عرض مشاركة واحدة
قديم 09-18-2012, 02:52 AM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو وأتوب إليه ..
اللهم إنى أعوذ بك من رياء القول والعمل ..

الأخ الفاضل أيوب صابر ..
سأعود إليك بعد أن أنتهى من التعقيب على المقال الذى قمت بنقله , والذى أجهل الهدف أو المعنى حقيقة من نقله !
لكن لا بأس ..

الكاتبة عنونت مقالها بقولها ( من يملك الجرأة على أن يعترف أننا أمة معاقة نفسيا ) , وهذا صحيح أننا أمة معاقة نفسيا وأكبر دليل على ذلك أن هذه الكاتبة وأمثالها موجودون بيننا , ومنتسبون لأمتنا , فالكاتبة نفسها لم تلاحظ أنها هى نفسها أحد أهم علامات الإعاقة النفسية !
لماذا ؟!
لأن الإنسان إذا شرفه الله تعالى بالحل , فتركه , وذهب يبحث عن حل آخر فى أصل المشكلة , هو بلا شك إنسان معاق ذهنيا ..
ومنذ ظهرت علامات التغريب التى ضربت مفكرينا فى القرن الماضي , ونحن نشاهد من أمثال هذه الكاتبة العجب العجاب , والمرء منا يتأمل أحوالهم فيستغرب هذا العداء المبيت لأنفسهم ولأمتهم ولثقافتهم ولدينهم , وكما قلت مرارا هؤلاء معاقون نفسيا لأنهم التمسوا الهدى فى غير هدى الله سبحانه و وتركوا السائغ إلى المقيت , وأهملوا السهل طلبا للصعب , وهذا ما لا يفعله عاقل ..

هذا الشعور الغريب من المتغربين بالضآلة تجاه شعوب العالم , لا ينم فقط عن جهل وتجهيل بالغ بحقيقة تراث هذه الأمة الذى اعترف به كل أحد , بل يثبت أيضا فساد النفوس والقلوب , حتى وصل الأمر بهؤلاء الكتاب أو المفكرين أنهم يضربون فى الثوابت بل ويسخرون منها تحت زعم جلد الذات أو الشجاعة فى إبداء الرأى !

وقبل أن نتعرض لما قالته الكاتبة دعونا نحل إشكال القضية التى طرحتها فى البداية , وهو حل سهل وموجود ولا يحتاج عقلا مفكرا لأنه ببساطة موجود فى تراثنا الذى أهملناه ,
قضية السعادة والحزن والفرح والتشاؤم , قضية حلتها آيات القرآن الكريم والسنة المطرة وأفعال سابقينا العظام من الأجيال الأولى التى شربت من نهر النبوة الصافي ,
فالسعادة تختلف عن الفرح , والحزن يختلف عن القنوط والتشاؤم ,
فالسعادة مطلوبة , بينما الفرح مرفوض ــ إلا فى الآخرة ــ لأن مفهوم السعادة هى السعادة مع الحذر وهذه هى طبيعة حال الحياة الدنيا التى هى دار الإختبار وليس فيها السعادة المطلقة , والفرح هو السعادة المطلقة التى لا نعرفها فى الدنيا بل نعرفها فى الآخرة ..
أى بمفهوم أبسط , الفرح هو السعادة المطلقة الكاملة التى لا يشوبها غبار من حزن أو ضيق وهو السعادة مع الأمن التام , بينما السعادة هى جزء من الفرح ممزوج بالخوف والرجاء ,
وهذا هو الحال المطلوب من المسلم .. وهذا مناسب لطبيعة الدنيا التى تحتوى المنغصات فتسلتزم الخوف والرجاء بنسبة معينة تدفع الإنسان لانتباه آخرته حيث النعيم المقيم , والسعادة فى الدنيا غير ممزوجة بالأمن , ولا يأمن فيها إلا الكافرون والمنافقون , لأن حال المسلم صحيح الإيمان مقرون دوما بخشية الآخرة ومصيره فيها , بينما الآخرة فيها الأمان المطلق إن شاء الله لمن شاء الله ( اللهم اجعلنا منهم )
وبهذا النحو جاءت آيات القرآن الكريم ..
يقول تعالى :
[ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الفَرِحِينَ] {القصص:76}
والآية هنا تقرر أن الله تعالى لا يحب الفرحين فى الدنيا , والآية الكريمة تعالج أمر قارون عندما فرح وأمن فى حياته الدنيا بخلاف ما دعا الله إليه ..
وفى سياق آخر وهو سياق الحياة الآخرة ذكر الله تعالى الفرح بمنطق المدح وأثنى عليه لأن الفرح فى الآخرة كما قلنا هو السعادة التامة , يقول الله تعالى :
[فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] {آل عمران:170}

نأتى الآن للحزن والقنوط ..
أما الحزن فهو شعور المؤمنين فى الحياة الدنيا إزاء الذنوب أو إزاء الخوف من عواقب الآخرة , ولكنه شعور نسبي وليس شعورا مطلقا ,
وهو مطلوب من كل مؤمن فى الحياة الدنيا , وهذا الحزن لا ينغص السعادة التى يقسمها الله فى الحياة الدنيا , وإنما هو شعور يمازج الفرح فيحوله إلى سعادة , لا إلى فرح آمن , وهذا هو مقصود الشريعة , أن يكون هناك نسبة وتناسب بين الشعور بالراحة وبين الشعور بالنصب والتعب فى الحياة الدنيا , ولهذا سميت الحياة الدنيا بهذا الإسم , ولهذا أيضا اقترن بها التعب والنصب لأنها دار الإختبار ..
أما القنوط واليأس والتشاؤم , فهو الحزن المطلق ..
والدنيا لا يجوز أن يكون فيها شيئ مطلق أبدا لأن طبيعتها نسبية , ولهذا حرم الله على عباده أن يرتفع الحزن إلى اليأس أو القنوط , لأنها صفة الكفار وحدهم , يقول تعالى :
[وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ] {يوسف:87}

والحزن المطلق الأبدى ألا وهو التشاؤم والقنوط واليأس ــ عياذا بالله ــ سيكون فى الآخرة هو مصير أهل النار , لأنهم أمنوا فى الحياة الدنيا واطمئنوا فيها فلم يسعدوا بالمقدار الذى حدده لهم الله , ولم يعلموا ولم يتعبوا فى دار الإختبار فكان الحزن المطلق جزاؤهم فى الحياة الآخرة ..

نخلص من هذا أيها الإخوة الكرام ,
أن الإسلام فى أصله دين الوسطية , وأن الحياة الدنيا كلها وبطبيعتها نسبية , ليس فيها شيئ مطلق أبدا , حتى الموت نفسه فهو موت وسكون بالنسبة للأحياء أما فى حقيقته فلا يعدوا كونه إنتقالا من دار إل دار , ولا يوجد فى الحياة كلها حقيقة مطلقة لا استثناء فيها ولا نسبة إلا حقيقة واحدة فقط ألا وهى حقيقة وجود الله تعالى .. وما عدا ذلك فكله نسبي ..
والإسلام دين الإستبشار والتفاؤل , ودين السعادة للبشرية , لكنه يحض أيضا على التفكر والسكون والحزن بما لا يصل لليأس فى الحياة الدنيا , وقد حضت تعاليم القرآن والسنة على أن نبشر ولا ننفر وحضت على حسن الظن بالله وحضت على السعادة والسرور وإدخالهما على خلق الله وجعلته من أهم العبادات ,
كذلك حضت على الإحتفال فلدينا العيدين , ولدينا شهر رمضان , ولدينا عشرات المناسبات الدينية والتاريخية التى تدفعنا للتفاؤل والسعادة والمرح ,
لكن بشرط أن يكون هذا كله أمر نسبي لا إطلاق فيه , لأنه لا يعقل أن يكون المسلم فى الحياة الدنيا مسرورا على الدوام , فلا شك أنه سيمر بمراحل حزن يصفي كدر القلب ويقربه أكثر إلى الله بعد إصابته بالنوائب , ولولا هذا الحزن الذى جعله الله فى حياتنا كالملح فى الطعام , لأمن الناس عقاب الله ولطغوا وبغوا وما عادوا إلى الله بالإستغفار ..
بمعنى أن الأصل فى الحياة هو السعادة والحزن هو الإستثناء الضرورى الذى لا غنى عنه ليحافظ الإنسان على بشريته ومشاعره

هذه هى قضية السعادة والحزن فى الإسلام ,
نأتى الآن لما وقعت فيه الكاتبة من أخطاء كارثية ..
تقول الكاتبة :

أنجح الألحان في أوطاننا هي الألحان الحزينة، وأنجح الأصوات هي تلك التي توغل في الحزن ببحة مجروحة وآهة تفطر القلب، وأكثر الافلام رواجا هي تلك التي تتسبب في ارتفاع استهلاك المناديل الورقية.. وأكثر المناسبات حضورا هي المآثم،
تنتقد الكاتبة المشاعر الإنسانية الطبيعية , فمن المعروف أن الحزن الصادق فى حق , هو الذى يصفي القلوب ويقربها , بينما الفرح ممزوج دوما بالتهليل والرقص ولا يدفع للتفكر بقدر ما يدفعه اللحن الحزين ..
أما قولها عن المآتم فى معرض السخرية أنها أكثر حضورا , فلو أن هذا غير متحقق , إلا أنه هو الأصل لأن المواساة فى المصائب أولى عندنا من المشاركة فى الفرح ..
فصاحب المصيبة هو أكثر الناس احتياجا للعون , لما هو فيه , بينما صاحب الفرح يحتاج لمن يشاركه فرحه .. نعم , ولكن غياب البعض عنه سيعوضه حالة الفرح ذاتها التى تغنيه عن المهنئين , بعكس المصاب ..
فما هو الغريب وما هو وجه الإنتقاد يا عباد الله فى هذا الأمر ؟!

وتقول :
وأكثر الاخبار متعة هي أخبار الدماء والأشلاء

أعوذ بالله من هذا البهتان , هى ترمى الأمة الإسلامية كلها بأنها تفرح لمناظر الدماء والأشلاء ولست أدرى أى شيطان أوحى لها بهذه الفكرة الممقوتة ! ومن أين لها أن تقيم عليها دليلا والعياذ بالله !
وهل هناك إنسان طبيعى يفرح أو يشعر بالمتعة ــ على حد تعبيرها ــ من مناظر الدماء والأشلاء ولو كانت بحق أعدائه !

ثم كانت الطامة العظمى فى قولها ..
من أمثالنا أيضا أن 'الضحك بلا سبب من قلة الأدب' وشعارنا أن 'كثرة الضحك تميت القلب' و'كثرة البكاء تقرب الى الله'.

ولست أدرى والله أى جرأة هذه !
فالكاتبة ــ بعلم أو بدون علم ــ تسخر وتنتقد حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو قوله ( كثرة الضحك تميت القلب ) .. وهو حديث حسن صحيح , فإن كانت الكاتبة لا تعلم أن هذا الحديث هو من قول النبي عليه الصلاة والسلام , فتلك مصيبة على مثلها ألا تتدبر قليلا فى أمر كهذا ومثلها لا يعذر بجهل ووسائل التحقق اليوم موجودة ومتوافرة
أما إن كانت تعلم فالمصيبة أعظم , لأن السخرية من قول النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر باتفاق علماء المسلمين , لأنه يضاهى سخرية المشركين من أقوال المعصوم عليه السلام ومن القرآن !
أفرأيتم إلى ماذا وصلت بنا ثقافة التغريب ؟!
ويا ترى ما هو السبب الذى حدا بتلك الكاتبة إلى كتابة هذا المقال الغريب !
لا سبب يا سادة إلا أنها أرادت أن تخالف فتعرف ! , وهذا يبدو واضحا من طريقة كتابتها لعنوان المقال فهى تصف نفسها بالشجاعة الأدبية لكى تقر حقيقة من خيالها تضارب المعهود والمألوف ,
والله المستعان ..

والآن أعود إلى الأخ الفاضل أيوب صابر ..
ما لاحظته على أطروحاتك أو فى معظمها هى أنها أطروحات مضادة للثقافة السليمة , أو أنها أطروحات تخوض فى قضايا جدلية لا فائدة منها , بل وزرها كبير لأنها تجر الناس إلى الشبهات وبلا أى داعى ولا أى مقتضي , فحرية الطرح والمناقشة تختلف عن فوضي المناقشة أخى الكريم ..
الحرية بها إلتزام بما ينفع الناس , أما أن أنقل كل شيئ وعن كل أحد وأطرحه للنقاش , لا سيما فى ظل اضمحلال الثقافة والمثقفين , فهذا يزيد من حالنا المتردى ولا يرفع عنه ..
أرجو أن تتقبل كلماتى ونقدى هذا , فيعلم الله أنه نقد للخير فقط , وأريد لك ولى ولغيري الخير إن شاء الله بمناقشة ما يفيد وينفع ,
وفقكم الله