عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2016, 12:23 AM
المشاركة 30
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا و سهلا

يعتقد فرويد في آخر أبحاثة أن أصل الغرائز كلها هي ، غريزة البناء و غريزة الهدم ، و يمكن ترجمتها بغريزة حب الحياة و غريزة العدوان ، و يمكن التعبير عنهما وجوديا بحب البقاء ، حب الذات و "كراهية الموت" القلق الوجودي .

تمارس الذات الهدم على الآخر في الغالب عندما تراه عائقا و يمثل خطرا على وجودها ، وهذا يظهر بشكل جلي في تصرفات الأفراد ، ما أن تقتحم ميدانا حتى ينفر منك محترفوه ، يقال : "أخوك في الحرفة عدوّك" . هكذا" تنشأ"غريزة العدوان . لأنها تنفيس عن قلق وجودي ، و تختصر هاتان الغريزاتان بقول غريزة الحياة و غريزة الموت .

لا يمكن الحديث عن الحب بدون ذكر الكراهية ، و لا يمكن الحديث عن الحياة دون ذكر الموت و لا يمكن التعبير عن البناء دون الحديث عن الهدم ، فهذه مفاهيم فلسفية ، يخلقها الذهن ، فهي ليست ماهيات ، ليست مفاهيم ماهوية ، فالحب ليس ماهية ، ليس "شيئا "، لكن هنا نتحدث عن وجود الحب كمفهوم فلسفي في الذهن " معقولات ثانوية فلسفية " ، يمركزه الذهن بالمقارنة و الضدية ، هكذا يفكر المناطقة " العقلانيون" و أظن أنني أشرت إلى ذلك عندما قلت ، أن الوجود "الاعتباري" وجود عند المتكلمين .

هناك تعلق ذكرالحيوان بالأنثى و هناك تعلق الأنثى كما الذكر أيضا بصغارهما عند الحياوانات ، لكن هل يمكن التعبير هنا عن حبّ ، لا أظن ذلك ، هناك علاقة ما بين هذه المخلوقات تحفظ بقاءهم ، و هناك إشارات تدلّ على وجود مشاعر بين الحيوانات ، لكن هل يمكن أن نطلق عليها تلك المفاهيم الإنسانية ، هذا غير منطقي ، هناك أساس غريزي عند الحيوان يموضعه في إطاره الخاص ، لكن قدرة الإنسان هي عقلنة وجوده و تعقله ، وهنا أساسات العقل ، التفريق بين المشاعر ، يوما قرأت رواية مترجمة إلى العربية وهذا طبعا نسيته في مذكراتي فقد قرأتها و أنا في مدرسة التكوين ، عنوانها حب أم شفقة ، قصة غريبة جدّا أصابت الحيرة بطلها هل هو محبّ حقّا أم مجرّد شفقة وتعاطف مع البنت المصابة إن كنت أذكر بعرج أو ربما شلل في احدى رجليها .

أحيانا لا نستطيع التمييز بين "الشيء" و الدافع ، مثلا أقول : "أنا أحب فلانة " هنا نطقت بكلمة أحب ، ربما تكون صادقة ، لكن الدافع إلى هذا الحب هو الذي يختلف ، أما الحب فهو موجود ، فمثلا هناك من يحب بنتا لأنها جميلة ، فيتعلق بها تعلقا رهيبا ، و ربما آخر يتعلق بميسورة و يحبها أيضا ، قد يكون الدافع هو حرمانه من المال و الجاه و لكن كل هذا نابع من "حب" الذات والحفاظ عليها ، فعلاقة حب الذات اتتخذت شكل حب المال ، و حب المال انتقل إلى حب صاحبة المال ، هكذا ينتقل الحب ليتجسد في علاقات كثيرة . في الأخير لا يمكن نفي هذا الحب لانه لا يستطيع الوقوف عند شيء معين ، بل وقوف هذه الغريزة ، التي لا تعرف الإشباع الحقيقي أبدا ، لأن القلق الوجودي يحول بينها وبين الإشباع ، فتتدقف باستمرار . و تتجسد في كل العلاقات "اللبدوية " التي تخترق الجماعات طولا وعرضا . و لا أعتقد إمكانية قيام علاقات دون هذه الغريزة القوية فعلا ، ولو توقفت لا أظن الإنسان سيبقى حيا و إن لم يتنحر .