عرض مشاركة واحدة
قديم 02-09-2012, 01:16 PM
المشاركة 246
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع
رواية رشاد أبو شاور: عِشقُ الأرض بدُرَْبَة السّرد ودرايته

أحمد المديني

في ' شبابيك زينب' لا تكاد الرؤية تختلف إلا باختلاف حجم النصوتبديه البساطة حدا يحول الرواية إلى مقام المحكي العادي جدا، تحسبه قابعا في كلنفس، منبثقا منها، وليس صنعة فنان في قلمه نبع فياض للسرد، وهو ما سنراه لاحقامفردا كخاصية لازمة لنص أبو شاور. هناك' أريحا' وهنا' نابلس'؛ شكيم (الكتف) تارة،لذا أكتاف النابلسيين عريضة، نيابولس (المدينة الجديدة) تارة أخرى، أو دمشقالصغيرة.(ص8). المدينة كنعانية، عمرها المعروف 9000سنة، وهي مدينة البركات، منهاالسامريون الذين يملكون في أسفارهم تاريخ الخليقة منذ بدء النشوء والتكوين(11)،مدينة العيون، ومدينة النار والياسمين والموسيقى والعود، وإذا كان هذا كله تمتدجذوره في التاريخ العريق، بما يسمح بالنظر إليه بعيون السحر والغرابة، لم لاأسطَرَتُه، فهو موضع مرتبط، شأن أريحا بأرض النبوات والمقدس، وفي الآن عينه هاكَه،كما يحرص المدخل الوصفي للعمل على تقديمه ضمن صورة الطبيعة،
وإن تلك التيتبقيها مجللة بسحر الغيب والنذور:'ارفع رأسك، فأنت في حضرة مدينة على جبلين يأخذانعينيك إلى الأعلى، تأخذ المدينة عينيك وتصعد بها بين الجبلين، عيبال وجرزيم (...) إن مدينة تلاتفع على جبلين، يرتفع واحدهما عيبال الشمالي 941 مترا. ويرتفع ثانيهماـ جرزيم الجبل الجنوبي، المقدس عند السومريين ـ أصغر طائفة في العالم ـ 881، لابدستبعث الرعشة في روحك، لأنك في حضرة جغرافيا وتاريخ وقداسة ومصائب كابدهاالنابلسيون عبر العصور.'(ص 7.). فماذا عن ناسها؟ إنهم ببساطة عنيدون، في هذه الصفةكل المعاني.
من بدء كل نص يفهمك أبو شاور أن المدينة الروائية، جغرافيتهاالطبيعية والبشرية والدرامية، لا تنهض على فراغ، يفعل ذلك بتدخل المؤرخ الذي يستشهدبالمعلومة الموثقة، يعلنها مباشرة دون ارتياب أو تردد، لا يبالي هل سينعت نصهبالتاريخي، وإن بدا مشوبا به، ولا الدعاوي، وإن احتج فيه وهتف، أحيانا، بلا تبجح،أي كتابة عن فلسطين، عن مكان ولدت فيه القداسة منذ بدء الديانات السماوية، وتزوجالتراجيديا حتى تماهى معها، فغدت له مرادفا لا يمكن إلا أن يمتح كل متعاط أدبيّ معهضرورةً من ضرعه التاريخي، ويسبح في دمائه المسفوحة، من تم هي طريقة الأداة لاالهدف، والجغرافيا الروائية المركبة هي عمدته. وبدلا من نابلس، نحن في ' مدينة برجالجوزاء'، ومما يشبه الأسطورة، تظــــل متشربة، نحن في شرقي المدينة في قرية بلاطة،وقرب المخيم الحامل للإسم نفسه والبشر القدامى، السّامريون، يرثهم رجال ونساء، ربماأشد صلابة وعنادا، أسماؤهم فدوى وزينب، عزالدين الأمين، الحاج فخري، صالح عكاوي،ناصر، الشاب مصطفى، الشيخ حسام وأم حسام، الحاجة راضية، وكل الأماكن والمواقع التيتتنقل فيها هذه الشخصيات، تفعل فعلها، وتتناوب على أدوار صنع الحدث والتأثيرالقادرين مع مؤثرات أخرى على تشكيل مدونة روائية متكاملة من كل ناحية، خاصة ما يقصدإليه كاتبها الذي ليس روائيا عاديا، وهو في الآن مناضل وصاحب شهادة .
نلتقي في 'شبابيك زينب' مع الخطاطة والعلاقات ذاتها، القائمة في 'عشاق'، وذلك في شكل أزواجومتقابلات تمثل الشيء ونقيضه، لخلق الصراع والتبادل، وللإسهام على المستوى اللغويوالتعبيري للشخصيات في نسج تعددية منتجة، تكسر وحدة الإيقاع وفرضية النمط إلى جانبأي هيمنة ممكنة للسارد: أريحا/ نابلس؛ مخيم النويعمة/ مخيم بلاطة؛ محمود/ ندى؛محمود/ زينب؛ أم حسن/ الحاجة راضية؛ حسن/ ناصر؛ الخال الإقطاعي/ الصحفي يوسف. تمثلكلها شخصيات تيمة المقاومة في مقابل أخرى ذاتية ورمزية صادمة، تمثل تيمة التقاعسأوالتذبذب أو العمالة العارية. تتضمن كلا التيمتين محمولا ثقافيا وإيديولوجيا هومرجعيتهما بلا شك، غير أن الروائي يبحث لهما عن التشخيص الحي الذي يمنحانهما قوةالتمثيل، بواسطته يعبر الخطاب، وإلا تهافت إلى هرج وشعارية وتبشيرية فجة يمكنلخطابات أخرى أن تتقاسمها، وتكون أجدر بوظيفتها. محذور يرافق دائما النصوص السرديةالمنافحة عن قضية، ويقترن عموما بما يسمى 'رواية الأطروحة' تشغل التيمة فيها موقعامركزيا. وبالنسبة لسرود اختصت وتختص بالحق الفلسطيني المغتصب، بل الأدب المرتبطبهذا الحق كله ـ وهو موضع نقاش وسجال طويلين ـ يصعب حقا كما في الأدب الملتزم عامة،فصل المقال بين مهمتي الفن والتوصيل، ولا الاتفاق نقديا على الإيقاع الضابط للتوازنبينهما.
حسبنا القول هنا، وفي حدود المتن المقروء، بأن لرشاد أبو شاور تنبّهاللمحذور المشار إليه، خاصة لنمطية التمثيل في الشخصيات الروائية، سواء بين مشاعرهاوبنيتها الاجتماعية، أو في طبيعة انخراطها بالسياق الموضوعي الذي يفرض عليها سلوكابعينه، هي نمطية معايَنة، متواترة في النصين المعنيين، لا يفلت منها أي نص سردي ذيصلة بالمكون الفلسطيني كيفما تناغمت منازعه الفنية ومزاعمه، والفرق بين النماذجالمؤسسة للمتن العام، ولكسر نمطياته ومستنسخاته المتراكمة، يوجد لدى الكاتب هناتحديدا في:
1
ــ تحويل الأرض إلى شخصية مركزية هي أم الشخصيات، حاضنتها، مناطصراعها على امتداد الفعل والتحولات روائيا، ونحت ملامحها تاريخيا وأسطوريا،ووجدانيا، ثم وشم جلدها بكل حوادث الدهر، فهي ذاكرة وحياة وجرح بلغاتها الخاصة ضمناللغة العامة؛ إن الأرض تتكلم هنا فلسطينيا بنبرتها واحتفاليتها، السرد الفني مؤهلأكثر من أي جنس غيره لتصعيده.
2
ــ تحويل هذا السرد، بالتبعية، إلى محفل واسعومتنوع بالمشاهد والصور واللقطات، إذ يتم بواسطتها رسم الصورة البانورامية للمجتمع،وهي نمطية، أيضا، فاحتفاليتها، كما يرصدها أبو شاور وحده، تضفي عليها ميسمالخصوصية، وبالتالي تفردها وهي تؤسسها أولا بأول. لنتذكر أن باختين اعتبر، انطلاقامن وصف رابلي، وسانده في ذلك دارسون آخرون، بأن النزعة الاحتفالية، وليسالفولكلورية، كما قد يتوهم البعض، من أهم مقومات المحكي الحديث.
3
ــ ثالثا، وهوأبرز وأنجع أدوات روائي 'عاشق'، اتخاذه لأسلوب سردي بالوسع القول اقتداره عليهوتميزه فيه دون أقرانه ومجايليه، وقلّ من يضاهيه فيه، نعني اعتماده ألوانا وتنويعاتفي الحكي، فيما تعلن عن دربة لدى صاحبها على إحكام السرد، تعلن تطويعه له وترويضهليصبح الفضاء وأهله وطباعهم وأشجانهم وأشياء بيئتهم، هذا كله وسواه مرويا، مبسطاومُبدّها، منبثقا من لسان الأرض الأم، على لسان أبنائها العاشقين لها، بسلاسةوطلاقة وتلقائية كالمجرى الذي يغتسل فيه ناس المخيم، والنكتة التي يصنعها الخلاليلة (أهل الخليل)عن أنفسهم، والأغنية الشعبية والمثل السائر، والظُّرف المحلي،والنادرة، مع عناصر أخرى لا تنتمي ضرورة إلى البنية السردية بقدر ما تنوب عنوظيفتها.
فإن نحن أضفنا إلى الخصائص الثلاث المذكورة ما أكدناه من كون الأرضتحوز قيمة مركزية في هذا العمل بوصفها تتجلى جغرافيا روائية ناهضة على جغرافياطبيعية وتاريخية ووجدانية، منها تتغذى، وجدنا عندئذ أننا إزاء نصوص تتضاعف في شكلتركيب يحتاج في كل مرة أن يُستقرأ ويكتشف في شكل إعادة رسم ورصد بأدوات التلقيالنقدية المختلفة، وهو ما لا يتأتى إلا مع التجارب الأدبية القمينة بالتسمية، تجربةأبو شاور الروائية في قلبها. هي بالإضافة إلى ما سبق تجربة تبين لمن يتواصلون معالعمل الأدبي بأنه وهو يقتضي باعه الفني اللازم يحتاج قبل ذلك إلى إيمان مخلصبقصديته وقضيته، وهنا تتلازم الصنعة مع القضية في تناغم حميم يذكرنا بأهمية الأدبفي الدفاع عن حق الإنسان الدائم في كل ما يصون كينونته وكرامته، بينما يتهافتالكلام في أيامنا مسفا ويتساقط أصحابه سقوطا مريعا.
القدس العربي 21/12/2008