عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2012, 03:52 PM
المشاركة 8
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:100%;background-color:black;border:3px double red;"]

المحور الثاني: نشأة الشعر الموريتاني وفنونه
المبحث الأول: نشأة الشعر الحساني وفنونه

تحدث الباحث في هذا المضمار عن اللهجة الحسانية بوصفها البوثقة الحاملة للشعر الحساني، وعن عروض الشعر الحساني المتميز واصطلاحاته الفنية الدقيقة، وعن صلة هذا الشعر بالموسيقى... إلخ. وعرض كذلك بعض الآراء التي قيلت في نشأة الشعر الحساني / العامّي الذي يطلق عليه عادة اسم (لَغْنَا)؛ أي الغناء لعلاقته الوثيقة بالموسيقى.
لقد حاول غير واحد من الدارسين الموريتانيين البحث في أصول الشعر الحساني ونشأته وتطوره... فهذا محمدن ولد سيدي إبراهيم لم يتوصل – في اجتهاده وبحثه – إلى تحديد تاريخ نشأة الشعر الحساني في موريتانيا، ولا إلى معرفة متى دخل إليها بالضبط. ولكنه يرى أنه مر بثلاث مراحل قبل أن يصل إلى الشكل الذي أصبح عليه اليوم، وهي:
· مرحلة (الكاف): أي القافية، وفيها كان الشعر الحساني أقرب إلى الشعر الفصيح.
· مرحلة (الطلعة) أو القصيدة.
· مرحلة (أَتْهَيْدِين) أو الملحمة.
ويقول الدكتور محمد المختار ولد أباه في كتابه (الشعر والشعراء في موريتانيا) إن أقدم صنف من أصناف الشعر الحساني موجود في ذلك الفن الذي يسمى (أتهيدين)، دون أن يحدد بداية نشأة هذا الشعر بداية دقيقة ولا كيف كان إبان دخول بني حسان إلى موريتانيا، وإن كان الباحث نفسه قد أومأ إلى أن الأزجال الشعبية قد دخلت صحراء صناهجة الجنوب مع دخول عرب بني معقل إليها... وهذا قد يكون – في نظر أحمد ولد حبيب الله – أقرب إلى الحقيقة التاريخية، لأن هؤلاء العرب دخلوا المنطقة في القرن الهجري السابع. ويذهب الشيخ ولد مكي إلى أن أول نص حساني وصل إلينا يعود إلى القرن التاسع للهجرة. وهناك من يرى أن أقدم نص حساني ينسب إلى الشيخ سيدي أحمد البكاي الكنتي (ت 934 هـ).
ولعل أشهر المهتمين بالشعر الحساني وأكثرهم اعتناء بالبحث في أصوله وصلته بالموسيقى وتطوره الأستاذ محمد ولد أحظانا الذي نشر في هذا الصدد اثنتي عشرة حلقة طويلة في صحيفة (الشعب) اليومية الرسمية عام 1993. وهو يرى أن نشأة الشعر الحساني قد مرت بثلاث مراحل، هي:
· مرحلة الأدب الشعبي الحساني قبل الالتحام بالموسيقى: وهي – كما يقول أحمد ولد حبيب الله – أقرب إلى الأزجال التي وجدت عند الهلاليين أو الشعر الشعبي أوهو هي. وتنتهي هذه المرحلة بما بعد دخول بني حسان إلى الصحراء الموريتانية وتمثلهم طبيعة حياتها لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل النشأة، ويتعلق الأمر بـ:
· مرحلة الالتحام بالموسيقى: وهي تبدأ – نظريا – بالمثاقفة بين القبائل الحسانية والقبائل الخليطة (أو الهجينة ) التي سبقتها.
· المرحلة الأخيرة: وفيها خرج شعر الحسانيين في شكل جديد بعد تزاوجه الطويل مع الموسيقى. وفيها أصبح الشعر الشعبي ظاهرة اجتماعية بارزة ومنتشرة على نطاق واسع.
وبالرغم من هذا كله، فإن مسألة تحديد أولية أو نشأة الشعر الحساني تظل من أعوص الإشكاليات وأكثرها إثارة للجدل والنقاش والاختلاف. ويستوجب الاقتراب منها بذل مزيد من المجهود، والتعاون المثمر بين الباحثين والنقاد.
ومن أهم فنون الشعر الحساني وموضوعاته نذكر: أتهيدين([14])– المديح – النسيب – البكاء على الأطلال – الغزل – الفخر – الرثاء – الهجاء – النقائـض- المساجلات (لَكْطَاعْ) – الوصف – الحكمة – النصائح والإرشاد – الاعتبار بالأيام – التبراع ([15]) – الشعر السياسي – الشعر التعليمي. وقد تعامل الباحث مع هذه الفنون جميعها بمنهاج يقوم على التعريف بها أولا، ثم رصد أنواعها إن وجدت، وأخيرا التمثيل لها بما لديه من نماذج وشواهد دونما التفات إلى شرحها أو تحليلها.
المبحث الثاني: نشأة الشعر الفصيح وفنونه
يقول الشاعر والروائي والناقد الموريتاني المعاصر أحمد ولد عبد القادر في مقابلة أجريت معه – ونشرت في صحيفة (الشعب ) عام 1990 بعنوان (مسيرة الشعر الموريتاني إلى أين ؟) -: "إن نشأة الشعر الموريتاني لا زالت يكتنفها الغموض، ولا يزال السؤال مطروحا: متى ظهر في موريتانيا الشعر العربي الفصيح؟"، وإن أغلب الدارسين قد ردوا هذه النشأة إلى أواخر القرن 11 هـ وبدايات القرن 12 هـ مع عبد الله بن رازكه (ت 1144 هـ) وجيله. فهذه النشأة – إذاً – غير واضحة، وتطرح نفسها في الساحة النقدية الموريتانية باعتبارها إشكالية عويصة، أثير حولها نقاش حاد في القديم كما في الحديث. وفيما يلي نعرض بعض الآراء التي تصب في هذا المجال:
لقد كتب الأستاذ عبد الله حسن بن احميدة دراسة رائدة في هذا الاتجاه أسماها (نشأة الشعر الفصيح في بلاد شنقيط)، وأكد فيها أن هذه النشأة تعود إلى القرن 5 هـ؛ أي إلى العصر المرابطي، ومن أوائل الشعراء الذين يأتي بهم الإمام الحضرمي. وقد سجل الباحث أن شعر النشأة – في مجمله – كان ذا صبغة دينية تعليمية، وأن أكثر الشعراء كانوا فقهاء أو علماء. ويرى عدد من الباحثين أن أدب عصر المرابطين قد غلب عليه التيار الفقهي الذي كان حائلا دون انتشار الشعر وازدهاره في عديد من المناطق الصحراوية. يقول الدكتور جمال أحمد بن الحسن في دراسته الموسومة (بالشعر الشنقيطي في القرن 13 هـ): "... ورغم ظهور الشعر "المقبول" عند الفقهاء في جميع مناطق بلاد شنقيط – تقريبا – فإن هذا الحاجز الفقهي قد حال دون ازدهاره في مراكز متعددة كانت مؤهلة للإسهام فيه بحظ وفير. وهذه حالة مدينة وَلاَّتَهْ على سبيل المثال. وقد ظهر فيها شعر التوسل والمدائح منذ القرن 11***65259;/ 17م على أدنى تقرير" (ص 126 +127+128).
ويرى الدكتور محمد المختار ولد أباه في كتابه (الشعر والشعراء في موريتانيا) أن الشعر الموريتاني الفصيح قد ظهر – بحق – مع سيدي عبد الله بن رازكه. وفي الاتجاه نفسه، يقول الأستاذ أحمد سالم ولد محمدُ في دراسته التي عنوانها (شعر محمد حامد بن آلاَّ: جمع وتحقيق وتقديم)([16]): "فما قبل ابن رازكه (ت 1144***65259 ومحمد اليدالي (ت 1166***65259 والمصطفي بن أبي محمد (ت ق 12***65259 وأضرابهم في تاريخ الشعر الموريتاني غامض. وتدل معلوماتنا القليلة عن تلك المرحلة على قلة الإنتاج الشعري والافتقار إلى ثراء المضمون وإحكام الصياغة" (ص21). فهذا الرأي هو السائد والأكثر ذيوعا داخل موريتانيا وخارجها. إذ يحدد البداية الفعلية للشعر الفصيح في موريتانيا في النصف الثاني من القرن 11***65259; ومطلع القرن 12***65259;. وهو لا ينفي وجود شعر قبل هذه الفترة نفيا تاما، بل يرى أنه موجود ولكنه ضئيل وفقير ويغلب عليه النفَس الفقهي والتعليمي.
ويقسم الناقد الموريتاني المعاصر محمد ولد عبد الحي في كتابه القيم (التجديد في الأدب العربي بموريتانيا في العصر الحديث) مسيرة الشعر الموريتاني الفصيح إلى مراحل مترابطة. يقول: "إن الشعر الموريتاني قديمه وحديثه مر بعدة مراحل: مرحلة بدأت منذ القرن 11***65259; إلى أواسط القرن 14***65259; أو نهاية القرن 19م، ومرحلة بدأت منذ نهاية القرن 19م إلى أواخر الخمسينات – تقريبا-، ومرحلة بدأت مع بداية الاستقلال إلى اليوم". فهذا الرأي شبيه بالرأي السابق من حيث تحديد نشأة الشعر الفصيح في موريتانيا في القرن 11***65259;.
ويرجع الأستاذ يحيى ولد محمدن نشأة الشعر الفصيح بموريتانيا إلى وقت مبكر. يقول: "وأرى أن الشعر الموريتاني – باللغة العربية – موغل في القدم. ويمكن افتراض قدومه مع الفاتحين العرب المسلمين الأوائل في القرن الأول والثاني للهجرة. وإذا كانت المصادر الشعرية تعوزنا إلى الآن، فإن الشعر والعرب صنوان لا يفترقان". ويقول أيضا: "ولكن كثيرا من دارسينا يطيب لهم أن يرجعوا أوائل نشأة الشعر الموريتاني إلى القرون الأخيرة التي هي في الواقع عصور ازدهاره لا عصور نشأته...!! فالذين يرون نشأة الشعر الموريتاني راجعة إلى القرن العاشر فما بعده مع الذيب الكبير وبوفمين وابن رازكه ينسون أو يتناسون أن البلاد في عهد المرابطين (القرن 5و6***65259 كان بها علماء ونَظَّامون وشعراء سواء كان ذلك في آزوكي أو بمراكش أو أغمات أوريكه".
ويندرج أغلب النتاج الشعري الموريتاني الفصيح في المحاور الرئيسة التالية:
· الشعر الديني: ومن أبرز موضوعاته التوسل والتضرع، والمديح النبوي، والزهد والتصوف، والاستسقاء والاستشفاء والتظلم.
· الشعر التعليمي: ومن موضوعاته البارزة نذكر: الوعظ والإرشاد – الإفتاء والنوازل – التأريخ لوفيات الأعيان والكوارث – الألغاز والأحاجي – السيرة النبوية – الأدب والبلاغة.
· الشعر الاجتماعي: وتنضوي تحت لواء هذا المحور عدة فنون، أبرزها: المدح – الهجاء – النقائض – الغزل – الإخوانيات – الرثاء – الوصف – الفخر – العتاب والشكوى – الحنين إلى الأوطان – الفكاهة والمجنون – الحكمة – المساجلات الشعرية – الأمثال – التقاريظ والإطراءات.
· الشعر الإصلاحي السياسي: ويراد به "ذلك الشعر الذي يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي، ويحارب الفساد والظلم الاجتماعي، ويدعو إلى الجهاد في سبيل الله وتنصيب الإمام العام للمسلمين وإقامة الدولة الإسلامية المركزية، ويقف في وجه العادات المخالفة لكمال التوحيد والتقاليد التي تخالف السنة النبوية، ويدعو إلى نبذ ظاهرة التميم والسدل وغلق باب الاجتهاد والركون إلى التقليد...!"([17]). ومن الشعراء الموريتانيين الذين نظموا في هذا الاتجاه نجد الشيخ محمد ألمامي بن البخاري (ت 1278***65259 الذي دعا إلى الجهاد وتنصيب الإمام العام للقضاء على حالات الفوضى والاضطراب والفساد. وأيضا العلامة ماء العينين بن العتيق (ت 1376***65259;/1957م) الذي حث على مجاهدة المستعمرين وعدم بيع الدين بالدنيا الفانية. ومنهم كذلك المرحوم أجدود بن أكتوشن العلوي الذي دعا إلى المقاطعة الاقتصادية للغرب عامة ولفرنسا خاصة... ويرتبط بهذا النوع الشعري الشعر الوطني الداعي إلى الاستقلال السياسي عن الإدارة الفرنسية، وكذا الشعر القومي الذي يَأْدِب إلى الوحدة العربية... وهناك محاور أخرى قليلة الأهمية، مثل: شعر الدخان، وشعر الأتاي (أو الشاي الأخضر)...إلخ
[/tabletext]