلى ماض قريب ويشكلا معا الحاضر والمستقبل، الذي يعبر علىجسر استمرارية الحياة المتصلة بوجود الإنسان في تلك المساحة من الأرض وطالما أنالإنسان يحافظ على وجوده من خلال التناسل والتكاثر والتوارث فان المكان لم يزل هناكيواصل احتواء رائحة من مروا ويتهيّأ لاحتضان القادمين.

- أما زمن الرواية فهوامتداد للمكان، سواء كان ذلك من خلال الأمكنة الفعلية التي احتضنت الأحداثوالشخصيات أو من خلال الفضاءات المستترة التي تعكسها الأصوات والروائح وبعض الحركاتالأخرى،

- يضاف إلى هذين الحيزين حيز آخر يكمن في الذات طالما أن شخصيات “تماس” تحياخارج ذواتها وذلك قد يعود إلى تذبذبها وانفصامها الذي جعلها ترتدي أقنعة متعددةتواجه من خلالها مواقف الحياة المختلفة بينما تخفي في جوهرها ذاتا أصيلة تنموانفعالاتها أو تتشوّه تبعا لعلاقتها بالزمن وحركتها في أبعاده الثلاثة: الماضيوالحاضر والمستقبل.

- كما أن زمن هذا النص يضبط إيقاع سرعته تمشيا مع الحالة النفسيةللشخصيات فهو سريع متدفق في حالة الاضطراب والفرح وبطيئا في حالات اليأس والانتظاروقد كانت أطول فترة أو مرحلة في هذه الرواية، تلك التي شملت مرض “خديجةواحتضارها.
- مثلما كان الزمن نفسيا كان المكان أيضا تابعا لما تشعر بهالشخصيات داخله، فالمنزل يتحول إلى سجن خانق بالنسبة “لخديجة”، المرأة المضطهدةالتي حكم عليها ألاّ تغادره الآّ إلى القبر. فيصبح المنزل يشبه الضريح فيوحشته وسكونه وينطويان معا على رائحة الموت.

- كما أن المكان في هذا النص لم يكنايجابيا بل كان سلبيا لأنه لم يفلح في التأليف بين الشخصيات، ومن هذا المنطلق وجدتتلك المسافة التي تبعد بين الزوج وزوجه والأب وابنته والصديقة وصديقها... وبالتاليلم يساعد المكان الشخصيات في إدراك ذاتها لأنه لم يوفر لها فرصة الاتصال المتجدّدبما يحيط بها فانكفأت تبحث في أعماقها عن بديل لم تطله التشويهات ولم يتسرب عذابالعزلة إليه بعد.

- رغم تقيد المؤلفة بمقاييس الرواية التقليدية سواء على صعيد الشخصيات التي حملت أسماء حقيقية وملامحا وأدوارا فيالحياة، أو على صعيد السرد الذي تطور حسب نسق صاعد تطورت خلاله الأحداث وتوالدتتباعا، نجحت عروسية النالوتي في توليد الشخصيات بجعلها الوجوه والأنفس تتناسخ منأجل أن توضح مدى انفصام الإنسان وتمزقه.

- كما أنها جعلت هذه الشخصيات تشترك فيالمشاعر. فيصبح الجلاّد ضحيّة والضحيّة جلاّدا، رافضة تزيين نصها بأمل مخادع، مفضلةالصراحة والمواجهة على الكذب والزيف، لإدراكها أن المأساة لا يكون الخلاص فيها إلاعن طريق الألم والصراعوالموت.

- والموت في هذه الرواية لم يكن ذلك الوحش الكاسر الذييختطف زهرة الروح، وإنما كان مخلّصا رحيما جاء يخلص امرأة معذبة في وضع “خديجة” منآلامها.