عرض مشاركة واحدة
قديم 03-30-2011, 01:03 AM
المشاركة 5
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



أكثر... أكثر...

كتب ويتمان شعراً متفائلاً يفيض ببهجة الحياة، وتتبدى فيه كل عناصر الكون والطبيعة متساوية القيمة والأهمية، ومندفعة رغم كل تناقضاتها للإلتقاء في نقطة مركزية يصدح منها اللحن الهارموني الأبدي للأمل.

شغفه اللانهائي بالحياة علّمه درساً عميقاً في القبول، لا في الإيثار ولا في الرفض، مما جعله بالغ الرضا بغموض الأشياء من حوله إلى درجة تجاهله التام للفروق في ما بينها؛ بين ما هو شخصي أو لا شخصي، غرائزي أو روحاني، ظاهري أو باطني.


لكن هل يمكننا اليوم إنكار الطبيعة الثنائية لكل ما في الوجود؟ هل يمكننا الفصل بين حياة الإنسان الداخلية والخارجية وتجاهل الصراع الذي يجعل قيمة الحياة نفسها موضع شك دائم؟ لعل ما قاله الشاعر الأميركي "بول زويغ" يجسّد تماماً طبيعة وقع أشعار ويتمان اليوم في نفس القارىء المعاصر، ومفاده أن "قارىء ويتمان اليوم لا يراه سوى في الشوارع أو في صالات الأوبرا، ونادراً ما يزوره في بيته! يسمعه في إفتتاحية صحافية، لكن قلما شاركه في مناقشة أومحادثة! " خلو أشعار ويتمان من الدراما والسرد يجعلها تبدو كمتفرج أو متأمل أو عابرسبيل يكتفي بمراقبة الأشياء من الخارج من دون أن يتملكه الفضول في معرفة ما يجر يخلف أبوابها الموصدة.

ولأن القارىء المعاصر لا يساوم على فضوله أبداً، فهو اليوم يفتقد لدى ويتمان المتستر على حياته الجنسية، المتملص من الإجابة بالسؤال، المتخفي بجلد الحقيقة عن حقيقة جلده، تلك الحميمية في التعبير عن الذات، وتلك الخصوصية التي باتت شرطاً ضرورياً لإشباع الفضول والرغبات ليس فقط في ما يخص علاقة القارىء بالنص، بل أيضاً في ما يخص علاقة الإنسان المعاصر بمختلف مجالات الحياة.


باتت الحياة الخاصة للأديب أو الفنان سلعة إستهلاكية تضاف هي الأخرى إلى هذه السوق الهائلة الجشعة الفاغرة الفاه أبداً والتي ما عادت لتميّز في إشباع رغباتها بين سلع ضرورية وكماليات. أكثر... أكثر... هذا أقل ما يريده الإنسان المعاصر. وفي حين كان ويتمان يعبر شوارع مانهاتن كشبح، كحلم، كسراب، مسترقاً السمع إلى الطبيعة والأشياء من حوله، فإن الشاعر الأميركي المعاصرلم يعد يكتفي اليوم بمراقبة اللعبة من خلال مروره العابر أو إصاخة أذنيه فقط، بل غدا طرفاً فاعلاً فيها. وفي حين كانت المرأة مثلاً، في الأمس، في قصيدة ويتمان، تراقب عبر النافذة مجموعة رجال يسبحون عراةً،، بات اليوم في متناول خيالها وجسدها وروحها وقلمها ما يفوق متعة التلصص بكثير.

لأجل هذه الأسباب كلها، يبدو من الصعب بعد في زمننا الحاضر، لا بل من المحال، على الإنسان المعاصر موافقة ويتمان على مقولته بأنّ "ما أفترضه أنا ستفترضه أنت".



نصوص مختارة من شعره


إلى مومس من عامة الناس

كوني رابطة الجأش، مطمئنة
أنا والت ويتمان، متحرّر وشهواني
مثل الطبيعة
ليس حتى تحتجب عنكِ الشمس
كيما أحتجب أنا عنكِ
ليس حتى تأبى أن تتلألأ لكِ المياه
وتخشخش لكِ الأوراق
كيما تأبى أن تتلألأ وتخشخش لكِ كلماتي
يا فتاتي، ضربت معكِ موعداً
وأوصيكِ
أن تتأهبّي، كيما تكوني جديرة بلقائي
وأوصيكِ
أن تكوني طويلة الأناة
وفي أوج زهوكِ حتى أجيء
وإلى ذلك الحين
أحييكِ بنظرة جارحة كي لا تنسيني
في ما وراء الحدود عند دفّة سفينة
في ما وراء الحدود، عند دفة سفينة
ربّان يافع يتولى القيادة بحذر
نفيرٌ عبر الضباب يعلو الشاطىء
يصدح بشجن
نفيرٌ بحري، نفيرُ إنذارٍ تهدهده الأمواج
أنتَ يا من يجيد التحذير بحق
أنتَ يا نفيراً عند صخور البحر
يصدح ويصدح ويصدح
ليُخطر السفينة بموقع حطامها
ولأنكَ يقظٌ أيها الربّان
تستجيبُ نداءَالنفير
مقدّم السفينة ينعطف
والسفينة المرتاعة مغيرةً اتجاهها
تسرع بعيداً تحت أشرعتها الرمادية
السفينة البهية والمهيبة
بكل ثرواتها النفيسة
تسرع بعيداً بحبور وآمان
لكن يا أيتها السفينة
السفينة الخالدة
يا سفينة خارج حدود السفينة
يا سفينة الجسد ويا سفينة الروح
الراحلة
الراحلة
الراحلة





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)