عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2019, 09:35 PM
المشاركة 6
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الأسطورة في قصيدة " فَوْضَى أَلْوانِي الْمُشَاكِسَةِ"
تكملة تحليل قصيدة فوضى ألواني المشاكسة
وتستمر الشاعرة في نصِّها في المقطع الرابع:
"بَيْنَ تُرَّهاتِ الزَّحْمَةِ الدّافِئَةِ بِكِ"/"بَ حَ ثْ تُ"/"عَنْ هَالاَتِ ضَوْئِكِ الْخَزَفِيِّ! "/
"أَنَا مَنْ بفَوْضَى أَلْوَانِي الْمُشَاكِسَةِ"/"تَسَرْبَلَتْنِي"/"فُقَاعَاتُ"/"الْغُرْبَةِ الْمُغْبَرَّة"/
"انْتَعَلَنِي حِذَاءُ افْتِقَادِكِ"/"وَخَشَعْتُ بَيْنَ مَسَافَاتِ الْغَدِ"/"أَتَشَهّى عَنَاقيِدَ حِلْمِكِ"/
"أَتَهَجَّى رُوَاءَ أَطْيَافِ أَمْسِكِ! ":
وفي هذا المقطع تتزاحم الصور الشعرية والانزياحات المختلفة التي تثير فكر المتلقي، فللزحمة مفارق وترهات دافئة كالماء، وللضوء هالات خزفية، وللألوان فوضى تتصارع وتتشاكس، وللغربة فقاعات كفقاعات الصابون، وللحلم عناقيد كعناقيد العنب، وللأمس أطياف رواء تتهجّى كما يتهجى المتعلم الحروف.
"إنَّ الصورة الشعريّة ليست إضافة تلجأ إليها الشاعرة لتجميل شعرها، بل هي لبّ العمل الشعريّ الذي يجب أن يتّسم بالرقّة، والصدق، والجمال، وتُعدّ عنصراً من عناصر الإبداع في الشعر، وجزءاً من الموقف الذي تمرّ به الشاعرة خلال تجاربها، وقد استطاعت الشاعرة من خلال استخدامها للصور الشعريّة أن تخرجَ عن المَألوف، ولا شكّ في أن للصورة الشعريّة وظيفتها وأهميّتها في العمليّة الشعريّة.. (7)
وفي الصور الشعرية يقوم الخيال ويلعب لعبته و"لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ الصورة الشعريّة مُرتبِطة بالخيال؛ فهي وليدة خيال الشاعر وأفكاره؛ إذ يتيح الخيال للشاعرالدخول خلف الأشياء واستخراج أبعاد المعنى؛ لأنَّها طريقته لإخراج ما في قلبه وعقله إلى المحيط الخارجيّ ليشارك فكرته مع المتلقّي؛ لذلك ينبغي أن يكون الشاعر صاحب خيال واسع؛ لكي يتمكّن من تفجير أفكاره وإيصالها إلى المُتلقِّي. (8)
وفي المقطع الخامس تقول الشاعرة:
"سِنْدَريلايَ"/"هيَ ذِي ذَاكِرَتِي الْعَاقِرُ تَحْمِلُ بِكِ"/"تَلِدِينَني شَاعِرًا يَتَفَتَّقُ وَجْدًا"/
"يَهِيمُ بِنِيرَانِ تِيهِكِ"/"وَأَنَا الْمُفْعَمُ بِخَرِيرِ غَدِيرِكِ"/"أَ تَ أَ مَّ لُ كِ"/ "بِمَجَسَّاتِ حُرُوفِي"/ "أَتَحَسَّسُ رِهَامَ خَطْوِكِ"/"يُوَشْوِشُنِي غُوَايَةَ قَصِيدَةٍ رَاعِدَة!"/
"حُورِيَّتِي"/ "مَنْ بِهَا تَأْتَلِفُ دَمْعَتِي بِبَسْمَتِي"/"تلَمَّسِي بِدَبِيبِ صَلاَتِكِ"/"أَكْفَانَ"/
"دُرُوبِي"/"الْعَرْجَاءِ"/"عَسَانِي أَقُومُ"/"عَسَانِي أَفْتَرِشُ الْغَيْمَ هَسِيسَ هُرُوبٍ إِلَيْكِ!":
سِنْدَريلايَ": وفي السطر انزياح بالحذف، يتمثل بحذف حرف النداء، والنداء يفيد التحبب هنا، وتوظف الشاعرة في نصِّها أسطورة ساندريلا التي توفت أمها ويتزوج والدها امرأة أخرى تذيقها كل أصناف الظلم والمهانة وتنتهي ساندريلا بمقابلة أمير يعجب بها ويتزوج منها، وهنا تتخذ الشاعرة شخصية سانديلا كقناع، وكأني بالشاعرة تحلم بالتخلص من ضيقها وهمومها وكبواتها كما خلَّصت الأقدار واقع سانريلا و" يمثِّل القناع شخصية تاريخية – في الغالب – ( يختبئ الشاعر وراءها) ليعبر عن موقف يريده ، أو ليحاكم نقائص العصر الحديث من خلالها". (9)
ويزخر المقطع بالصور الفنية والانزياحات التي تغزو لهفة المتلقي وتثيره:
فتصور الشاعرة ذاكرتها بامرأة عاقر، والعاقر تحمل وتلد، وللتيه نيران تُهام بها، وللحروف مجسات، وللخطو رهام ومطر خفيف يوشوش كما يويشوش الإنسان شخصا آخر، وللصلاة دبيب، والدروب عرجاء لها أكفان، والغيم يُفترَش وله هسيس وصوت خفيف....

وتنشد في المقطع السادس:
"غَـــــاشِـــــيَـــــــتِـــــي"/"يَــــا مَـــــنْ تُـــــراوِحِــــيـــــــنَــــــــنِـــــي"/ "مَا بَيْنَ رَوَائِحِ دَمِي الْمُضْطَرِمِ بِكِ"/"أمْطِرِي قَلْبِيَ قَمِيصَ نُورٍ رَطِبٍ"/"وَمِنْ سُبَاتِهِ ابْعَثِيهِ حَيًّا بِكِ"/ "غَسّانِيًّا"/
"عَسَى يَخْفقُ حَرْفِيَ بِكِ"/"فَلاَ أَسْتَظِلُّ"/"بِبُرْجِ غَرِيمِي الْخُرَافِيِّ. "
وفي هذا المقطع تخاطب الشاعرة قصيدتها فتقول:
"غَـــــاشِـــــيَـــــــتِـــــي"/"يَــــا مَـــــنْ تُـــــراوِحِــــيـــــــنَــــــــنِـــــي": وحرف النداء في السطر الأول محذوف ويتكرر النداء في السطر الثاني، والنداء في الحالتين يفيد التحبب، تحبب الشاعرة لقصيدتها. وتتمنى الشاعرة في هذا المقطع أن تزول عن روحها الغمّة والاضطراب، ويكتنفا الجمال والبهاء،"غَسّانِيًّا": كناية عن الجمال والوضاءة، والقصيدة تحفل باستخدام الرمز وتوظيف الأسطورة و((أن الموقف الأسطوري في صميمه موقف شعري))(10)

لقد كان استعانة الشاعرة بهذه الصورة الشعرية أثر جلي على فكرها وعملها الإبداعي، إذ إنها من وجهتها الفنية توسع دائرة رؤيتها للتراث الإنساني، فتصنع التاريخ وأحداثه، والحكايات الشعبية المتوارثة وجمحات الخيال الموفقة، تصنع كل ذلك مصدرا لإلهامها، حيث يساوي الشاعر المعاصر بين هذه المصادر جميعا، مبتعدا بها عن قيود الحقيقة التاريخية والقداسة الدينية، إلى رحابة التشكيل الخيالي المبدع، غير مرتبط إلا بفنه موظفا هذه العناصر الأولية في عمله الجديد بمضمون تسري فيه روح عصرنا وهمومه. (11)
ونختتم تحليل هذه القصيدة ببيان أهمية توظيف الأسطورة، فالأسطورة وسيلة لا تحمل قيمة شعرية في ذاتها، وهي ليست مجرّد قصص وإنما هي نظرة إلى الحياة وتفسير لها لها، فإن الشاعر لا يلجأ إلى الأسطورة كمادة جاهزة، إنما يشكل أسطورته من خلال تجربته الشعرية، والشعر هو رؤيا قبل كل شيء، والشاعر يتصرّف في الرمز أو الأسطورة بحسب ما تتطلبه تجربته الشعرية، مما يعني أن جمالية الأسطورة والرمز لا تكمن في توظيفهما فحسب، وإنما تكمن في طريقة توظيفهما ومدى انسجامهما مع السياق والمعنى.
.

ولقد نجح بعض الشعراء في منح الأساطير سمة فنية ازدادت بها القصيدة أثرا وجمالا فنيا، إذ عدت بعض قصائدهم الأسطورية رائدة التحول الجذري في أسلوب الشعر العربي، فيتنقل فيها القارئ بين عالمين؛ عالم واقعي ينقل آلام الشاعر و أحزانه في الواقع ، وعالم أسطوري؛ يستحضر فيه أساطير غابرة ليبعث فيها الروح من جديد .