الموضوع: ll~ سورة الكهف
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2012, 02:07 PM
المشاركة 52
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا *}}.


قوله تعالى: { {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} } هذه وظيفة الرسل ما نرسل المرسلين من أولهم نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، إلاَّ لهذين الأمرين: مبشرين ومنذرين، يعني ولم نرسلهم من أجل أن يجبروا الناس على الإيمان بل هم مبشرون ومنذرون، يبشرون المؤمنين وينذرون الكافرين.
{ {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} } منصوبة على الحال من المرسلين، يعني إلاَّ حال كونهم مبشرين ومنذرين.
{ {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} } المجادلة هي المخاصمة وسميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كل واحد يَجْدُلُ حجته للآخر والجَدْل هو فتل الحبل حتى يشتد ويقوى، هذا أصل المجادلة، إذاً يجادل أي يخاصم، والمخاصمة بالباطل باطلة، مثال ذلك في الرسل يقولون: {{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}} [التغابن: 6] ، {{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلاَئِكَةً}} [المؤمنون: 24] ، ويجادلون في البعث فيقولون: {{مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}} [يس: 78] ، ويجادلون في الآلهة يقولون: إذا كان المشركون وما يعبدون من دون الله حصب جهنم، فعيسى عليه السلام من حصب جهنم، وغير ذلك من المجادلة، وقد أبطل الله مجادلتهم بعيسى عليه السلام قال الله تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى}} [الأنبياء: 101] ، ومنهم عيسى عليه السلام {{أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}} [الأنبياء: 101] ويستفاد من الآية أن كل إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيباً من هذه الآية، يعني أن فيه نصيباً من الكفر والعياذ بالله لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، فإذا قال قائل: «الشبهات التي يوردها من يوردها من الناس، كيف يقال إنها باطل وهي شبهة؟».
فالجواب: إذا كان غرضهم منها أن يُدحضوا الحق، مثل الذين ينكرون حقيقة استواء الله على العرش ويقولون: إنه لو استوى على العرش لكان «جسماً»، فهؤلاء جادلوا بالباطل من أجل أن يدحضوا الحق الذي أثبته الله لنفسه، وأما مسألة أن الله «جسم» أو غير «جسم» فهذه شيء آخر، المهم أنهم أتوا بهذه الكلمة من أجل إدحاض الحق، ونحن لا ننكر عليهم مسألة أنه «جسم أو غير جسم»، ننكر أنهم أنكروا حقيقة الاستواء، وأما مسألة أنه «جسم أو غير جسم» فهذا مبحث آخر، وهو أننا لا نثبت اللفظ «جسم» ولا ننكره، أما المعنى فنقول: إن الله تعالى حق قائم بذاته موصوف بصفاته يفعل ما يشاء، يستوي على عرشه، وينزل إلى السماء الدنيا، وينْزِل ليفصل بين العباد، ويعجب ويفرح ويضحك، المهم أنه كلما رأيت شخصاً يجادل يريد أن يدحض الحق، فله نصيب من هذه الآية.
{ {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} } { {وَاتَّخَذُوا} } أي صيروا. { {وَاتَّخَذُوا} } يعني القرآن.
{ {وَمَا أُنْذِرُوا} } أي ما أنذروا به من العذاب اتخذوها { {هُزُوًا} } مثال ذلك أن الكفار استهزؤوا لما أخبر الله عزّ وجل عن شجرة الزقوم {{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ *}} [الصافات: 64] ، يعني في قعره، فصاروا يضحكون كيف تخرج في أصل الجحيم، وهي شجرة أبعد ما يكون عن النار، النار حارة جافة والشجرة رطبة، فجعلوا يستهزئون ويقولون: هذا من هذيان محمد صلّى الله عليه وسلّم، فاتخذوا ما أنذروا به هزواً والله عزّ وجل قال: {{فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *}} [الصافات: 66] {{ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ }} [الواقعة: 54، 55] ، يملؤون بطونهم من هذه الزَّقوم ملئاً تاماً ثم تحترق من العطش، فماذا يسقون؟ يسقون ماءً حاراً {{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ}} أي على ما في بطونهم {{مِنَ الْحَمِيمِ}}، ومع ذلك يشربون شرباً ليس عادياً بالنسبة إلى البشر، ولكنه شرب الإبل الهيم، العطاش، هذه الشجرة التي يهزؤون بها هي التي يملؤون بها بطونهم في جهنم.
* * *