عرض مشاركة واحدة
قديم 05-18-2012, 02:28 PM
المشاركة 585
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ولم تقتصر دراستي الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة العربية على علوم اللغة فحسب بل امتدت الى دراسة التصوف، فاستغرقت في هذا الاتجاه الفكري الفلسفي الديني وفي دراسة ابن عربي، وابن الفارض، وعبد القادر الجيلاني، لأجد نفسي أغوص في عالم شيق رائع يستحق الخوض فيه، وكأنه سرداب يأخذني الى كل ما هو ممتع فهل أرجع؟.. بالتأكيد لا. وكيف لي أن أفسر ابن عربي أو أن أشرح أبياته إذا لم أقدر على تفسير وحدة الوجود؟..‏
ولكني فجأة أقف مع ذاتي، وأسأل نفسي: لماذا اخترت دراسة اللغة العربية؟.. خطأ لا أغفره لنفسي.. إذ كنت أظن أن الموهبة والكتابة لهما علاقة باللغة العربية، وإذا بي اكتشف عكس ذلك، وأتمنى لو أنني اخترت دراسة الفلسفة وعلم النفس فما كان منى إلا أن درستهما الى جانب دراستي الأصلية في اللغة العربية، وحصلت على شهادة في علم النفس والتربية.‏
أما الرغبات فلم يكن بالسهل أن تتحقق في تلك الفترة حيث لا يوجد دور نشر، ولا اتحاد كتّاب، ولا وزارة للثقافة، ولا أي مؤسسة تتبنى إنتاجنا، ولم أكن وحدي وقد كان هذا شأن جيلي كله، فما كان منا جميعاً إلا أن اتجهنا الى بيروت عاصمة الثقافة، وبدأنا ننشر في المجلات الأسبوعية والشهرية، ومن ثم نبحث عن دور للنشر تتبنى إنتاجنا. ولم يتحقق هذا إلا في بداية الستينات عندما طبعت أول كتاب لي وهو (التصوف الإسلامي)، ومن بعده عام 1965 روايتي الأولى التي كانت تحبو بين يدي مثل طفلة يتيمة وهي (أيام مغربية).‏
كل هذا والمجتمع المحافظ المتزمت لم يكن يقبل ظهور المرأة كأديبة وكاتبة، وأذكر أن كوليت خوري نفسها في نهاية الخمسينات قد أصدرت روايتها تحت اسم كوليت سهيل، حتى كانت ثورة آذار وبدأ الانفتاح فعلياً، واذكر أن الأعداد الأولى من جريدة البعث كانت تحتوي على قصص ومقالات لي، هذا بعد تجربة مريرة أيام الانفصال إذ أنشأنا نحن نخبة من الكتاب والمثقفين والنقاد مجلة اسمها (ليلى) كنا نأمل أن تأخذ طريقها ليس في سوريا فقط بل في العالم العربي كله، بإخراج مختلف وبتكاليف معقولة، وكنا ندفع من جيوبنا ولا نتقاضى ثمناً لأي كلمة حتى ذهبت جهودنا أدراج الرياح.‏
تلك الفترة كانت صعبة، لكنها مهدت الطريق أمامي وأمام غيري لكي نثبّت أسماءنا على الساحة الأدبية لاسيما وأننا أصبحنا مراسلين لمجلات شهيرة أدبية او ثقافية في الخليج وفي لبنان، واذكر منا (محي الدين صبحي) و(محمد الماغوط) وأنا وغيرنا كثيرون.‏ وظلت رغبتي الأولى أن أكون في موكب الملكة الصغيرة أو القصة القصيرة التي نشرت أعدادا منها كثيرة في الوطن العربي كله، وترجم بعضها الى لغات أجنبية. ولم أنس بالطبع الإذاعات العالمية او العربية التي كانت تحتفي بالقصة القصيرة وتذيعها في برامجها الثقافة.‏ ذلك كان شأن القصة القصيرة، أما الرواية فقد عوضت عنها مادام النشر متعذراً أو ضيق الأفق بالمسلسلات الإذاعية وخاصة في هيئة الإذاعة البريطانية، وبعض من هذه المسلسلات شكلت منه فيما بعد روايات مثل رواية (الأشباح).‏