عرض مشاركة واحدة
قديم 11-24-2016, 03:44 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي

الجزء الثالث،،،

في تلك الأثناء لم يكن اهتمام الملك الشاب سلام، ملك المملكة الشرقية، بشأن ذلك الشيء، أقل من اهتمام أخاه ضرغام نلك المملكة الغربية. وقد ظل أمر ذلك الشيء يشغل باله هو أيضا، وأحيانا كان يرى في منامه كوابيس مرعبة بطلها ذلك الشيء الغامض المجهول الذي ورث همه مناصفة مع أخيه ضرغام، منذ تلك الليلة الكئيبة التي لفظ فيها والدهما الملك الاكبر آخر أنفاسه.

وكان مجلس الحكم الذي تولى إدارة شؤون المملكة الشرقية انتظارا لبلوغ الأمير سلام السن القانونية لينصب على عرش المملكة قد خطى خطوات مشابهه لتلك التي قامت بها المملكة الغربية، فاتجهت المملكة الشرقية نحو التصنيع أيضا، وكأنها في سباق محموم مع المملكة الغربية ولغاية نبيلة هي الاستعداد لمواجهة الخطر الذي ربما يأتي به ذلك الشيء.

ولم تكن توجهات مجلس الحكم تلك ترضى الأمير سلام رغم حداثة سنه، لكنه ظل يكتم ذلك في سريرته، فقد كان يميل إلى عشق الأرض والطبيعة، ويحب الصيد، وركوب الخيل، ويمارس طقوس مشاهدة النجوم في الليالي التي تكون فيها السماء خالية من الغيوم. وكان اشد ما يكره ذلك الأذى الذي كانت تتسبب فيه المصانع لأرض مملكته، وبساتينها وغاباتها ومياهها. وكان إذا ما شاهد سحابة سوداء تغلف الاجواء أصيب بحزن شديد وهمه سلامة موطنه وموطن ابناء مملكته.

ومرت الأيام وأصبح سلام بدوره فارسا قويا، وقائدا كرزميا، وخطيبا مفوها، لكن شغفه بالطبيعة وحب الأرض والأنهار والجبال والينابيع والأشجار والغابات، وممارسته لطقوس التحديق في السماء لمراقبة النجوم، وأشعة الشمس الذهبية أثناء ولادتها الصباحية، ظلت تطغى عليه ، وكل ذلك كان يوحي بأن سلام قد شب مختلفا عن أخاه الأكبر ضرغام الشرس المقاتل ، فهو هادئ الطباع، رومانسي المشاعر، مرهف الإحساس، يكره الحروب وحتى انه يكره الصيد لولا انه يجد نفسه مضطرا لاكل اللحوم. وظهر جليا أن شغفه الأول والأخير هو الطبيعة الساحرة لمملكته التي كتب فيها شعرا وتغنى في جمالها حينما كانت تطغى عليه روح الفنان.

وظل كل ما يتعلق بالحفاظ على جمال مملكته وبيئتها الساحرة ، وطبيعتها الخلابة، على رأس أولوياته، لكنه لم ينس أبدا ذلك الشيء الذي طالما ارقه في صحوته، ومنامه وحرمه من النوم لساعات طويلة حينما كانت الكوابيس تهاجمه.

وهو أيضا بادر حينما تولى الحكم إلى تشكيل مجلسا من العلماء والخبراء وأهل الرأي والمشورة وظل يلتقي بهم في احتماعات دورية لعلهم يشيروا عليه بشأن ذلك الشيء. فكان الرأي انه لا بد أن تعزز المملكة الشرقية مسيرة البناء والتصنيع والاستعداد للخطر القادم الذي لم يتمكن احد من تحديد ملامحه، ولا فهم كنهه أو توقع على أي شاكلة ستقع مخاطره ومتى وأين ستحل الكارثة التي تبدو متحققة لا محالة...وعلى أن تسخر المملكة كل إمكانيتها لدرء خطر ذلك الشيء أو الهروب منه وعلى شاكلة ما تقوم به المملكة الغربية.

لكن الملك الشاب فاجأ الجميع حينما استتبت له شؤون الحكم وصار حاكمها المطاعوالمخبوب من قبل شعبه ورعيته، وعلى عكس كل التوقعات قرر عدم الاستمرار في السير في ذلك الطريق الذي اختطه مجلس العلماء. وبادر الملك الشاب سلام ورغم تملل مستشاريه ووزراؤه واصحاب الراي الذي حوله إلى إصدار عدة مراسيم حازمة وغير مسبوقة فاجأت الجميع.

فجاء أول مرسوم يحتوي على أمر ملكي بإغلاق كل المصانع ذات الصوامع التي تنفث سموما سوطاء هانقة في الاجواء، وأمر بأن يوضع مكانها طواحيين الهواء أو زراعة ألأشجار الباسقة الخضراء. ومرسوم آخر أمر بموجبه إغلاق المناجم التي تتسبب في الدمار للغابات وألاراضي والمراعي وتلويث المياه. وفرض غرامات طائلة على كل من يتسبب بأضرار للبيئة بينما تراخى في امر الضرائب التي أثقلت كاهل اهل المملكة الغربية.

ومنع بمرسوم آخر استخدام السيارات التي تعمل بالوقود الصلب وامر استبدالها بعربات تجرها الخيول والحمير ، والبغال. وفي مرسوم آخر أمر بتسخير الشمس والهواء والماء كمصادر بديلة ونظيفة للطاقة. وتلاه مرسوم يكلف كل أسرة بزراعة شجرة مثمرة عند ولادة كل طفل وشجرة حرجية عند وفاة كل انسان. وجعل للزهور عيدا يحتفل فيه الناس ويحتفون بالأزهار ويزرعون منها المزيد حتى اصبحت اراضي مملكته اشبه بلوحات فنية يغلب عليها الوان الطيف. وأمر بمرسوم نافذ إعادة تصدير كل المعدات التي تعمل بمبدأ الميكروويف أو تلك التي ثبت لعلماء الملكة أنها مصدر محتمل للأمراض الخبيثة، والتي تزامن بروزها مع ادخال تلك التكنولوجيا الي الحياة العملية، وأمر على استبدالها بالأواني الفخارية وكل ما صديق للبيئة ولا يوقع عليها الاضرار. وشجع على تربية الطيور ومنع الصيد إلا في شهور محددة لحالات الضرورة القصوى فازدهرت الحياة البرية وتكاثرت الحيوانات والطيور بإعداد كبيرة جداً فأحال كل ذلك المملكة الي مكان اشبه بالجنان. وفرض في مرسوم ثالث على الناس مشاهدة الشروق والغروب والنجوم. وأمر بإنشاء السدود وحفر الينابيع ومد قنوات الرأي والأنهر الصناعية بهدف إيصال المياه سر الحياة إلى كل مكان.