عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-2012, 10:47 PM
المشاركة 757
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كتب عن : أرض اليمبوس بتاريخ 2007/10/29
لماذا يـلجأ الـكاتب الى كتابة الحياة الشخصية؟ - روائيون أردنيون يجيبون بقلم حسين جلعاد - جريدة النهار نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة فركوح.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
عمايرة. خريس.
شهدت الأعوام الأخيرة ميل بعض الكتّاب الاردنيين الى الاتكاء على السيرة الذاتية، الذين أخذوا يغرفون من حياتهم الخاصة، ويصدرونها في روايات ونصوص سردية. السيرة الذاتية ليست موجودة هنا بوصفها فنا يؤرخ للذات؛ بل هي "حوادث" روائية، أريد لنا نحن القراء أن ننظر إليها بعيون مفارقة. فما يُكتب هو أدب بقدر ما، لكن ثمة إيحاء مرةً، وتصريح مرةً أخرى، بوجود الكاتب في النص. وليس ملائماً وفق معادلة "التخييل" الرجراجة وحالة المخاتلة العامة، أن نحدد ما هو "أدبي" وما هو "سيرة".
مسألة كهذه قد لا تعدّ ظاهرة جديدة في تاريخ الأدب. إنها سؤال نقدي، وربما فكري، مطروح منذ عمر الكتابة نفسها. وقد انقسمت حولها نظريات عدة، فظهرت نظريات في الأدب الملتزم والواقعي، ونظريات أخرى محورها "الفن من أجل الفن".
في عصر ما بعد الحداثة، وما بعد النص، وما بعد الشمولية، بدا أن الصخب الايدولوجي هدأ، واصبحت الكتابة حقيقة تختص بالكاتب وبطبيعة الكتابة أكثر منها جزءا من بناء اجتماعي وثقافي عام. لكن ثقافة التخصص و"الميكروسكوبية" في عصرنا الالكتروني الصاخب هذا، لم تقترح بعد إجابات متماسكة حول السؤال: لماذا يلجأ الكاتب الى حياته الشخصية لكتابة أدبه؟ سؤال نطرحه على كتّاب أردنيين تتفاوت أعمارهم وأجيالهم وإنجازاتهم الأدبية.
الروائي والقاص إلياس فركوح يُعدّ من رموز الكتابة الأردنية، وهو واحد من جيل يشكل الآن صدارة الرواية في الأردن. حملت أعماله ما يمكن وصفه بـ"رؤيا جيل" كامل، أولئك الذين وسموا بنكبة فلسطين عام 1948 وحملوا لاحقا نكسات العرب وانهياراتهم. هذه الموضوعات ظهرت بقوة في أدب فركوح وخصوصا في ثلاثيته الروائية: "قامات الزبد"، "أعمدة الغبار"، و"أرض الينبوس"، وهي الأحدث والأكثر قربا، وربما التصاقا بشخص فركوح، الذي يتعين حضوره في الشخصية الرئيسية، بقليل من المجاز والكناية والتمويه!
في الإجابة على السؤال يقول فركوح: "إذا ما اتفقنا من حيث المبدأ على أنّ الحياة لا تتعيّن "موضوعاً"، في الفن كما في الحياة، إلاّ بوجود "ذات" لا تعاينها فحسب، بل تعيشها كشرطٍ يوجب التلازم معها، فإنّ لجوء الكاتب إلى حياته الشخصيّة لكتابة أدبه يصير أمراً مفهوماً". ويرى فركوح ان المفهوم (concept) يتوجب النظر إليه "ليس باعتباره حجّةً، أو ذريعةً، أو مبرراً، وإنما هو حالة تكتسب مشروعيتها واستقلالها ضمن الكتابة المتصلة بالواقع الممسوك من خلال شخص يقع في القلب منها إلى درجة يتحوّل إلى موشور لها بكل المعاني".
وبحسب هذا "المفهوم"، كما يقول فركوح، "تنتفي الذاتية أو الشخصنة عن كتابةٍ كهذه"، لتكون هي بذاتها "واقعاً آخر ممهوراً ببصمة كاتبها وتوقيعه". ويبقي فركوح أجابته مفتوحة إذ يقلب السؤال ويقول: "أهي رؤية/ رؤيا للعالم، أم "تذويتٌ" له؟ أهو "حَرْفٌ" لوقائع العالم الحقيقية، أم "تحققٌ وتحديقٌ" لعالمٍ طاله الحرف والتزييف في وقائعه؟".
الروائية سميحة خريس حاضرة بقوة في المشهد الروائي الاردني الراهن، كما أن شخصيتها حاضرة في ما تكتب. في روايتها "الخشخاش" تحضر باسمها وشخصها بوصفها شخصية عامة تظهر على التلفاز في حياة الشخصية المركزية في الرواية. وتحضر أيضاً في أحدث رواياتها "امبراطورية ورق: نارة"، حيث تخبرنا الشخصية الروائية التي تدور الرواية حولها انها أوكلت الى الصحافية سميحة خريس مهمة كتابة سيرة حياتها بعدما استبعدت كتّابا مشهورين في الحياة الثقافية الاردنية وناقشت معنا اسماءهم واحدا واحدا.
تمهّد خريس لإجابتها بنفي السخرية من سؤال الذات والكتابة، لكنها تسرّب استنكارها من طرح مسألة كهذه: "لا اقصد السخرية بقدر ما أسأل بصورة جادة: من أين إذاً يستقي الكاتب كتاباته إذا لم يكن من حياته؟ بالطبع ليس من حياتك مثلاً"، لتضيف: "حياة الكاتب تعني مجمل معرفته وتجربته وهي الحقل الذي يتحرك فيه، فكل ما عرفه من مواقف وأشخاص، وشاهده وقرأه وفهمه أو غاب عنه هو حياته، فنحن لا نصدر عن فراغ ولسنا نبتاً شيطانياً، ولا يقودنا التخييل إلى ما هو خارج هذا الكوكب".
القاصة جميلة عمايرة، والتي تعد واحدة من أبرز الجيل التسعيني في القص، تبدي حيرة مشوبة بالشغف تجاه كيمياء الكتابة والحياة: "لا اعرف كيف يحدث للكاتب ان يصطاد نفسه، ليوقعها في شباك من صنع يديه. شباك الكلمات، تتحول الذات الكاتبة او الساردة معها الى ذات مسرودة: تراقب وتعاين وتسرد اناها بمنظور جديد، بأحلامها وانكساراتها ورغباتها غير المتحققة اصلا في مجتمع اسمه الشرق".
وترى عمايرة أن تحولا يطرأ على الذات وعلى الموضوع معا، لحظة يبدأ تخليق النص: "تبدأ الذات الجديدة التي تحضر في النص بالظهور بأشكال وصور قد تختلف عن ذاتها، لكنها في الجوهر تشبهها او تحاول ان تكون ندا قويا لها، واحيانا تحضر بصورة احلام وكوابيس سوداوية".
الكاتب نادر رنتسي من أحدث الكتّاب سنا، ويمكن وصفه بأنه من كتّاب الألفية الجديدة، فلم يكد يغادر مقاعد الدراسة الجامعية حتى أصدر مجموعة قصصية وثقت تجربة ذاتية في الحب، ثم أتبعها بكتاب ثان هو "زغب أسود/ الرواية الناقصة". وفي كتابه الجديد يفصح رنتسي صراحة عن ذاته، ويجيء على ذكر اصدقائه وحياته الشخصية.
رنتيسي له وجهة نظر في ذلك إذ يقول: "لو أتيح إجراء مسح لأهم الروايات التي كتبها أهم الروائيين والقصاصين في العالم لوجد أن أكثر تلك الاعمال إثارة للجدل تلك التي كانت سيرة ذاتية صريحة أو مواربة. أكثر ما يدعم الاجابة المفترضة هو أن القراءة البوليسية، للقراء والنقاد معا، لأهم الاعمال الروائية والقصصية وقياسها على حياة كتّابها، تشير إلى رغبة المتلقي دائما، عاديا أكان أم استثنائيا، في البحث عن معادل واقعي للكتابة حين تتفوق على الواقع بأقصى حالاته غرابة وقسوة وجرأة". ويقول رنتيسي إن ذلك "اجتهاد لبعض ما تبنته مدرسة التحليل النفسي في محاولة الاحاطة بتعريف الابداع بأنه محصلة لتفاعل ثلاثة متغيرات للشخصية: الأنا والأعلى والهو". وهو، بحسب رنتيسي، ما يزيد من اللبس بين الكاتب وشخوصه.

شجاعة أم فقر في الخيال؟
بعض التنظيرات تذهب الى أن الاعتماد على الواقع الشخصي في استلهام الأدب يُعدّ جرحاً في مخيلة الكاتب، فيما يراه آخرون جرأةً وإغناءً للنصّ. فكيف ينظر الكتّاب الاردنيون إلى المسألة؟
يرى فركوح في المخيلة "ما هو أبعد من مجرد الاختلاق والاختراع والكذب الجميل"، ويقول ان المخيلة الأدبية تعني كذلك، "الأخذ بواقعة شخصية وإعادة تركيبها لأتمكن من إشباعها بدلالات لم تكن لتتحلّى بها في الأصل. وإني، عبر متوالية هذا الفعل، أكون اخترعتُ شخصيةً أخرى ليست أنا بكل تأكيد، تماماً مثلما لم تعد الواقعة الجديدة تملك تحديدات أصلها وحدوده في الواقع الذي جُلبت منه".
ويقول فركوح ان ما بين عمليتي "الجَلْب" و"الجَبْل" ثمة مسافة من "التخييل يتطلب تعبئتها بما هو أكثر من مجرد الخيال الواسع"، اي "بمخيلة مثقفة ترى إلى باطن ما تعنيه التغيّرات الحاصلة في جملة الجبلة الحادثة وفي تفاصيلها"، موضحاً "أنّ ذلك يتجاوز محددات الشائع عن "الجرأة"، بمعنى التجاسر على كشف المستور من سيرة الشخص، بما يعني، بدوره، السير في اتجاه "الفضيحة" أو ما يظللها في عيون مجتمعاتنا المحافظة. إنها جرأة الخروج على مألوف الكتابة، وعلى مألوف مفهومها، وعلى افتراضات الواقع، والأهم: الخروج على مفهوم الخيال والمخيلة".
وتؤكد خريس من جهتها أن كتابة حوادث لصيقة بالكاتب "ليست فقراً في المخيلة إذا كان في تلك التفاصيل ما يستوجب الخوض فيه ويثري المعرفة العامة". وتضيف صاحبة "شجرة الفهود": "لا شك أن هذه جرأة كبيرة وشجاعة أن يسمح المرء للعيون بالتلصص على أدق خصوصياته، وهو أمر صعب في مجتمعنا، لأن هناك من يسمح لنفسه بالحكم الاخلاقي على الخلق، وهناك من يتردد في تقويم المكاشفة".
وترى خريس أن مسألة كهذه ليست مطروحة حين يتعلق الموضوع بالحديث عن كتّاب الغرب، وهي تستنكر الاشادة "بالافصاح الذي يمارسه كاتب غربي"، فيما "يُذمّ الكاتب العربي إذا أقدم على ذلك". وتؤكد أن حالة الازدواجية هذه تزداد "قسوة وتخلفاً في التحليل والتقويم، إذا كان الكاتب انثى"، لافتةً الى أن "هذا الأمر سيشهد اندحاراً حقيقياً بسبب شجاعة الكاتبات وإقدام الكتاب إزاء حياتهم الخاصة، أما من ينكفأ فهذا يعني ضعفاً في تكوينه ككاتب وقدراته على رفض السائد والمتعارف عليه".
القاصة جميلة عمايرة، التي أصدرت حديثا كتابها الجديد "بالابيض والاسود"، بعد ثلاث مجموعات قصصية، تعترف بأن نصها الجديد ملتصق بذاتها، وتقول بدون مواربة إنه "مرثية للذات والاحلام في واقع لا يعترف الا بالظاهر"، وتضيف أن كتابها الذي جاء كرواية قصيرة يعتمد "على الذات الساردة التي توظف ضمائر متعددة لتتحدث عن نفسها عن الماضي، عن الاحلام بالمناجاة حينا والبوح والاختلاء مع النفس حينا آخر؛ لتدور الفكرة الرئيسية عن علاقة الذات مع الاخر المهيمن الذي يملك حق الاقصاء والادناء، انه الاسود الذي سميته في النص امام نقاء الابيض وطهارته".
وتعلن عمايرة صراحة أن الكتاب "سيرتي غير المعلنة، وجهي كما رأيته في مرآتي، لتحضر سيرتي كما عاينتها وعشتها؛ فلا كتابة خارج الذات"، لتقرّ بأن الكتابة من حيث المبدأ هي "محاولة للخروج الى فضاء الحرية"، لكنها بحسب وصفها، تظل "مسوّرة بالذاتي". هذا السور يتأتى من "الخسارة والجرأة وألم الفقدان"، ولهذا فإن الذات تحاول ان "تلجأ الى الاحلام كوسيلة من وسائل الحماية من دون اهدار او اقصاء او مصادرة او تنظير". إنها "احلام تستند في جوهرها الى حياة الساردة الشخصية والنفسية بكلمات تقطر بالصدق والمكاشفة التي تحبذها الأنا الساردة".
يقول رنتيسي إنه تردد كثيرا في كتابة صادمة حول تجربة شخصية، ما دفعه إلى "تقديم مجموعة قصصية على كتاب يتطرق إلى تفاصيل دقيقة للجسد والروح في إطار علاقتين عاطفيتين"، ويعترف: أحسب أني كنت قاسيا على نفسي"، ويرى أن الكتابة إذا كانت "مقياسا شديد الدقة لمدى عمق تجربة الكاتب، وتعدد حيواته؛ فإنها أيضا حين تتجه إلى الذات تخرج بصدقها وجرأتها عن كونها فعل استشفاء ونقاهة أو ممارسة باردة على شرشف أبيض، واستدراكاً سريعاً للحياة، وزهداً كاذباً بالمرأة التي ذهبت"، مستنتجاً أن التخليق الأدبي في المحصلة "مجرد ورقة في اضبارة مريض على أتم الاستعداد للشفاء