الموضوع: جدران الخوف
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
3938
 
خا لد عبد اللطيف
قاص وروائي مغربي

خا لد عبد اللطيف is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
80

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2006

الاقامة

رقم العضوية
2006
11-17-2013, 10:47 PM
المشاركة 1
11-17-2013, 10:47 PM
المشاركة 1
افتراضي جدران الخوف
" جـــدران الخـــوف"

نظر إلى ساعته، بدت له الدقائق والثواني أبطأ من سلحفاة ثخيثة، أو حمار أعرج واهن. تأمل الغرفة التي ضمته جدرانها الصدئة في غيظ وحنق. تزحزح من مكانه بحثا عن نسمة هواء منعشة. لكن دخان السجائر وزوابع الشيرا، ورياح القنب الهندي كانت أسرع إلى رئتيه. تحسس ملكيته الأضيق من كفي دعاء، فوجدها مليئة بعرق نتن، وسائل لزج لم يتبين ما هو. أشبه بالمخاط أو حبيبات اللصاق. حرك يديه المتشنجتين، لكن أياد آثمة كانت أسرع إلى جسده ،وانهالت عليه بالضرب أينما اتفق. حاول حماية وجهه، حتى لا تبصر زائرة عزيزة عليه ندوبا، أو زرقة على خارطة وجهه. تركههم يتلذذون بتنشيط قبضاتهم الحديدية على ظهره، حتى أصبح ألين من قطعة عهن أو اسفنجة مبللة. نظر إلى ساعته ممددا. ولعن هذا الزمن الأكلب الذي أثقل زمنه الخاص بفرامل كابحة. ارتعشت أوصاله أكثر من أي وقت مضى. بصق على"كرونوس" الذي سيحرمه من هذه الزيارة، ان هو تمادى في تنويم اللحظات والدقائق والثواني. حاول التغلب على قلقه. والتشبت ببصيص أمل. رفع رأسه للأعلى رآى وزغة وبقربها بيت عنكبوت. لعن في سره كل الكائنات البطيئة . جرب تحريك رجليه ورأسه، ليتأكد أنه مازال حيا. كان جسمه أثقل من جبل، ودبيبا يسري في عروقه. تذكر سليمان والنمل، واعتقاد بلقيس أن ماتراه لجة بل هو صرح ممرد من قوارير.استشعر بحسه العلمي أن مادة الأدريالين والكورتزول قد ارتفعت نسبتها في دمه. وأنه لاخلاص له من هاتين المادتين إلا بأخذ نفس عميق، وإغماض العينين، ومحو هذا المكان الآسن من ذاكرته ولو مؤقتا. حاول تجريب رياضة الليوغا، والقيام بعملية استرخاء، لكن الزبانية ما يزالون يرقبون حركاته خوفا من مقاومة غير منتظرة . نظر حواليه في يأس وقال لهم"اتركوني إني سقيم"تمنى في هذه اللحظات العصيبة ، ان يتوقف الزمن ولو قليلا حتى يتمكن من ترويض جسده، عساه يسترجع طاقة مؤقتة استنزفتها معاول الهدم، وأسياخ الشر. تمتم بكلمات غير مفهومة ،فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في مربعه بين مطرقة الإنتظار، وسندان الزمن. أحس بأن خلايا دماغه تتآكل بسرعة غريبة كفعل السرطان. حاول تمالك نفسه حتى لايدخل في غيبوبة. قاوم بكل ماتبقى له من آليات دفاعية للبقاء، تذكر يونس وهو في بطن الحوت، ولولا تسبيحه لبقي في بطنه إلى يوم يبعثون.بسمل وحوقل واستعاذ بالله، هو ليس نبيا كيوسف أو سليمان ويونس. مملكته الضيقة لاتسمح له بالصلاة .الزبانية عند رأسه وأخمصي رجليه. الذباب يلسعه والصراصير ترقص فوق فراشه المتعفن. شحذ ذاكرته لاسترجاع كل آيات الخلاص وسور النجاة. في عز يأسه رآى في كوة صغيرة غرابا. لم تعد له قدرة على التفكيروقال في نفسه:" أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب". شرع في البكاء. تذكر ناقة صالح التي عقرها قدار ظلما.هو ليس بقدار ولافرعون. ماله وماناقة صالح ماالذي أقحمها في مربعه القذر. أحس بأن داخل رأسه تقرع عشرات الطبول، وملايين محركات السيارات بهديرها النافر. وسط هذا الضجيج القاتل سمع صوتا جهوريا يعرفه الجميع، صوت المنادي للزيارة، لمعت عيناه ببريق نصر ونشوة وأمل. خفق قلبه وهو يسمع اسمه. قال في نفسه" لاوقت للألم والبكاء والشكوى في فرصة سريعة الفوت بطيئة العودة.استجمع قواه. وانطلق كثور هائج نحو مكان الزيارة. نسي العذاب والجلد والأسياخ الحامية. هرول بسرعة ونظرات حاقدة مفعمة بالكراهية تشيعه حتى اختفى عن الأنظار. في غرفة الزيارة قبل زوجته بعنف أمام أنظار الحراس. لثم يديها وصدرها وجيدها ورأسها. خرجت الكلمات من فيه كالحمم.سألها عن الصحة والأولاد والأبوين.سألها عن الأصدقاء والأقارب العمات والخالات. سألها عن أشجار البرتقال والقطة سوسو والكلب" صام" حاول أن يبقي يده في يدها، وأن يفرغ ما في صدره دفعة واحدة. لكنه سمع الحارس ينطق بأسوأ عبارة يكرهها السجناء" انتهت الزيارة"

خالد عبداللطيف/ روائي مغربي.
صدرت لي رواية" أسوار الظلام" منشورات وزارة الثقافة.2012.