عرض مشاركة واحدة
قديم 05-18-2012, 02:06 PM
المشاركة 581
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المنظورات الفكرية وتقاناتها في الروايـة النسائية السوريــة -24/01/2008

نلاحظ أن غالبية كاتبات الرواية يكتبن في أجناس أدبية أخرى مثل مؤمنة بشير العوف، وهي استاذة جامعية وشاعرة وناقدة، وسمر العطار وهي استاذة جامعية وباحثة وواضعة كتب لتأليف اللغة العربية للأجانب، وماجدة بوظو التي تكتب المقالة والقصة والمسرحية، ووليدة عتو وأنيسة عبود وعائدة الخالدي وهيفاء بيطار، وضياء قصبجي، وصباح قباني، وأميمة الخش، وفائزة الداوود، ومية الرحبي، وماري رشو، ووصال سمير وناديا الغزي اللواتي يكتبن القصة ربما اكثر من الرواية.
وترتبط الكتابة الروائية النسائية في سورية غالباً بتجربة الكاتبة في الحياة وضمن حدود المكان ومنطلقاته حيث تقيم الكاتبة، في مدى اقترابها من الحرية والابداع، فقد تأثرت كتابة سمر العطار وحميدة نعنع وغادة السمان وسلمى الحفار الكزبري وألفة الادلبي وهنرييت عبودي وأسيمة درويش وأنيسة عبود ومية الرحبي برحابة في عرض التجربة الانسانية والعاطفية والاجتماعية حتى لتعد رواياتهن مرآة لتأزم الذات القومية، والرواية الاولى في نقدها للماضي حيث وجهت اعترافات صريحة للتجربة الذاتية لتطور المجتمع في سورية من خلال نزوع مطلق الى الحرية في الاغتراب، والثانية في نقدها للثورة العربية المحبطة في اكثر من قطر عربي في المشرق والمغرب، والثالثة في تقصيها الحاد للخيبة القومية من خلال واقع مشخص هو الواقع العربي في لبنان وتداعياته المختلفة، والرابعة في استعادتها المدهشة لسيرة الكفاح الوطني ضد الاستعمار داخل معمعان التطور الاجتماعي، والخامسة لوطأة التغيرات الاجتماعية على النسوية والتحقق الوجودي، والسادسة عن التأسي النسوي في غياهب الحب والتعالقات الحضارية مع الآخر، والسابعة عن التطور الاجتماعي بين الريف والمدينة وضغوطه على النسوية، والثامنة عن قسوة التغيرات الاجتماعية وارتباطها بالتقاليد والموروثات التي تحط من قدر المرأة.
تمارس كاتبة أخرى نقد التجربة السياسية في سورية هي سلمى الحفار الكزبري في روايتها، ولا سيما تجربة الانفصال والوحدة والتغيير الكبير مع ثورة الثامن من آذار، وفعلت ذلك ايضاً كاتبة اخرى هي مؤمنة بشير العوف في روايتها «مد بلا جزر»، وإن كانت الروايتان اكثر احتفاء بتفاصيل السيرة الشخصية حيث كان نقد الواقع السياسي اطاراً او استعراضاً ناقماً لوطأته الباهظة على فئة اجتماعية متضررة، وعالجت ماري رشو بقوة وضع المغتربين العرب في الولايات المتحدة وأحزان الهجرة بروح انسانية مفعمة بالارادة والتوق الى الحرية.
تحفل روايات ملك حاج عبيد وملاحة الخاني بتصوير ثّر للتغير الاجتماعي في سورية في السبعينيات على وجه الخصوص، الاولى من منظور تجربة شخصية مازالت بصماتها واضحة، والثانية استطاعت ان تعاين التحولات الاجتماعية بمعزل عن ضغوط التجربة الشخصية على ان التجربة الشخصية التي تصل الى حد المماهاة بين النص ومؤلفته الواضحة في غالبية النصوص الروائية السورية، ولا سيما اعمال اميمة الخش وصبحية عنداني، وهيفاء بيطار ونوال تقي الدين ووليدة عتو اللواتي حاولن بدرجات معينة ادماج الموضوع العاطفي في اطار سيرورة اجتماعية.
وتنجح روايات كثيرة في استيعاب الموضوع الاجتماعي والابتعاد قدر الامكان عن النزوع الذاتي المستفحل، كما في غالبية روايات قمر كيلاني وبعض روايات كوليت خوري، ولولا ولع حميدة نعنع بامتداح الذات لكانت روايتاها تعبيراً موضوعياً شديد القسوة للواقع العربي، ولكنها لا تستطيع الخروج من اعجابها بذاتها وتفاصيلها العادية احياناً، فتصير الرواية في بعض الاحيان الى نجوى ذاتية لا مسوغ لها.
أمعنت المرأة الروائية في رؤية تلاوين شجن النساء التي تصل الى شدة النسوة المناهضة للذكورة والمجتمع الابوي والتقليد الاجتماعي والثقافي، كما في روايات فاديا شماس وهيفاء بيطار وهنرييت عبودي وهدى الزين ومها حسن.
بينما اقبلت كاتبات معدودات على الرؤية التاريخية لوضع المرأة، ولا سيما البعد القومي والوطني والاجتماعي فضاء للرحابة الانسانية في الوقت كما في روايات كوليت خوري وغادة السمان وقمر كيلاني وناديا خوست وألفة الادلبي من الرائدات، وملك حصرية وحميدة نعنع من الاجيال اللاحقة.
تعدّ روايات سلمى الحفار الكزبري «البرتقال المر» ومؤمنة العوف «مدّ بلا جزر» نوعاً من تصفية الحساب مع مرحلة تاريخية حتى ان الرواية تتحول الى استعراض للخطب السياسية والمجادلات العقيمة التي تؤثر سلباً على المتن الروائي.
ثمة تفاصيل في هذا الصدد ضاغطة على وجدان الروائية، ولكنها ليست بذات قيمة فنية وهذا يثير بحد ذاته احدى القواعد الذهبية في الادب وهي ان الترائي اهم من الوجود، وهكذا تحمل بعض الكتابات الروائية وثائق عن زمنها، ففي روايات سمر العطار وألفة الادلبي وكوليت خوري وقمر كيلاني وكتاب رنا قباني السردي «رسالة الى الغرب» (دار الآداب - بيروت - 1991) تسجيل دقيق او لماح للمرحلة التاريخية التي تتجه هذه الكتابات اليها.
اما الموضوع الغالب مع الكتابات النسائية الروائية فهو وطأة الضغوط الاجتماعية على العاطفة تعبيراً عن انكسار الحب او اخفاقه، ولاسيما الزواج والطلاق والحب غير المتكافىء، وعلى نحو أقل العلاقات الحرة بين الرجل والمرأة، وقد افلحت روائية مثل نادرة بركات الحفار في كتابة رواية عاطفية في سياق اجتماعي فكانت روايتها اكثر من رواية عاطفية، واقرب الى الرواية الاجتماعية، وتتنازع معالجاتها طوابع (المشجاة) الميلودراما والميل الطبيعي الذي يجعل شخصياتها مستلبة عاجزة قدرية ضعيفة الارادة امام قسوة الشروط التاريخية، وهذا واضح في رواياتها جميعاً،ولا سيما «الهاوية» وثمة جرأة كبيرة في اعلان الخيار الشخصي في تناول الموضوع العاطفي على الرغم من الاستغراق السيري في الكتابة عن التجربة الشخصية بوصفها تجربة عامة كما في كتابة هيفاء بيطار عن تجربة الزواج المخفق بأقسى من الطلاق في روايتها «يوميات مطلقة» وكتابتها عن تجربة الحب المخفق ومآله الخسران التام في روايتها «قبو العباسيين»، وكتابتها عن هجاء الرجل والذكورة في روايتها« امرأة من طابقين».
على وجه العموم تعاني الكتابات الروائية النسائية في سورية من التحليل النفسي، وتكاد تنعدم الشخصيات النسائية الاشكالية او النموذجية باستثناء روايات غادة السمان وحميدة نعنع التي تقدم رواياتهن شخصيات نسائية مستقلة وحرة في غالب الاحيان ، وتظهر الاستقلالية والحرية في الحب والزواج ، وقبل ذلك في العمل السياسي والحزبي ، وفي العمل بحد ذاته، ولدى هاتين الكاتبتين تتنقل النساء بين الاماكن والرجال والافكار والمعتقدات برحابة يحسدها عليهن الرجال انفسهم، وثمة نص روائي هو سرد مفتوح لحرية مطلقة تمارسها امرأة مع رجل لمها حسن سمتها «سيرة الآخر- اللامتناهي» ( دار الحوار- اللاذقية- 1995).
ولعل مغامرة التحديث الروائي في الكتابات الروائية النسائية السورية تتجلى في النصوص التي اشرنا اليها قبل قليل، فيبدأ التحديث واثقاً عند غادة السمان في لعبة التداعي، وانتقال الازمنة وتثمير مناطق اللاشعور، ونسبية النظرة الى العالم، الى الاحتفاء بشعرية السرد حين تصير الذات منطلق الرؤية، وحين يغدو الوجدان منعكساً لتأزم الذات العامة ومتحرراً من السرد التقليدي ومركزاً على وجهة النظر عند حميدة نعنع الى هوس التحديث حين تتكسر اللغة، ويصبح النص بوقائعه واحداثياته واحداثه غائباً في نثار اللغة وفيض الانشاء الذاتي.
لقد حاولت ضياء قصبجي ان تعالج شخصيتها النسائية من خلال ميل نفسي في روايتها «امرأة لا تعرف الخوف» ( المنشأة العامة- ليبيا - 1985) ولكن الاختزال الذي يجعل النص الروائي اقرب الى قصة والتماهي السيري قد قلل من فرص التعمق في فهم الشخصية وطلب التأثير، وهو ما جاوزته الى تحليل معمق لاوضاع المرأة في روايتها « اختياراتي والحب».
وهكذا فإن مفهوم الرواية في الكتابة الروائية النسائية ملتبس احياناً وشديد التباين في احيان اخرى، لأن ما كتبته ضياء قصبجي وهيفاء بيطار واميمة الخش في روايتها الاولى هو اقرب الى القصة او القصة المتوسطة، كما ان عدداً كبيراً من النصوص الروائية يتداخل مع مفهوم السيرة بتأثير التماهي الذي اشرنا اليه، اذ قليلاً ما تغادر الكاتبة ذاتها الى الذات العامة، ولربما كان عدد من هذه النصوص هو اشبه بسيرة فنية لوجهة نظر الكاتبة في تجربتها، او الانطلاق من تجربتها الى تجارب عامة مماثلة، كما في روايات لصبحية عنداني ومؤمنة بشير العوف ونوال تقي الدين ووليدة عتو وماري رشو وسمر العطار وغيرهن.
من الملحوظ ان بعض الكاتبات قد عنين بالمأثورات الشعبية في بناء النص الروائي، مثل غادة السمان في روايتها «ليلة المليار»، وناديا الغزي في نصها الروائي «شروال برهوم»، ووصال سمير في روايتها «زينة»( دار الأهالي - دمشق - 1992).
أما بالنسبة للرواية التي تخاطب الفتيان والناشئة فإن عددها قليل جداً، وينطبق هذا الوصف على رواية ألفة الادلبي «حكاية جدي» وثمة كتابات روائية اقصر لدلال حاتم هي: «مذكرات عشرة قروش» ( اتحاد الكتاب العرب- دمشق - 1983)، «حدث في يوم ربيعي» (المديرية العامة للاثار والمتاحف - دمشق - 1981) و«حنون القرطاجني» (كتاب اسامة الشهري- وزارة الثقافة - دمشق - 1981) وآخرها لضحى مهنا «هكذا عاش جلجامش» (دار الحوار- اللاذقية- 1994) عن ملحمة جلجامش المعروفة.
نلاحظ ان النقد الموجه للكتابات الروائية النسائية السورية قليل ، باستثناء ما كتب حول غادة السمان التي صدر حول اعمالها حتى الآن سبعة كتب هي: «غادة السمان بلا اجنحة» لغالي شكري، «تحرر المرأة عبر اعمال سيمون دوبوفوار وغادة السمان» لنجلاء نسيب الاختيار، و« التمرد والالتزام في أدب غادة السمان» لباولا دي كابوا و«غادة السمان: الحب والحرب- دراسة في علم الاجتماع الادبي» لالهام غالي و«قضايا عربية في ادب غادة السمان» لحنان عواد، و«فض ذاكرة امرأة» لشاكر النابلسي،و«غادة السمان: رحلة في اعمالها غير الكاملة» لعبد اللطيف الارناؤوط.
أما المصادر الاخرى لنقد الكتابة الروائية النسائية في سورية، فهناك كتاب وحيد هو «الرواية النسائية في سورية» لهيام ضويحي (1992)، وكتاب آخر لإيمان القاضي يتناول «الرواية النسوية في بلاد الشام»(1992)، وخلا ذلك مقالات وبحوث في الدوريات وبعض الكتب النقدية والتعريفية والتاريخية.
هذه اهم منظورات الكتابة الروائية النسائية وتقاناتها في سورية، وكما نلاحظ هي تجربة أدبية كبيرة في حساب الكم والنوع، والأهم فيما تثيره من قضايا تتصل بالادب وبالنسوية معاً.
البعث