عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2014, 12:32 AM
المشاركة 27
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
العولمة

العولمة آخر ما وصل إليه النظام الرأسمالي سياسيا واقتصاديا ، و استندت على الثورة المعلوماتية كركيزة أساسية في الاقتصاد واستغلت هذه الطفرة الإلكترونية لتجعل من العالم قرية صغيرة يسهل التلاعب بها و تغيير خرائطها سياسيا لبعثرة الأوراق من جهة و إعادة تنظيمها وفق أهداف الرأسمالية العالمية .
إذا كانت الحرب العالمية الثانية قد كان لها الفضل في إحياء النظام الرأسمالي في طبعته الأمريكية ، و استولت أمريكا على مراكز نفوذ الدول الاستعمارية ، وانتقلت الرأسمالية من الامريالية الاستعمارية إلى الامبريالية الناعمة ، بشقها الاقتصادي المتوحش و أديولوجيتها المعلنة المتمثلة في الحرية والديمقراطية و حقوق الإنسان واتخذت من الأمم المتحذة مظلة لتنفيد برنامجها المتمثل في الهيمنة على العالم بدون تكلفة مرهقة ، و بدون حروب مكلفة قد تأتي بنتائج عكسية خصوصا بعد إعلان الاتحاد السفيوياتي دولة نووية ، ففضلت أمريكا الحرب الباردة الاستنزافية على الحرب الحقيقية وحاصرت الروس بقوة و أدخلتهم في منافسة شرسة على الصعيد العلمي و التكنولوجي و الحربي ، مستثمرة غنائمها من الحرب العالمية الثانية من مخزونات الامبراطوريات الاستعمارية ، و أسواقها ، و جعلت كل اقتصاديات دول أوربا الغربية تابعة لاقتصادها . مخضعة البحار و الطرق التجارية لأساطيلها المدنية و الحربية التي حققت النصر على النازية و مستولية على أغلب ممرات التجارة العالمية .
مع فشل روسيا في التعافي من آثار الحرب العالمية و ازدياد إنفاقها على دعم الأحزاب الشيوعية و بيروقراطية إدارتها و تحولها إلى ديكتاتورية طاغية ، و تحكم الولايات المتحدة في المؤسسات المالية العالمية ، استفحلت الأزمة الاقتصادية في روسيا و اضمحل الاتحاد السفياتي بسرعة البرق و انهار المعسكر الاشتراكي .

مع هذا المعطى الجديد الذي هيأت له أمريكا خططا كثيرة للانتقال إلى النظام العالمي الجديد وحيد القطب أو ما يصطلح عليه بالعولة السياسية ، بدأت أمريكا في دخول مواقع الروس في أوربا الشرقية و فككت يوغزلافيا و تشيكوسلافاكيا و كبداية لتطهير أوربا و اختلقت عدوا جديدا أمام انحصار الشيوعية و هو الخطر الأخضر المتمثل في الصحوات الإسلامية و أخرجت بإتقان هليودي أحداث الحادي عشر من سبتمبر مستغلة تعطش المسلمين لنصر معنوي و للإعلان عن وجودهم التاريخي الذي توارى عن الأنظار منذ تفكك العتمانيين ، وتحول تركيا إلى علمانية أتاتوركية موغلة في التبعية . فهيأت أمريكا الأسباب للسيطرة على الدول المستعصية في فترة الحرب الباردة كأفغانستان و الصومال و اليمن و العراق و ليبيا و سوريا ، و إيران التي خسرتها إبان الحرب الباردة .
اشتغلت أمريكا على ثلاثة مستويات ، أولها الحرب الاقتصادية بتلاعبها بأسعار الطاقة و الحصار الاقتصادي للدول التي تدور خارج فلكها ، والضغط على الدول لتحرير اقتصادياتها لإضعاف تحكم الدولة في الأسواق " سياسة الخصخصة و سيطرة الشركات الكبرى العابرة للقرات على شريان إقتصاديات الدول" . المستوى الثاني الحرب الإعلامية والثقافية ، تغيير المناهج الدراسية و عولمة القيم الرأسمالية ، والحد من الخصوصية ، وتغريب الانتماء ، والتدخل في سياسات الدول عبر بوابة حقوق الانسان و خرق السيادة الوطنية بالعدالة الدولية . تفتيت لحمة الدول باسم حقوق الأقليات . و أخيرا على المستوى العسكري ، احتلال بعض الدول مباشرة و الاستيلاء على مقدراتها .
لولا الأزمة الإقتصادية في أوخر العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين التي ضربت قطاع الاتمان والرهن العقاري لاستمر الغزو المباشر للعديد من الدول ، لكن أمريكا لم توقف سياستها بل صدرت الأزمة إلى أوربا و من ثم إلى جميع دول العالم و كانت ضريبتها قاسية على دول الشرق الأوسط بالدرجة الأولى حيث عصفت بالعديد من الدول و جعلتها في شبه حرب أهلية دائمة و استغلت أمريكا الوضع الذي هيأت له كل الظروف لتنفيد سياساتها بلا حروب من جديد .
العولة لم تكن سياساتها موجهة للشرق الأوسط بقدرما هي موجهة إلى الصين والهند كدولتان تشكلان خطرا على الوجود الغربي ، فكل سياسات أمريكا في الشرق الأوسط وأفريقيا موجهة ضد النفوذ الصيني المتنامي و هي تحاول اختراق الثقافة الصينية و محاصرة اقتصادها المتنامي بشكل غريب ، و لعل أزمة جنوب شرق آسيا شاهد على قدرة المافيا الرأسمالية على الإطاحة بالاقتصاديات التي قد تشكل خطرا عليها . فكل هذه الحرب الضروس ما هي إلا إحكام الطوق على الاقتصاد الصيني وضربه في الصميم متى تم اقتحامه من الداخل بواسطة الشركات العملاقة .
و لعل المهدي المنجرة في ربطه في الحرب الحضارية بين القيم الشرقية والأسوية المتقاربة دليل على أن العولمة ظاهرها موجه للعالم الإسلامي و باطنها موجه للأسيويين لكون العالم الاسلامي لا يشكل خطرا حقيقيا على الغرب ، كما تشكله الثقافة الأسيوية المبنية على تقديس العمل و الإيمان بالذات .