عرض مشاركة واحدة
قديم 11-17-2011, 03:50 PM
المشاركة 51
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأصالة والمعاصرة في رواية " حدّث لأبو هريرة قال"

1) البناء الخارجي بين الأصالة والمعاصرة:

أورد خالد الغريبي في مصنّفه " جدليّة الأصالةوالمعاصرة في أدب المسعدي " ص93 أنّ نصّ "حدّث أبو هريرة قال " ألّف قبلجوان1940، وقد صدر عن الدّار التّونسية للنّشر كاملا(22حديثا) عام 1973 أوّل مرّة وعندار الجنوب للنشر سنة 1979 حلّته مقدّمة الأستاذ توفيق بكّار.


ويتنزّل هذا الأثرضمن محور الرّواية العربية. وتستدعي هذه الإشارة أن ننطلق من تحديد مفهوم الرّوايةباعتبارها جنسا أدبيّا.على أنّ ذلك ليس بالأمر الهيّن، إذ التحديدات متنوّعة لكنّأكثرها وضوحا ما سال من قلم"لوكاتش" الذي يرى الرّواية بحثا مختلاّ يخوضه بطل ممسوسيحمل في ذهنه قيما ورغبات وتصوّرات تتنافر مع السّائد. ومن ثمّ ، فالنّصّ الروائيإخبار عن مسيرة بطل لها أطر تستوعب أحداثها، وفواعل أو شخوص تسهم في مساعدة البطل أوعرقلته .
وفضلا عن هذا وذاك ، فهي حكاية ذات مغزي إليه يرنو المبدع. ولمّا عدّنصّ"حدّث أبوهريرة قال" رواية فهو مستجيب بالضّرورة للأبعاد المتقدّم ذكرها . إنّتلك إشارات يمكن أن تتّّخذ بيّنات على عمق اتصال الأثر بأشكال التعبير الحديثة وذاكجانب المعاصرة في نصّ المسعدي.
لكنّ متصفح" حدّث أبو هريرة قال" يمكنه أن يجدهاسلسلة من الأخبار تناقلها الرّواة بعد أن قضى البطل ، وهي تتضمّن ما صمد من أفعالهوأفلت من دائرة الفناء. ونصّ المسعدي عندئذ له مزية جمع تلك الأخبار ولصاحبه فضلالتدوين.إنّ اتّخاذ الخبر نواة لبناء صرح الرّواية يرتدّ بنا إلى ثقافة ضاربة فيالقدم ،الثقافة العربية عندما كانت قائمة على المشافهة والمعارف تتناقلها الألسن .والخبر بنية سردية تنحدر إلينا من الموروث فهو الشكل الذي وردت عليه أقوال الرّسولصلّى الله عليه وسلّم وسيرته وأيام العرب وهو الوعاء الذي سكب فيه الجاحظ نوادرهوالهمذاني مقاماته، وإجمالا فإنّ بنية نواة الرّواية رباط متين يشدها إلى ذاك الزمنالعبق الغابر.
وإن تخطينا المسح الخطّي لكامل الأثر ونظرنا في بنية الخبرالواحد فإنّ ما يسترعي انتباهنا ظاهرة التصدير، إذ كثيرا ما مهّد المبدع للخبربمقولات بعضها مقدّس كالآيات القرآنيّة وبعضها إبداعي فسمعنا أصوات أبي العتاهيّةوالتّوحيدي والغزالي . تجتمع تلك المقولات على اختلافها في الارتداد بالنصّ إلىفضاء تالد وجذور أصيلة ، وليس النص القرآني ومقولات المفكّرين العرب إلاّ الأسس التينهضت عليها الحضارة العربية في عصرها الذهبي.
على أنّ الأصوات التي علت فيفاتحة الأحاديث لم تكن لتقتصر على الفضاء الثّقافي الموروث بل تخطته لتنبعث من لحظةراهنة وثقافة معاصرة اتسعت لتشمل مقولات "ابسن".. وما ذاك التصدير إلاّ حجّة علىقطب معاصر ينازع قطب الأصالة.إنّ بناء الأثر أو بناء الخبر الواحد ساحة تدافعالحاضر والماضي والموروث والوافد.

2
- البطل بين الأصالةوالمعاصرة:
توفّر شخصية البطل لمستهلك النصّ متعة الارتحال بين زمنيينولذ’ الارتحال بين ثقافتين، فبعض ما في الشخصيّة -اسمها- يحيي أشهر رواة أحاديثالرّسول صلّى الله عليه وسلّم ويستدعي أحد النّحاة ، على أنّ المنصت إلى ما سال علىلسان أبي هريرة من أقوال وما صدر عنه من أفعال يكشف انتماءه إلى لحظة ثقافية راهنةإذ أنّ مسيرته تعكس رؤية للوجود منبعها الفلسفة الوجودية. فبطلنا جذر قدمه الأولىفي الماضي وغرسها في ذاك الموروث الشرقي ووضع قدمه الثّانية في الحاضر لتستوعب ماأنتجه الفكر الإنساني. أبو هريرة بين الدّائرتين متراوح بعضه أصيل منحدر من الماضيوبعضه معاصر انبثق من الحاضر وكان البطل تأليفا بينهما ومستودع أليه انتهى الرافدان .
ولم تفلت مسيرته من فلك تلك الثّنائية فكان بعض منها سيرا على منوال الوجوديينفي سعيهم إلى ملء الذات ونحت الكيان ونعني بذلك تجربة الحسّ والجماعة والرّوح ،وكانالبعض الأخر إتباعا لرؤية المتصّوّفة وإنصاتهم إلى الصمت غاية إدراك معنى الوجودالحقّ وسرّ الحياة الأصيل ليطلّق المحدودية وينفتح على الخلود وينتصر على الموتوذاك ما تحتضنه تجربة الحكمة في نهض جوانبها .ولعلّ حديث البعث الآخر يدعّم ماذهبنا إليه فقد حققّ البطل رغبة أفصح عنها في بداية الرّواية:لقد وقف بطلنا علىقمّة جبل سرعان ما طلّقه وطار ، تلك لحظة الحلول بالمطلق و الفناء فيه وهي مطلب كلّمتصوّف.

3
-الأزمنة والأمكنة بين الأصالة والمعاصرة:
إنّ زمن الأحداث في رواية المسعدي يبعث في ذهن القارئ عصر النّاقةوالقافلة والإغارة والصّعلكة والسّبي ويمتدّ ليشمل فجر الاسلام، وكانت الأمكنة- مكّة بمساجدها وصحرائها ..-فضاءات تومئ إلى شبه الجزيرة العربية في لحظة تاريخيةغابرة . على أنّ ما انتجته شخصية البطل من خطاب يجعل ملامح الماضي مشربة بالحاضروالأصيل بناكب المعاصر. فيجد القارئ نفسه في حيرة منبعها عجز عن تنزيل أزمنة الحدثالرّوائي وأمكنته في حدود واضحة. ويقرّ الغريبي في دراسته بإفلات أطر الرّواية منقبضة الماضي وسلطان الحاضر.فهي مجال أخر من مجالات من تدافع الأصيلوالمعاصر.

4 - تقنيات السرد بين الأصالةوالمعاصرة:
عرض المسعدي أحداث مغامرة بطله على نحو يظهر امتلاكه لتقنياتسرد متنوعة فكان التتابع والتضمين والتقاطع:
-
التّتابع:وهو السرد الخطي ، قوامهعرض الأحداث وفق منطق التعاقب وكان التتابع منطق نظم وقائع حديث "البعث الآخر" فقدتمّ عرضها متدرّجة نامية وتكشف بعض القرائن التعاقب من ذلك" ولمّا كان منالغد...مضت ساعة...ثمّ"
-
التّضمين: وهو إسناد قصّة في قصّة بالاستناد إلىالومضة الورائية أو التذكّر لإدراج حدث ماض له ما يشابهه في الحاضر، فأبو هريرة فيحديث الحقّ والباطل ينسلّ من لحظة راهنة ليسترجع ذكرى موت أخته.
-
التقاطع: وهوضرب من التداخل بين أزمنة النصّ ويتجلّى هذا النوع من القصّ في "حديث القيامة" حيثلعب المبدع بالأزمنة لعبا مغريا. كانت بداية الحديث رغبة أبي هريرة شراء شموع منأبي المدائن لإحياء حفل وتلتقي الجماعة ليلا بضيعة البطل وينطلق الغناء... ثمّ تغيمالسماء وينتشر الفزع فيأخذ أبو هريرة ريحانة خلفه وينطلق بها .. عندها يسرد أبوالمدائن حدثا ماضيا – إحراق البطل منزله وموت زوجته وسرعان ما يتلقّف أبو هريرةالسرد ليغدو منطلقه وأبو المدائن منتهاه.
يبدو التتابع و التضمين من تقنياتالسرد الموروثة ونجد لهما حضورا في أشكال السّرد القديمة "الحكاية المثليّة، رسالةالغفران " في حين نرى التّقاطع أو تداخل الأزمنة من أنواع السرد المعاصر .ومن ثمّفتقنيات السّرد تعمّق مبدأ النزاع بين الأصيل والمعاصر .
إنّ العلاقة بينالأصالة والمعاصر في رواية المسعدي لا تقوم على التجاور أو التعاقب بل هي مشيّدةعلى جدل وتدافع.
يمكن أن نجد مبررات لهذه الثنائية ونستطيع أن نحدّد لها غايات، قد يعود حضور الموروث والمعاصر في الرّواية إلى ثقافة المبدع ذات الرّوافدالمتعددة ،فترجمة المسعدي تظهر انتقاله بين مؤسسات تعليمية تقليدية تنحدر من زمنسحيق – الكتّاب – وأخرى حديثة أنشأها الآخر القويّ. أمّا دلالات الحضور فإنّها لنتخرج عن التأصيل والتجذير للرّواية كجنس وافد والانفتاح على التجربة الإنسانية.