الموضوع: صرخةٌ مكتومه
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
1109
 
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبدالعزيز صلاح الظاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
378

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Jun 2015

الاقامة

رقم العضوية
13953
10-17-2020, 11:07 PM
المشاركة 1
10-17-2020, 11:07 PM
المشاركة 1
افتراضي صرخةٌ مكتومه
ماتت تلك المرأةُ العظيمة فجأة لم تَكن تُعاني من أي مرض هكذا غادرت وتركت لابنها الوحيد الذي كان يعيش أجمل لحظاتَ حياتهِ مع المرأة التي أحبها منذُ طفولته - أباً مدلل ضحت براحتها من أجل إسعاده سعت لتغيير سلوكها ومظهرها لتنال إعجابه تتغاضى عن هفواتهِ تضحكُ على نكاته ،تكلمهُ بدفءٍ وحنان وتنظرُ بحبٍ إلى عينيه وكأنهُ يحملُ أجمل عينين رأتهما
كم كانتِ الصدمةُ عنيفةً على زوجها رُبط لسانه وأصبح الحزنُ والاكتئابُ ردائَهُ هاجمتهُ الأمراض من كلِ صوبٍ هدت بدنهُ وأصابتْ روحهُ في العمق
أخرجهُ ابنهُ يقودهُ كالطفلْ من منزلهِ إلى شقتهِ لرعايتهِ ولأبعادهِ عن المكانْ الذي كان موطئ قدم محبوبتهِ ليبعدهُ عن التفكرْ والتذكرْ
بقيَ الأبُ زمناً على هذا الحال ينظرُ لمن حولهِ بذهولْ يتناول ما يقدمُ له لا ينطق بكلمة لا يسأل ولا يردُ جواب
حاول الابنُ وزوجتهِ إخراجهُ من صمتهْ عسى أن يكونَ بمقدورهِ جمعُ أجزاءً من روحهِ التي مزقها الفراق
بعد مرورِ ستةَ أشهر من الفاجعة فاق الأبُ من عزلتهِ لكنْ بوجهٍ آخر ، فقد تحول إلى - طفلٍ مزعجٍ يلازمهما كظلهما يسألُ عن كلِ شاردةٍ ووارده لا يعجبهُ طعامْ و يجرحهما بالكلام ، وأحياناً وهذا مكمنُ الخطر يغضبُ ويصرخُ بدونِ سببْ يحطمُ ويضربُ كلَ شيءٍ أمامه فزادَ الحملُ على الابنِ وزوجتهِ وأصبحَ الوضعُ لا يطاقْ ونتيجةً لذلك فقد الزوجانِ ما تبقى لهما من خصوصية فأطلت الخلافات برؤوسها على أتفهَ الأسباب ، تعاظمت فارتفعت الأيادي وأُشهرت الألسن فانقلبت حياةُ العاشقين رأسً على عقبْ وتحولتْ الى جحيم
لم تتحمل الزوجة الوضع فقررت بضرورة الرحيل إلى منزل والدها حاولَ الزوجُ منعها بلطفْ وعندما عَجِز حاول بعيونٍ مليئةً بالعتاب استعطافها قائلاً : إنني وحيدُ أبي
هل تريدينَ مني أن أرميه في الشارع ؟!
التفتت إليه وقالت : أنا أُدرك مدى معاناتك لكن لا بد لي من المغادرة إنني أكاد أُجن يمكنكَ تصويري في أي صورةٍ تشاء لكن لا تشكْ ولو لثانية أنني أكرهك ،لقد حاولتُ أن أكون معك في نفسَ القارب لكن قاربك كثيرُ الاضطراب وسيغرقْ لا محاله وستنتهي قصةُ حبنا بشكلٍ كارثي أتمنى أن تتفهم ذلك سأغادرْ لأترك لكلينا شيءً من ماضينا الجميل واجهشت بالبكاء
حاول أن يجد كلمةَ ،جملةْ .. تسعفهْ وتبعدُ عنهما الفراقْ لكنهُ لم يستطع فاكتفى بالجلوسِ على السرير ينظر ويراقبها وهي ترتب حقائبها إلى أن غادرت الغرفة بدون كلمة وداع
بعدَ مغادرةِ الزوجة اضطر الابن لأخذِ جميعِ ما لديه من رصيد إجازات ليتفرغ لخدمةِ والده المريض فأصبح سجيناً في بيت الحزن وحيداً لا يجد أحداً يبثُ عليه تعاسته
ليالي عصيبة مرت على الابن ففي كلِ ليلةٍ يجاهدُ يستجدي النوم ترافق محاولاته دموعً سخية تنسكب لا يعرف لها سبباً تملئ مقلتيه وتفيض منحدرةً على فراشه كانت تراوده خلال تلك الليالي أفكارً غريبة رغبةً في الانتقام من شيءٍ ما رغبةً في الانتحار
وفي أحدِ تلك الليالي قام من فراشهِ واسند ظهرهُ على الجدار وأخذ ينظرُ إلى ابيه النائم بجواره وبعد جلسةْ تأمل طويلة قفزتْ في ذهنهِ صورة ، فشعرَ بانقباضْ وعدم ارتياح ،نشفَ ريقه وجفَ حلقه وتسارعت نبضاتُ قلبه وضاقَ صدرهُ فقام مسرعاً من مكانه إلى كرسي في أحدِ أركانِ الغرفة
ورغم ذلك تبعتهُ الأفكار فأخذ يقلبُ الأمور فتسربت فجأة بين شفتيه المغلقتين ابتسامة وانحدرت كلمات نطقَ بها لسانه : "دار المسننين " نعم إنه الحل الأمثل إن المسن يصل إلى حالةٍ مزرية لن يستطيعَ شخصٌ ما مثلي يسكن في شقةٍ داخلَ مدينةٍ لديه عمل من ان يعوّضه ، يهتم ، يعتني به ،ويقف على متابعةِ أحوالهِ باستمرار يوفرُ له جميعَ متطلباتهِ واحتياجاتهِ
حركَ رأسهُ يميناً وشمالاً وكأنه يحاولْ طردَ هذهِ الفكرةَ من رأسه
حاول تذكيرَ نفسه بأنَ تصرفهُ هذا نوعٌ من الجحود
حاول تجاوزَ هذهِ الافكار والقفزَ من فوقها بتذكيرِ نفسهِ بالقيم ومبادئَ الأخلاق وأن إهمالها هو سببَ الانانيةَ والعقوق
تنهدَ ووضعَ يدهُ على رأسهْ ورفعَ بصرهُ إلى السماء وقال بصوتٍ مكتوم :
قيم أخلاق ليتني من سكانِ الريف أو الصحراء خيمتكُ بجانبها خيام و كوخكَ بجانبهِ العديد من الأكواخ هنالك فقط لا حاجةَ أن يرسل المرء ابويه لدارِ المسنين فهنالك يوجد أكثر من مسن وأكثر من نديم وأكثر من معين
أما بالنسبةِ للمدن و لرجلٍ مقطوع من شجرة مثلي الوضعُ مختلف
نعم دور “المسنين” هي المكانُ المناسب الذي يلبي احتياجاته الصحية و النفسية و الترفيهية
ما عساي أن أفعل له سوى رميهِ في غرفةٍ منفردة اشبهُ بزنزانةَ سجين ،أطلُ عليه بين الفينةَ والأخرى لأسمعهُ كلماتٍ مكررةٍ ليس فيها روح .
لن أكذب على نفسي فالمنطق يأمرني وليست العاطفة وجودهُ هنالكَ خيرٌ له
أنتفض غيظاً عندما سمعَ صوتً آخر يقولُ له :تقصدْ خيرً لك كم أنت ناكرٌ للجميل أهذا جزاءُ من ضحى وكدَ وسهر على تربيتك هل خلا قلبكَ من أبسطَ معاني الرحمة
فرد بصوتٍ مسموع : أغرب عن وجهي ، فتلوى الابُ مذعوراً في فراشه