عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2014, 11:45 PM
المشاركة 1241
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
[RIGHT][RIGHT]
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 68- الدقلة في عراجينها البشير خريف تونس


- يعد البشير الخريف(1917-1983م) من أهم الروائيين التونسيين الذين أرسوا دعائم الرواية التونسية إلى جانب مجموعة من الروائيين الاخرين .

- ويتفرد البشير خريف عن هؤلاء الروائيين باستخدام لغة عامية خاصة ، وهي اللغة الجريدية أو لغة جنوب تونس.

- كمايتميز بكونه مؤرخا صادقا لبيئته الجريدية منذ دخول المستعمر الفرنسي إلى حين استقلال البلاد.

- هذا، وقد ترك البشير خريف مجموعة من الأعمال الإبداعيةالأدبية الشاهدة على منحاه الفني والجمالي. ومنأهم رواياته: " برق الليل"(1960م)، و" إفلاس أو حبك درباني"(1980م)، و"بلارة" (1992م)، ومجموعته القصصية: " مشموم الفل"(1971م).

- وعليه، سيظل البشير خريف من الروائيين المتميزين في تونس برؤيته الواقعية الاجتماعية،

- وسيبقى أيضا من ألمع كتاب بلده، وذلك باهتمامه الخاص بكتابة رواية الفلاحين والعمال، وتوظيفه للغة الجريدية، وتشغيل الوصف الاستقصائي التفصيلي في كثير من الأحيان، والتأنق فيه سردا وتقويما وتعقيبا.

- وكل هذا من أجل التأريخ والتوثيق التسجيلي والواقعي، وتقديم رؤية إنسانية متكاملة شاهدةعلى تطور تونس الحديثة.

- من المعروف أن السينما قد استمدت مجموعة من التقنيات من الرواية كاستفادتها من زاوية النظر التي تنبني على الرؤية السردية، وطبيعة الرؤية ،ووظائف الراوي، وطبيعة المنظور السردي ، والذي يحيل على اللقطة السينمائيةوأنواعها.

- ومن هنا، فاللقطة السينمائية ما هي في الحقيقة سوى تحوير لزاوية النظر في علم السرديات، وذلك بكل تفصلاتها الفرعية.

- ومن ثم، فنحن في حاجة إلى استعمال مصطلح اللقطات السينمائية ، وذلك لتوظيفها في ورقتناالنقدية هاته من أجل التمييز بين مجموعة من اللوحات الوصفية على ضوء المنظورالسينمائي على حد خاص.

- تعتمد اللقطة الوصفية البعيدة على التقاط المكان الموصوف من زاوية بعيدة ، وذلك لتقديم فضاءات الأحداث والشخصيات كي يتعرف عليها القارئ المتقبل، كما في هذا المقطع الروائي الذي يرصد فيه الكاتب فضاء كيفان الطين الحمراء:" كان يحث السير فجرا، وراء كيفان الطين الحمراءوهو في برنوسه الصغير يتبع المنعرجات، كأنه إجاصة تسعى، هو ذاك الطريق يلتوي صاعداإلى المواعدة حيث المرح والحنان، حيث أمه الطالق وابنة الخال ولطفها وصغرها، يتخذهالعبة، حيث العربي أخوها، الذي يستجيب له سريعا، إذا ما اعتدى عليه أحد فيالزقاق"(ص:23).

- وتحضر هذه اللقطة الوصفية ، وذلك حينما يذكر الراوي فضاءالمتلوي ، والذي كان في السابق أرضا صحراوية جدباء ، لتتحول بعد ذلك إلى أرض طافحةبالكنوز الثمينة والمعادن النفيسة، يستمتع بها المحتل الأجنبي استعماراواستغلالا.

- استرعت هذه المفازة انتباهه، وكرفت عبقريته النافذة، إن هذه الطبيعة القاحلة، المكفهرة، تضم خيرا كثيرا، فتوقف ونصب خيامه ونقب فاكتشف سمادالفوسفاط فتأسست شركة صفاقس قفصة في أواخر القرن الماضي(1886).

- وقد جاءت هذه الصورة الوصفية البصرية الراصدة عبر نظرةالكاتب البعيدة إلى الفضاء والأشياء، وذلك لتقديم إطار الأحداث

- يقصد باللقطة الوصفية العامةGénérale تصوير المكان على ضوء رؤية عامة، مع تركيز عدسة الرؤية على الشخوص الموجودة داخل هذا الفضاء ، كما هو الحال في هذا المقطع الذي ينقل فيه الكاتبمجموعة من الشخوص الروائية داخل الفضاء ، ولكن من زاوية نظر عامة وبعيدة إلى حدما.

- وهكذا، ينقل لنا الكاتب في هذه الصورة الوصفية منظرا عامايحوي الشخوص الرئيسية في الرواية

- تنقل هذه اللقطة الوصفية المتوسطةMoyenne ثلثي الجسد ، وذلك داخل إطار الرؤية الوصفية التي يستند إليها الكاتب الواصف، وهي تقابل الرؤية الشاملة التي تعتمد على تصوير الشخصية بشكل كلي.

- ومن هنا، فالكاتب يصور لنا العطراء الصغيرة، وهي تبكي على وردتها التي انتزعت منها عنوة من قبل حفصة بنت رقية.

- وينقل لنا الكاتب في هذه الصورة ثلث جسد العطراء إلى الفخذين، وذلك للتعبير عن بكائها الشديد ، وتصوير صراخها الملتهب من أجل استعادةوردتها. وتشبه هذه اللقطة المرصودة اللقطة الأمريكية، والتي تركز غالبا على نصف جسد الممثل.

- من المعلوم أن اللقطة الوصفية المقربةRapprochée أواللقطة الصدرية تنقل لنا الشخصيات من الصدر إلى الأعلى، وذلك للتركيز على الانفعالات الجسدية والنفسية سواء أكانت شعورية أم لاشعورية. ومن بين الأمثلة التي تعبر عن هذه الرؤية الصدرية المقربة اللقاء الحميمي الصادق شعوريا، والذي كان يجمع خديجة المطلقة بابنها المكي، بعد غياب أسبوعي في الزبدة مع والده وجدته الحاضنة زبيدة ، وذلك بعيدا عن والدته الحنونة الحقيقية.

- وتعبر هذه الصورة الصدرية في الحقيقة عن الصدق الأمومي،وافتقاد المكي للعطف والحنان والرأفة والشفقة ؛ وذلك بسبب غيابه الأسبوعي عن أمهالتي طلقها زوجها الزبيدي. ومنثم، فهذه اللقطة تعبير صادق عن المناحي السيكولوجية، والتي تعمل اللقطة على تجسيدهاحركة وسلوكا وتفاعلا ووجدانا.[

- ترتكز اللقطة الوصفية الكبيرةGros plan على نقل ملامح الوجه المعبرة، ورصد انطباعاته النفسية بدقة تشخيصية وتصويرية، كما في هذا المقطع الوصفي الذي يبين لنا الكاتب فيه حالة شخصية حفة بعد اختفاء العربي:" دخل حفة إلى الحوش وعلى شفتيه ابتسامة صفراء ،وقال: إنهذه نتيجة مخالفة رأيه، وانه لم يشأ أن يعطي العوض لكن قلبه رحيم، فلم يقو علىمعارضة الناس فجاراهم وعليه، فهو في حل مما يحدث.
دخلت العطراء من البويبة تنظر وتسمع فذهلت وعادت إلىالحوش اللوطاني."(ص:140).

- وترد هذه اللقطة الوصفية في موضع آخر ، وذلك لتبيان حالةعمير النفسية والثورية أثناء تأجيج نفوس العمال المضربين حقدا وغضبا:" راغ عمير مخلوع القميص مبحوح الصوت على رأسشرذمة من أولاد بويحيى وأولاد دينار والجريدية والقبائل وانتشروا في ساحة المركز،وكان يهتف ناتئ العينين أحمر الوجه في جانبي فمه رغوة وفي شفته السفلى خط أبيضجاف."(ص:249).

- هذا، وتعبر هذه الصور المقربة جدا عن الحالات النفسيةوالانفعالية الشعورية واللاشعورية ، والتي تظهر على وجوه الشخصيات بشكل جليومجسد.

- يلتجئ الكاتب إلى الاستعانة باللقطة الوصفية الكبرىZOOM / Très gros plan ، وذلك لتبئير الموصوفات والعناصر المنقولة، حيث يتم التركيز على الأشياء الدقيقة من الوجه والجسد والرجلين ، وذلك لتقريبها بشكل جيد إلى القارئ المتلقي أو الراصد المتخيل. ومن هنا، نرى الكاتب في روايته الواقعية يصف كلبا عبر هذه الرؤية ، وذلك لكي يبين شراسةالحيوان تجاه الآخرين، وشروعه في الشر للانقضاض على الصبية، بعد رجوعهم من نزهةالوادي:" اعترضهم كلب هزيل، شرير يردهم بنباحه، ويهددهمبعينيه المخضرتين المحمومتين وأنيابه المكشرة، فارتدوا إلى القنطرة ولاذت العطراءبالرجوع وظهر حمة الصالح يعدو بين النخل يتبع الريبة ويصيح على كلبه." (ص:34)

- كما يركز الكاتب بشكل مكبر جدا على يد العطراء ، وذلكللتركيز على ما تفعله الصبية بنبتة كانت بيديها، فتقطعها غضبا وحنقاوحقدا:" فقالت العطراء وهي تنظر إلى يديها وتبرم حشيشةبين أصابعها.

- وهكذا، نجد أن اللقطات الكبرى جدا في رواية البشير خريفتحدد لنا الأبعاد النفسية للشخصية الرئيسية أو الثانوية أو العابرة ، أو تعكس لنامختلف الوظائف والمسارات التصويرية لمختلف العوامل والممثلين ذهنيا ووجدانياوحركيا، وتبرز لنا أيضا ملامحها الشعورية واللاشعورية بكل وضوح وجلاء.

- يلتقط الكاتب البشير خريف العناصر الموصوفة على غرارالكتابة الإخراجية السينمائية من زوايا متنوعة، حيث يستعمل السارد اتجاهات عدة ،وذلك لالتقاط صوره الروائية الوصفية، فقد يكون اتجاه الالتقاط أفقيا أو عموديا أوسفليا أو متحركا. ويمكن توضيح ذلك من خلال الشواهد والأمثلة النصية التالية:

- تلتقط هذه الصورة الوصفية من الأسفل إلى الأعلى، ويعنيهذا أن عدسة التصوير والوصف تتجه من تحت إلى أعلى ، وذلك للتعبير عن التساميوالتحرر والاستعلاء والسيادة والتفوق، واستجلاء ماهو علوي وروحاني ، بعيدا عن عالمالبشر المحنط بالماديات كما في هذه الصورة الرمزية:" خرجت الأنثى ووقفت، وتبعها الذكر، ولبثا هنيهة،كأنهما لم يدركا ما تبدل في وضعهما، وكأنهما لم يحفلا كثيرا بما منحا من حرية، ثمأمال الذكر رأسه ونظر إلى طاقة الشباك وخفف وطار، وتبعته أنثاه وتبعتهما العطراءببصرها، فرأتهما يحلقان إلى عنان السماء، ثم يتجهان إلى سحاب أبيض سمقت إليه نخلتانمتساندتان، وأضحيا نقطتين متتاليتين، وحطا في لفافة النخل." (ص:298)
- ومن هنا، تبدو هذه اللقطة العلوية العمودية تعبير صادق عنالرغبة في التسامي، والتحرر من الكائن المادي، والتخلص من قيود الحس، وذلك نحوالفضاء العلوي المطلق.

- تعتمد اللقطة الوصفية الأفقية الثابتة على رصد الموصوفأفقيا كما في هذا الشاهد الوصفي:" حولت عينيها(العطراء) إلىزوجها(محمد الحفناوي) وقارنت، إنهما يشبهان بعضهما تماما كما تشبه البسرة الغمقة، نعم، يشبهانبعضهما، غير أن النظر لذا أذى ولذلك شفاء، ذلك له عينان وأنف وفم، وذا له عينانوأنف وفم، كل رقبته وشعره، لكن شتان بين الرخمة والطير البرني. وعادت تنظر إلى الشاب، فتخيلت أنها تغسلبصرها." (ص:305).

- وهكذا، يتسم اتجاه الإدراك في هذه الصورة الوصفية بكونهاتجاها أفقيا ثابتا يقوم على النظرة المواجهة.

- المقصود بهذه الصورة التقاط العناصر الموصوفة من عدسةتصويرية موجهة إلى الأسفل ، وغالبا ما يكون الغرض من هذه النظرة الوصفية التعبير عنالضعف والانكسار والانسحاق والانهيار، كما في هذه الصورة الخرافية التي تناجي فيهاالبنات فرعون المنكسر توسلا واستغاثة ، وذلك لمساعدتهن على إضفاء الجمال عليهن، وإنكانت هذه الصورة تحمل في طياتها مؤشرات جاهلية ووثنية قديمة العهد.

من مقال بقلم : الدكتور جميل حمداوي