عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-2016, 09:21 AM
المشاركة 6
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
" سنمتص الصدمة يا سيدى.. مهما كانت الصدمة مؤلمة..
سنمتصها.. وفي الوقت المناسب سنرد الرد المناسب..
هذا عهدي لك.."







(1)
في ذلك الوقت كنا لا نعرف تحديداً من أين جاءوا..
هناك نظريات عدة تتحدث عن أصل النشأة لما كنا نسميهم بالظلاميين..
في البداية كان الحديث عن تحور طرأ على بعض أبناء شعبنا نتيجة ظلم
طبقي صارخ أدى بهم إلى اللجوء إلى الكهوف والمغارات والسراديب تحت الأرض..
من هنا نشأ جيل لا يعرف النور .. ومن هنا أطلق عليهم البعض الظلاميين ..
لكن بعض الجمعيات الخيرية كانت تعتبر هذه التسمية زيادة في الظلم
والقهر لهذه الطائفة المطحونة..
ـ " ما يحدث على أرض شعـ.. شعبنا الأسمر جريمة بكل مقاييس الشعوب المتحضرة..
فصـ.. فصيل كامل من أبناء الشعب يحيا في باطن الأرض والويل كل الويل له
إن فكر في الخروج للنور.. هذه قصة تصـ.. تصدم كل إنسان متحضر.."
هكذا تكلم الدكتور العوادلي في إحدى الندوات التي كانت تسمح لها السلطة
بالانعقاد في تلك الفترة من أجل التعبير عن الرأي.. تحديداً في غرب المدينة
حيث تسكن النخبة المثقفة من شعبنا والمرفهة كذلك..
ـ " سياسة القمع وتكميم الأفواه هي ما انتجت لنا ما نسميه زوراً بالطائفة الظلامية "
والعوادلي هو أحد أبناء شعبنا لكنه قضى معظم حياته يعمل عند الشعب الأصفر..
وهذا كان مدعاة للتشكيك فيه من قبل أصحاب النظرية المضادة حول حقيقة
الطائفة الظلامية..
البعض يعتبره بطلاً ثائراً من أجل حرية الشعوب..
.. والبعض الأخر وكانوا قلة في ذلك الوقت يعتبرونه رجل الشعب الأصفر
والذي يتولى تمهيد الأرض لمقدمهم.. لكن ما علاقة ذلك بالظلاميين يا ترى؟..
حاول بعضهم أن يتساءل في تلك الندوة :
ـ " لكن يا دكتور هناك وجهة نظر لدي سلطتنا أن..."
هنا تمت مقاطعة المتسائل البريء من قبل الحضور ولم يستطع أن
يواصل أمام سيل التهم التي انهالت على رأسه..
ـ " هذا عميل للسلطة مدسوس علينا.."
ـ " يسمحون لنا بعقد الندوات ثم يزرعون بيننا من يفسدها علينا "
وقال المتسائل وهو مبهوت :
ـ " والله أنا منكم فقط كنت أعرض وجهة النظر الأخرى ليرد عليها الدكتور العوادلي .."
هنا تكلم العوادلي :
ـ " يا عزيزي هناك نقاط محد.. محددة تم الاتفاق عليها لتتم مناقشتها
في الندوة ولا يـ.. يحق لأي أحد أن يخرج على تلك النقاط.. واضح؟.."
وجلس المتسائل ممتقعاً وهو يداري أفكاره السوداء..
بعدها عاد العوادلي يواصل كلامه عن القمع وتكميم الأفواه!
لكن ما حقيقة النظرية الأخرى التي تتبناها السلطة.. والتي لم يسمح العوادلي بعرضها في ندوته..
النظرية المضادة تتحدث عن الظلاميين كشعب غامض مخيف لا يمت بصلة لشعبنا الطيب المسالم..

***

" لا تقترب "
هذه اللافتة ستجدها بكثرة بالقرب من قاع المدينة..
حيث تكثر تلك الفجوات التي توصل لعالم سفلي يمر عبر شبكات معقدة تحت أرض المدينة..
لكن ماذا لو تجاهل أحدهم تلك اللافتات..
بعض من قرروا الولوج في قاع المدينة والاقتراب من الفجوات الأرضية..
لم يعودوا ليخبروا ذويهم بما رأوا.. ولم يتوقف الأمر على المغامرين فقد جرت
حوادث قتل عديدة وغريبة لأفراد من شعبنا بعيداً عن قاع المدينة وكان
التفسير عند السلطة أن هذه الحوداث جراء تسلل ليلي لأحد كائنات الظلام..
وفي الصباح كنا نجد جثة أو جثتين وأحياناً كان يتم خطف الأجساد إلى سرداب غائر
في قاع المدينة أو كهف عميق في أحد الجبال .. ماذا كان يحدث للمختطفين .. ؟
حول هذا تدور التكهنات .. ويمكنك أن تستنتج ذلك بسهولة لو علمت أن الجثث التي
وجدت كانت خالية من الدماء.. لكن طبعاً هناك من يشكك في نسبة ذلك للظلاميين
أصلاً وتبقى الأمور عائمة.. وهذه النظرية التي تبناها رجال السلطة عندنا عاملوا
الطائفة الظلامية من خلالها..
كنا نسمع بين الحين والحين أن السلطة جردت حملة شعواء على كل البؤر
القريبة للكائنات الظلامية ..
لا أحد يغامر بإنزال قوات السلطة لتلك البؤر لذا يتم ضرب تلك البؤر بقاذفات اللهب ..
وكان هذا يثير الجمعيات الحقوقية لدى شعبنا والتي تتصل مباشرة بشعوب
الخارج خصوصاً الشعب الأصفر ..ويبدأ الضغط العالمي على شعبنا من أجل رفع
الأكف عن طائفة مقهورة يدفعها القحط والظلم إلى اعتداءات فردية غير مسئولة.
والحل...
ـ " الحوار ...."
هكذا قالها السيد الأشقر نوسام المندوب السامي عن الشعب الأصفر أمام حشد
من رجال الصحافة والإعلام في مؤتمر عالمي صاخب ..
سأله أحد الصحفيين:
- " وكيف يتم الحوار مع طائفة تحيا في السراديب والكهوف ولا أحد يعلم لهم متحدث
رسمي يمكن التفاهم معه ."
هنا أشرق وجه الأشقر وقال بحماس يحسد عليه :
ـ " الحوار لغة الشعوب المتحضرة وإذا كنت تحاور همجياً بربرياً بنجاح فهذا
يعنى أنك غلبته بتحضرك ..أما الفشل فقد يعنى أنك لست متحضراً كما تدعى ..."
كانت كلماته تتنزل على أذان السيد المسئول الأكبر عن شعبنا كالكرابيج والرسالة
باتت واضحة .. نحن فاشلون في دمج تلك الطائفة المسكينة في باقي أطياف الشعب ..
ولم يكن أمام السيد المسئول الأكبر سوى دعوة السيد الأشقر للقاء كائنات الظلام
ولسان حاله يقول :
ـ " عسى أن تبتلعه حفرة من حفر الظلاميين أو يغوص في كهف من كهوفهم
إلى الأبد وتكف سلطة شعبه عن الحديث حول الحوار معهم"

***

في تلك الأثناء غادر السيد وسام دائرة الظل التي لا يفارقها إلا في حالة حدوث أمر جلل..
كان فارع القامه أصلع الرأس لم يبق إلا بعض الشعر التذكاري على جانبي رأسه
لكن له عينان سوداوان عميقتان تجذبانك جذباً ناحية هاويه بلا قرار ...
وكان كذلك مندوباً من سلطة شعبنا لاستقبال نوسام القادم للحوار مع الظلاميين ..
وسام وإن كان يظهر بمظهر الدبلوماسي الحاذق لكنه في نفس الوقت رجل
أمن من الدرجة الأولى .. بطل من أبطال شعبنا المنسيين..
وهو كذلك خبير في مواجهة الطائفة الظلامية
( فهو ممن يتبنون النظرية الأخرى عن الظلاميين )
وكان خير مبعوث من شعبنا لاستقبال السيد الأشقر واصطحابه
إلى شتى البؤر التي يريد زيارتها في محاولته الاتصال بالكائنات السفلية ...
ـ " السيد وسام "– قالها نوسام – " أنت أخر شخص اتوقع وجوده في استقبالي."
نظر له وسام وابتسم في مقت قائلا ً:
ـ " المسئول الأول عن شعبنا يهتم بدعوتك للحوار.."
ـ " أظن أن مجيئي كان من أجل الحوار .. لا الحرب.."
ـ " لست هنا بصفه أمنية .. أنا معك بصفة دبلوماسية بحتة.."
طبعا ًلم يقتنع السيد الأشقر وما اهتم وسام بإقناعه.. عليه فقط
أن ينهي تلك المهمة السمجة ويعود بتقريره الموعود للمسئول الأكبر ...
ـ " إذن هلا بدأنا جولتنا..."
قالها السيد نوسام في مرح فرد عليه وسام في سماجه:
ـ " هل تحب أن تبدأ بالحفر في قاع المدينة أم بالكهوف في الجبال؟"
ـ " معي فريق علمي متكامل سيحدد لنا الهدف بدقة..."
تجاهل وسام الرد على عبارته الأخيرة وإن كان عقله قد اشتعل
بها وصار كالأتون الملتهب.. فريق علمي.. سيحدد الهدف ..
وإلى جوار السيد الأشقر كان هناك ثلاثة شباب يرتدون المناظير
الطبية ومعهم حقائب متوسطة الحجم قدمهم نوسام بانتشاء لوسام :
ـ " رجال الفريق ب.. لديهم وسيلة علمية ترصد تحركات الظلاميين بدقة.."
قال وسام من بين أسنانه :
ـ " هل شكلتم فريق كامل لاختراع وسيلة رصد لكائنات الظلام ..
هذا مجهود شاق واهتمام فائق لو أردتم رأيي."
ـ " السلام العالمي هو أسمى أهداف شعبنا الأصفر كما تعلم ومن
أجل هذا الهدف نبذل الكثير والكثير..."
فرك وسام أذنه قائلا ً في ملل :
ـ " هذا يحفظه كل طفل يشاهد طائراتكم وهى تقصف بيوتهم ليل
نهار من أجل السلام العالمي..."
مط نوسام شفتيه معلنا ً عبثيه الحوار مع وسام في تلك النقطة
ثم إنه أعلن في حبور عن بزوغ فجر جديد ..فجر الحوار التاريخي مع كائنات الظلام .
وسطعت أضواء عدسات التصوير على وجهه ووجوه رجال الفريق ب .
وظهر وسام الذى فضل أن يوليه لعدسات التصوير...
فهو لم ينس بعد حسه الأمني الرافض لأضواء الصحافة والإعلام ..
وسمع همس نوسام في أذنيه :
- " ليس الظلاميون وحدهم من يخشى الأضواء يا عزيزي.."
ولم يجد وسام رداً أفضل من أن يبتسم له مكشراً عن أنيابه ....


***











الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..