عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
7

المشاهدات
4458
 
عزت فائق ابوالرُب
من آل منابر ثقافية

عزت فائق ابوالرُب is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
38

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
فلسطين - جنين

رقم العضوية
10453
11-24-2011, 08:27 PM
المشاركة 1
11-24-2011, 08:27 PM
المشاركة 1
افتراضي قصص و حكايا من التراث الفلسطيني ( 1 )
( أغنية الأذان )

بينما كنت واضعاًً خدّي على يدي،غلبتني سهوةٌ ،وغشى عينيّ غشاوة،فغبت عميقاً في ذاكرة الزمان والمكان مع طيف جارنا أبي العبد-رحمه الله-،وهو يمرُ أمام ناظري خارجاً من باب دارهم، في طريقه إلى الحارة،حيث كنت ألهو وألعب مع أولاد حارتنا،نصارع الوقت ،ننتظر غروب الشمس التي لم تعد أكثر من نصف برتقالة،اعتصر النهار نصفها ،وأوشك المساء أن يأتي على نصفها الآخر..... تضاءلت في عيوننا ،وأمسينا أكثر قوةً وانتشاءً من ذي قبل ،إذ انتصرنا على ذاك النهار الصيفي اللاهب الطويل،حتّى أننا لم نخف جارنا أبا العبد ،صاحب الصوت ألأجش،ولم ينتهرنا هو الآخر كعادته ،بل انساب بهدوءٍ واستسلامٍ لسلطان الجوع والعطش . وكعين ماءٍ رقراقةٍ غلب عليها الحياء ،اتجه نحو كومة التراب خلف خشتهم التي ما زالت صورتها تتقد و تتوهج في خيالي ،ويعبق شذاها في المكان والذاكرة، وتحتفظ بذكرى جوار أبي العبد وزوجته (سعدة ) رحمهما الله .
طغى المشهد على سمعي وبصري،توقفت عن اللعب ،عاد جسمي إلى فطرته التي جبلها عليه في العمل،لم يعد لي عليه سلطان،تعطلت المؤثرات الخارجية...نسيت ما حولي ،تغلغلت في أعماقه، أخذت أرنو إليه بعمقٍ وتفحص في هذا اليوم الرمضاني الآفل.
جلس على قدميه (قحمز)....ألقى بظهره إلى الحائط الطيني. كان مثلنا ينتظر أذان المغرب....مدّ يده إلى جيب معطفه البالي ،وأخرج علبة الدّخان الحديدية الصّدئة، وقبل أن يفتح العلبة،أمسك بطرف حطته البيضاء المشوبة بالصّفرة من الدخان وأشياء أخرى كثيرة،وردّها على كتفه بعد أن أحكم عقاله بغرزته الخشنة عليها .......فتح العلبة ،وظهر دفتر الشّام فوق دخان الهيشة ،فأخرج منه ورقةً، وثناها قليلاً،وتناول بثلاثيته قليلاً من الدخان،و وضعه في الورقة المثبتة بين أصابعه ،وأخذ يمهدها بعناية وحرص حتّى بدت له متناسقةً..رصّها جيداً وأحكم لفّها ..رفعها إلى شفتيه ،فبلل طرفها، وألصقه بالطرف الآخر...صارت جاهزةً للاستعمال ،لا يمنعه عنها إلا قول المؤذن الله أكبر .
صاح الأطفال بصوتٍ واحدٍ هييييي-----هيييي------هييييي.......انتبهت من غفوتي ،عرفت أن سيدي الشيخ توفيق خطيب المسجد، قد طلّ من طرف الشارع المقابل،فانضممت إلى جموعهم المتجهة نحو الخطيب تزفه من بعيد فرحاً وابتهاجاً بقدومه الذي يؤذن بانتهاء صوم يوم من أيام رمضان وبصوتٍ واحدٍ انطلقت الأهازيج تتراقص في حناجرنا { وذّن يا سيدي سيدي تذبحلك جاجه في ايدي توكلها وتنام ع رف الحمام ،وخالتك صبحيّه وارده ع الميه لا قوها اثنين من شباب حسينِ واحد اسمه زلمه (سلامه) والثاني اسمه علمه(علامه) .}...ودونما كللٍ أو ملل نعيد ما ابتدأنا به، وشيئا ًفشيئاً، تعلو وتيرة الصوت و تزداد ، ونقترب منه قليلاً قليلاً،على تخوّفٍ و وجل، نقدم رجلاً ونؤخّر، ودون أن نشعرأننا تجاوزنا المسافة المسموح بها بيننا وبينه ارتدّ علينا صارخاً وضارباً،فتفرقنا مذعورين ،وانطلقنا متعثرين متصادمين ،نسترق اللفتات خلفنا ،أما زال يلحق بنا ؟ . و ما أن اطمأنت نفوسنا بانتهاء المطاردة ؛ وقفنا و لملمنا أنفاسنا وشعثنا، ورددنا عليه مناكفين: {وذّن يا خوجا خوجا تذبحلك جاجه عوجا توكلها وتنام ع رف الحمام .....} وهكذا، إلى أن اعتلى ظهر المسجد، فخفتت الأصوات شيئاً فشيئاً... وخيّم الصمت على الجميع ، واشرأبت الأعناق ،واتجهت الأنظار نحو يديه متى يرفعها إلى أذنيه ...... أمّا أبو العبد، فكان يتفقد قدّاحته بفتلتها الدّاكنة وحجرها الناري ،و للتأكيد على سلامتها قدح عجلها ، فلم تخيّب ظنه ،واستجابت له على عجل كأنها تشاركه الشوق إلى الاشتعال ، فطيلة اليوم لم يوقظها من نومها ، وآن لها أن تفيق..... حدّق أبو العبد بالمؤذن ...حرّك الخطيب يديه ...وضع أبو العبد سيجارته بين شفتيه ،و تزامن قول الله أكبر مع وصول اليدين إلى الأذنين... لبّت القدّاحة الدّعوة هي الأخرى ،وانطلق لسانها إلى السيجارة ، فأشعلها ،وأخذ نفساً عميقاً ،و قبل أن يخرج ما في جوفه من الدخان ،انطلقت مسرعاً نحو باب بيتنا ؛لأجد أمي رحمها الله عند رؤؤس إخوتي وأخواتي ، وهم يقولون بصوت ٍمسموع اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ، بسم الله الرحمن الرحيم .