عرض مشاركة واحدة
قديم 09-26-2010, 02:00 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الثالث : فئة المدعين أصحاب عقدة العظمة ..


وهم مجموعة التقت على نفس الهدف مع العلمانيين وهو ضرب الفكر الإسلامى بأى شكل وكذلك عقيدته وتاريخه , وإن اختلفت فى المبررات
فبينما يفعل العلمانيون العرب ذلك لكسب مادى وعمالة صريحة أو حقدا خالصا على الدين ـ أى دين ـ تحت رغبة باطنية فى الانحلال يمنعها التشريع ويستهجنها المجتمع فيكون الحل أن يحاولوا إثبات إباحة الانحلال بالشرع عن طريق وصم علمائه الشارحون له بالتخلف , وهذا هو ديدن العلمانية
فأتى هؤلاء المدعين فقاموا بنفس الدور لمجرد الظهور وإثارة الجدل من حوله ـ وهؤلاء أكثر حماقة من أرباب العلمانية ـ لأنهم لا يفعلون ذلك عن اقتناع أو دفاع عن الأفكار وإنما فقط تحريا لقاعدة خالف تعرف وسعيا لوضع نفسه فى دور المفكر المعارض المعترض الذى يعانى من تسلط الجهلة ـ كما يظنهم ـ عليه وعلى فكره
فيقدم نفسه على أنه مدافع عن الإسلام حريص على تقدمه وتنقيته من التخلف المتمسك فى آثار السلف ,
ولا فارق بين هؤلاء وبين العلمانيين إطلاقا خاصة إذا علمنا أن أصحاب المظهر الأول ـ الإسلامى ـ لا يدافع عنهم إلا العلمانيون أنفسهم باعتبار هؤلاء أصحاب الفكر المستنير

ومن أصحاب المظهر الأول عدد من الكتاب والمفكرين بل والفقهاء الذين يدعون للتجديد ـ على نمط الحداثة ـ لا على نمطه المفروض وهو الاجتهاد فى القضايا المعاصرة , فخرج منهم علماء وفقهاء جعلوا همهم الوحيد مخالفة كل إجماع لعلماء السلف والقول بقول جديد مخالف لهذا الإجماع حتى لو كان إجماعا له دليله الصريح من القرآن والسنة , ومثال ذلك الفقيه الذى أفتى بجواز بقاء الزوجة المسلمة مع الزوج المرتد عن الإسلام المنتحل لملة أخرى !
وهؤلاء فهموا الإجتهاد فهما خاطئا ـ رغم أنهم علماء ـ فظنوا أن الاجتهاد معناه أن يأتى العالم بقول لا يستند فيه إلى دليل أو قياس بل ويخالف به نصوص قطعية وأمورا معلومة من الدين بالضرورة لم يجرؤ عالم فى تاريخ الأمة أن يمسها تعليقا أو نقضا وإلا كان هذا استدراكا على القرآن والسنة وغاب عنهم المبدأ الذهبي فى أن العصمة للأنبياء , أما العلماء فأقوالهم ليست أدلة بل تحتاج أقوالهم للأدلة لكى يعتد بها ويستدل بها
وهؤلاء العلماء لهم تلامذة تبعوهم فى مدرسة الافتتان بالذات لكنهم لم يتبعوا أساتذتهم فى طريق العلم الصعب ـ لاستحالته مع قدراتهم الضعيفة ـ فقرروا أن يقلدوا هؤلاء العلماء على غير أرضية علمية من أى نوع , وأيضا طلبا للشهرة من باب خالف تعرف
مثلهم فى ذلك مثل الذى رأى عالما جهبذا فى مكتبه الممتلئ بصفوف الكتب والمراجع , فقام بانشاء مكتبة أكبر منها وجلس أمامها مدعيا أنه أصبح عالما بهذا المظهر
وكما يقولون " إذا تكلم الإنسان فى غير شأنه أتى بالعجائب " رأينا هولا من هؤلاء المدعين الذين سلكوا طريقا من اثنين لمنافسة فقهاء الشهرة وهما
إما أنهم مشوا فى نفس طريق أساتذتهم فتصدوا بالنقد لأقوال علماء كالجبال , فجاءت محاولاتهم تلك تتناسب مع تواضع مستوى تفكيرهم وتصلح كسهرة ضاحكة تلتف حولها الأسر فى ليالى الشتاء الباردة , مثال ذلك ما يفعله جمال البنا الذى لا يعرف الفارق بين الرخصة والعزيمة ويعلن أن علماء السلف قد ضيعوا الإسلام
وما دام الإسلام قد ضاع فى عهد أولئك العلماء الذين أسسوا أركان الخلافة على أقطار الأرض , فلا شك أننا نستطيع أن نستنتج بسهولة لماذا وصلنا إلى حالنا هذا اليوم ما دام جمال البنا وأمثاله يجدون صحفا تفتح لهم أبوابها وقنوات فضائية تنشر جنونهم هذا

والنوع الثانى سلك السبيل الملتوى ليقدم نفسه على أنه مفكر عتيد مدافع عن الدين أمام طوفان الشبهات ! ,
ولما كان طريق رد الشبهات الحقيقية يستعصي على قدراته , فقد فضل أصحاب هذا اللون أن يتركوا الشبهات الثقيلة وصراع الديناصورات المتمثل فى المواجهة بين علماء الإسلام والمستشرقين الجدد والقدامى ولجئوا إلى اختراع خصوم من الهواء ومحاربتهم بعد ذلك
تماما كما كان يفعل مشركو مكة فى السابق عندما يعجز المرء منهم عن تدبير ثمن لشراء صنم يعبده كان يلجأ لأى قطعة تمر فيعجنها ويصنع منها إلها يعبده ولا يكلفه شيئا , بل يكون موفرا فى الأوقات الصعبة فإذا جاع أكله
وهؤلاء المراهقون فكريا لا يعلمون أنهم يثيرون إشفاق العقلاء وسخرية العامة بما يفعلون وهذا أمر طبيعى فالمتأمل فى عالم اليوم يجد أن المعارك الفكرية الحقيقية ضد الإسلام مفتوحة الجبهات أمام كل مقاتل ـ بشرط أن يكون مؤهلا ـ والمعارك تبلغ من كثرتها أنها تستوعب جهد عشرات الآلاف من حملة الأقلام والباحثين والعلماء الحقيقيين للعمل على رد الشبهات المؤثرة فى العامة ,
أما المراهقون الذين نحن بصددهم الآن فهم لا طاقة لهم بتلك المعارك وبالتالى يلتمسون الشهرة عن طريق مقارعة الكتب التافهة وصبيان العلمانية وحمقي الغرب الذين يسطرون الصفحات بحقد على هيئة حبر لا جدوى منه ولا فائدة ,
وأمثال هذه الكتابات يكون الرد عليها مضيعة للوقت فضلا على أن تناولها بالنقاش محرم قطعيا فى الدين لأنها ليست شبهات بل ترهات
فالشبهة هى القول الذى ينقض ثابتا من ثوابت الدين ظاهريا , ولا يعرف عواره إلا العلماء المتخصصون , فيكون دور العلماء هنا أن يبسطوا الأمر للعامة ويكشفوا صياغة الشبهة وبالتالى تسقط فتنتها ولا يضل بها أحد

أما أمثال تلك الكتابات فإنها لا تحتوى فكرا بل تحتوى كفرا بواحا , ولا تحتوى ذرة من القيمة يستحق عناء الرد العلمى أمام العامة الذين لا يتأثروا بتلك الأقوال من أى وجه بل يستقبلونها بالإستهجان والاحتقار وهو أقصي ما يستحقه أصحاب تلك الكتابات , وتلك لا يُرد عليها أو يتناولها العلماء والمفكرون بل إنها تكون مهمة أهل الاختصاص والسلطة لتطبيق حد الله تعالى عليه , أما العلماء والمفكرين وتلاميذهم فممنوع عليهم أن يفتحوا مجالا لهؤلاء بينهم نظرا لأن مرتكب هذه الأقوال كافر داع لكفره لا يستقبله أهل ملة الإسلام فى مجلس أو حوار
ولو أن المجال مفتوح للحوار مع هؤلاء سيكون الأمر أشبه بالحمار الذى رفس صاحبه فحاول هذا الأخير أن يقنعه بالحوار بأن فعله خاطئ حتى يرده عنه !

لذا فمراهقو الفكر عندما يرون فى تلك الأقوال المارقة ,, شبهات يظنونها تضل أحدا فإنهم يعبرون عن مستوى تفكيرهم الحقيقي
لقد حاول مشركو مكة أن يفعلوا ذلك قبل أربعة عشر قرنا من الزمان فلم يرد عليهم الوحى الشريف إلا بالسخرية , فقالوا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مجنون وقالوا أنه ساحر وقالوا بأنه قصاص فما نزلت آية واحدة تفند تلك الأقوال والشتائم بل نزلت الآيات تردها على أصحابها بالسخرية والوعيد , أما الردود فكانت على أصحاب الشبهات الحقيقيين من اليهود والنصاري وخبثاء العرب فرد القرآن الكريم يضرب الأمثلة للناس لعلهم يتفكرون ويفند شبهاتهم واحدة تلو الأخرى
بأمثلة مناظرة ابراهيم عليه السلام للنمروذ , ومناظرة موسي وهارون لفرعون , وقصة عيسي عليه السلام واثبات أنه عبد لله تعالى
ولم يحتو القرآن ردا مفصلا على سب أو شتم بل اكتفي الله عز وجل أن خاطب نبيه قائلا " والله يعصمك من الناس " واكتفي بوعيد الآخرة
وإلا كيف يمكن أن يتخيل عاقل أن العامة من الممكن أن تتبلبل أفكارها لأن أحد الملحدين أصدر كتابا يسب فيه النبي عليه الصلاة والسلام أو أمام آخر يقول بأن الإسلام ليس رسالة سماوية , أو ثالث يقول بأن الصلاة ليست فرضا ؟!!
وهى مجردة أقوال مرسلة ما دعمها صاحبها بشبهة دليل عقلي أو نقلي , وإذا كان العالم لا يقبل منه قول حتى يدلل عليه , فهل نقبل قول الجاهل الغير مدلل عليه ؟!
هل هذه الأقوال من الممكن أن نعتبرها شبهات مضللة فنطرحها للنقاش , وهل هذه الأقوال من الممكن أن يستقبلها فلاح أمى فيضل بها حتى يرفع أولئك المراهقون سيف الرد ويعلنون عن أنفسهم باعتبارهم الواقفون على حدود الإسلام ؟!
وترى عينة الردود فيأخذك العجب ,
ملحد أو مارق يقول أن الإسلام دين أرضي فيأتى الذى يرد عليه فيقول " لا الإسلام دين سماوى " فلا الذى تهجم على الدين أتى بما يبرر قوله ولا الذى رد عليه تمكن من أن يدلل على ما يدافع عنه لافتقاده مؤهلات الحوار وأصبح الأمر أشبه بساحات مشجعى كرة القدم , تثور بينهم الصراعات ويؤيد كل منهم ناديا معينا دون أن يتوقف أحدهم فيسأل نفسه لماذا تؤيد هذا أو تترك ذاك ؟!

وليت أن ساحة المعارك لا يحتدم فيها الصراع , بل إن الحروب الفكرية تمتلئ بما يستحق الرد " 10 " ولا تجد من القادرين ما يناسب كثرة المحاربين , وهؤلاء فى غفلة طبيعية عنها لأنهم لا يريدون العلم بل يريدون مظهره فقط , ولو أنهم دخلوا صراعا حقيقيا مع مستشرق لتلاعب بهم كيف شاء
وتستقبل الجماهير أقوالهم بمزيج من السخرية والإشفاق كما سبق القول فيكون ردة الفعل الطبيعى منهم الإصرار على نشر ترهاتهم واختلاق الجدل حولها بأى صورة لعل وعسي أن يلتفت أحد لأصواتهم التى بحّت وهى تحاول أن تخلق لنفسها مكانة ومكان بين أساطين العلم والبيان

فإذا عجزوا يكون الحل الأخير فى أن يتعرضوا بالتهوين والاتهام لعلماء السلف والعلماء المعاصرين الذين يقفون كحجر عثرة أمام طموحهم المريض تماما كما فعل علماء الفتنة ـ أساتذتهم فى هذا الاتجاه ـ فى عالم اليوم عندما عجزوا عن محاكاة قدرات السابقين من العلماء لجئوا للتقليل من شأنهم واتهامهم فى علمهم !
ومثلهم كمثل الثعلب الذى عجز عن إدراك عنقود العنب فوق شجرة فقال لنفسه مواسيا أنه حصرم !

ومن الجدير بالذكر أن ننوه هنا على أن تلك المظاهر المعروضة فى الموضوع كلها جاءت على لسان المعصوم عليه الصلاة والسلام فى أحاديث الفتن وأشراط الساعة فسماهم النبي عليه الصلاة والسلام بالرويبضة وبالدعاة على أبواب جهنم كما تحدث عنهم بالوصف فقال فيهم أنهم رءوس الجهل الذين يظهرون فى زمان قبض العلم بقبض العلماء , وليس هناك علاج لظاهرتهم سواء علماء الفتنة أو المدعين
فعلماء الفتنة ـ الدعاة على أبواب جهنم والعياذ بالله ـ نالوا وعد الله فمدهم فى ظغيانهم يعمهون , فكل مفاتيح الهداية لا تفيد مع أقفال مصمتة لا مكان فيها لمفتاح
والمدعون مرضي ولا يعترفون لأنفسهم أنهم مرضي فمن المستحيل أن يقبلوا العلاج , فكيف تقنع مجنونا بأنه مجنون
وحل هذه الظاهرة مستحيل ,
لأنها لا تساوى صفرا بل تساوى سالب صفر !


الهوامش

[1]ـ كانت المعيشة الريفية فى ذلك الزمان تقوم على منتوج الأرض من الفلاحة قمحا وشعيرا وفى ظل ظروف لو عاشها شباب اليوم لانتحروا من الكآبة

[2]ـ راجع تاريخ عبد الرحمن الرافعى ـ الجزء الأول " الحركة القومية وتطور نظام الحكم "

[3]ـ وقائع حقيقية للأسف الشديد نشرتها الصحف فى نهاية التسعينات وبداية القرن الحادى والعشرين

[4] ـ لمزيد من التفصيل يرجى مراجعة موضوعنا تعلم كيف تثور

[5]ـ تعبير زوار الفجر هو تعبير صاغه محمد حسنين هيكل للتعبير عن ديكتاتورية الأمن فى الاعتقال فى فترة الستينات

[6] ـ مبادئ القانون الدستورى ـ د. وهيب عياد سلامة

[7] ـ لا تعرف الرياضيات قيمة سالبة للصفر , وكذلك فإن الصفر يعتبر قيمة رياضية وليس خواء أو عدما ويمثل منتصف الزاوية فى الأعداد الطبيعية, أما القيمة الفارغة فهى " فاى "
والأعداد الطبيعية هى الأعداد الصحيحة والكسور والجذور وغيرها التى يعبر من صفر إلى 1 , 2 صعودا ومن صفر إلى 1ـ , 2 ـ نزولا , وهناك قيم أخرى ابتكرها أحد علماء الرياضيات هى الأعداد التخيلية التى لا تستند إلى اثبات رياضي ولكن تم وضعها كفرضية علمية فقط وسميت الأعداد التخيلية " ت " أو الجذور السالبة لأنها مستحيلة التطبيق عمليا وذلك لحل مشكلة التوفيق بين المعادلات عقب ظهور النظرية النسبية

[8]ـ الجهل بمعنى المعرفة الخاطئة التى تؤدى لتطبيق خاطئ بينما الجهالة هى فعل السوء تحت تأثير فتنة وفاعله يدرك أن ما يفعله حراما أو ممنوعا
والجهل يمثل عذرا شرعيا معتبرا للعبد عند الله لأن العبد يفعل الذنب وهو غير مدرك أنه ذنب , بينما الجهالة يلزم لها التوبة لكون العبد استجاب لوسواس نفسه وشيطانه فى لحظة ضعف وفى هذا يقول تعالى
" إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب "

[9] ـ يخلط البعض بين مفهوم متشابه القرآن الذى حذر التشريع من فتح الجدل فيه كأسماء وصفات الله عز وجل وكصفة الآخرة والبهث والحساب , وبين قضايا العلم المكنون فى القرآن والاتى تعد فى الدين من أسمى القربات لأننا مطالبون بتحريها مثل قضايا الخلق والكون وفضايا الإعجاز التشرعي واللغوى .. ألخ
فليس الإعجاز العلمى واللغوى متشابها ممنوعا بل هو علم له قواعده التى يتيحها الله سبحانه وتعالى لمن يتحراها

[10] ـ يكفي فقط على سبيل المثال الفتاوى السياسية التى يصدرها علماء السلطة ويزينونها بما يضلل العامة من أدلة مغلوطة , وأيضا الشبهات التى تملأ شاشات الفضائيات من أصحاب الفرق المختلفة كفرق الشيعة والعصرانيين الجدد والاستشراق الأمريكى المعاصر وكل هؤلاء يأتون بشبهات محبوكة صنعتها أيدى خبيرة بالفكر الإسلامى