عرض مشاركة واحدة
قديم 04-23-2014, 02:30 PM
المشاركة 17
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هل رحل ماركيز حقا؟
عمر الدريسي
APRIL 22, 2014
عن القدس العربي

‘عشتُ لأروي’ أو أكتب لأبقى حيا؛ الكاتب العظيم هو من له قدرة الإصرار والإمساك فجأة باللحظة الدقيقة التي تنبثق منها الفكرة ‘مثل الصياد الذي يكتشف فجأة، خلال منظار بندقيته، اللحظة التي يقفز فيها الأرنب’.
الكاتب العظيم هو من يعرف بأنّ القصة تُولد ولا تُصنع، كما أنّ الموهبة ذات قيمة أساسية، إلا أنها بالطبع، لا تكفي لوحدها، المهم لدى الكاتب الموهوب هو أن يتعلم، أن يمتهنن، أن يصقل كيف يكتب بخبرة متعلم ووعي الإنسان، الحكيم المثقف، المطلع…، كيف يبدع، ليكتب بحب، ومن دون ضجر بالنسبة للقراء.
دشن غابرييل غارسيا عهده مع الكتابة منذ الصغر إذ يعترف: ‘كانت حكاياتي في معظمها أحداثا بسيطة من الحياة اليومية اجعلها أكثر جاذبيه بتفاصيل متخيلة كي يصغي إلي الكبار، وكانت أفضل مصادر إلهامي هي الأحاديث التي يتبادلها الكبار أمامي لأنهم يظنون إنني لا افهمها فيشفرونها عمداً كي لا أفهمهما لكن الأمر كان خلاف ذلك، كنت امتصها مثل إسفنجة ثم افككها إلى أجزاء واقلبها لكي أخفي الأصل، وعندما أرويها للأشخاص أنفسهم الذين رووها بينهم، تتملكهم الحيرة للتوافق الغريب بين ما أقوله وما يفكرون فيه’.
‘عشتُ لأروي’؛ يقول الروائي غابرييل غارسيا أن ‘نصف الحكايات التي بدأت بها تكويني سمعتها من أمي. وهي لم تسمع مطلقاً أي كلام عن الخطاب الأدبي ولا عن تقنيات السرد ولا عن أي شيء من هذا. لكنها تعرف كيف تهيئ ضربة مؤثرة وكيف تخبئ ورقة آس في كمّها خيراً من الحواة الذين يخرجون مناديل وأرانب من القبعة’
‘عشتُ لأروي’؛ رواية ‘مائة سنة من العزلة’، رواية تتسم بالحكاية وكأنها ‘ألف ليلة وليلة’ الشرقية العربية، والتسلسل غير المنسجم وكأنها بدايات بلا نهايات، صراع أسطوري عبر الأجيال، يروي الكاتب أحداث المدينة من خلال سيرة عائلة ‘بوينديا’ على مدى ستة أجيال والذين يعيشون في قرية خيالية تدعى ‘ماكوندو’، من خلال الأحداث، عمل غابرييل غارسيا ماركيز – بشاعريته وخياله الثاقب وسحر حبكه الواقعي- على فضح تاريخ الحروب والديكتاتوريات في القارة المشبعة بالأسطورة والأبطال والطغاة. القارة التي لم تحظ ببرهة طمأنينة نتيجة العنف والمظالم، فعاشت عزلة قسرية، لذالك ربما عنون روايته ب ”مائة سنة من العزلة’.
و لفك تلك العزلة عن المجتمع الأمريكي اللاتيني أتى الكاتب برواية ‘الحب في زمن الكوليرا’، حيث أعتبر الكاتب أن الاهتمام بالحب والجمال والرومانسية هو السبيل الأفضل لإبحار بأمان ضد الظلم والاضطهاد، وهو وقود الأمل في الحياة ‘لقد كنت مؤمناً على الدوام بأنّ الحب قادر على إنقاذ الجنس البشري من الدمار وهذه العلامات التي تبدو ارتداداً إلى الوراء هي على العكس من ذلك تماماً في الحقيقة: إنها أنوار أمل’، ويضيف: ‘إن هذا الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت’.
‘عشتُ لأروي’؛ لم يكتف كاتبنا بالرواية والمسرحية واللغة الشعرية فقط: بل كان مناضلا وإعلاميا، أعلن تخوفه من السلاح النووي المنتشر عبر العالم مطلع القرن الواحد والعشرين، وتخوفه من قتامه الأوضاع الاجتماعية والهيمنة والاستغلال الإمبريالي، أبدع في السرد والوصف وحبك الحكايات الممتعة التي تشد القراء شدا بليغا، له مواقفه واضحة ‘رواية : خريف البطريرك’ في مناهضة الاضطهاد والعنصرية والديكتاتوريات المتناسلة عبر العالم.
ربما كان يساري الهوى السياسي، تقدمي الأفكار والقناعات، يقول الجامعي البريطاني جيرالد مارتن مؤلف كتاب سيرة الروائي غابرييل غارسيا وترجمه إلى اللغة العربية، الدكتور محمد درويش:’… كان بوليفار وآليندي ونيرودا وفوينتس وعمر توريخوس وكورتاثار وكاسترو من الذين احتفى بهم، وعزز بهم مواقفه..’، إلا أن هذا لم يمنع غابرييل حسب كاتب سيرته في نسج علاقات مع الشخصيات الغربية النافذة مثل فرنسوا ميتران الرئيس الفرنسي، ملك اسبانيا، عائلة كلينتون…
شهر غشت عام 2001، وبعد تردد كبير وللأمل في حياة أفضل لزوجته وأولاده، قال حين وقع العقد مع هوليود لتحويل رواية ‘الحب في زمن الكوليرا’ إلى فيلم سينمائي: ‘لقد كبرت وكل نفس ذائقة الموت، ولا بد من التفكير بتأمين مستقبل الأولاد، ومعهم زوجتي، التي أحبها منذ نصف قرن ولا استطيع أن أغادر وأتركها في مهب الرياح …’.
إِنْ تخلى بعض المثقفين العرب عن قضية فلسطين، لم يتخلى عنها غابرييل غارسيا ماركيز، بل نافح عنها عبر مواقفه الكثيرة المضيئة في مسيرته الحافلة بالمبادرات الخلّاقة؛ إذ نشر عام 1982 بيانه الشهير عن مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي العام 2002، ندد باقتحام القوات الصهيونية المدن الفلسطينية في الضفة وأصدر البيان الناري الذي ندد فيه بمواقف الكتّاب والمثقفين المتخاذلين في العالم، وقال في نهاية البيان: ‘لكل هؤلاء أقول أنا غابرييل غارسيا ماركيز أوقّع هذا البيان منفرداً’..
من رواية ‘قصة موت معلن’ تحكي عن جريمة قتل قام بها التوأمان ‘فيكاريو’ دفاعاً عن شرف أختهما ضد ‘سانتياجو نصار’، ومع هذا فلم يتحرك أحد لمنع الجريمة… مع أن الأدلة لم تكن ثابتة على الضحية، هل معنى ذلك أن هذه المدينة بأجمعها، برجالها ونسائها وسلطاتها، بل وأكثر من ذلك أصدقاؤه أيضاً، كانوا يريدون الخلاص من ‘سانتياجو نصار’، ذاك في الروية أما الواقع، فعلى فراش المرض، غابرييل غارسيا ماركيز ، لم يستسلم، فكتب رسالة إلى أصدقائه ومحبيه غبر العالم ‘… لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر… تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه… حافظ بقربك على مَنْ تحب، أهمس في أذنهم، إنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتني بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفها. لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار …
لقد غادر هذا العالم من قال:’ ……ليس العمر ما يملكه المرء من سنوات, بل ما يملكه من أحاسيس′، صاحب الإبداع السحري الواقعي، صاحب جائزة نوبل للآداب لعام 1982، غادرنا الروائي العظيم يوم أمس الخميس 17 أبريل 2014، عن سن تناهز87 من منزله بالعاصمة المكسيكية ، بعد معاناة مريرة مع المرض، وقد نعاه الرئيس الكولمبي بقوله: ‘العظماء لا يموتون أبدا’. ونعاه أيضا الكاتب الكولومبي الكبير، الدكتور عمار علي حسن، قائلًا: البشرية فقدت واحدًا من أعذب الأقلام، ومخيلة من أخصب المخيلات، وكاتبًا كبيرًا من كتاب القرن العشرين’.
لم ترحل السيد غابرييل غارسيا ماركيز، فأعمالك ستخلدك: لم تمت ‘انك حي في الكلمات… كل عبارة في أعمالك درس بليغ وحكمة مستقلة ô
كاتب مغربي
E-mail نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةrissi-omar1@live.fr