عرض مشاركة واحدة
قديم 05-24-2012, 10:50 PM
المشاركة 677
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رحم الله خليفة حسين مصطفى
قلب طيب وابتسامة هادئة

محمد الاصفر

تاريخ المقال : 21/11/2008


لا أذكر أول مرة قابلت فيها الأستاذ المبدع خليفة حسين مصطفى وهي بالتأكيد في إحدى الفعاليات الثقافية حيث أن هذا الروائي يحرص على المشاركة والحضور إلى كل نشاط ثقافي أو فني ينظم بغض النظر عن الجهة التي تنظمه نظراً لأنه لا ينتمي إلا لشلة الأدب والفن حيث السطور البليغة والألوان التي تمنح الروح فضاءات أكثر سكوناً وعمقاً.

ولم يكن حضور الأستاذ الروائي خليفة حسين مصطفى لأي منشط ثقافي حضوراً شكلياً أو من أجل المجاملة بل كان حضوره دائماً فاعلاً ومشاركاً في المناقشات ومستمعاً للأوراق والمواد الإبداعية من قبل المشاركين على الرغم من ركاكتها أحياناً وبعد أن يمنح مدير الفاعلية الاستراحة للمشاركين يخرج هذا الأستاذ بهدوء ليقف قرب أول نافذة ويشعل سيجارته وبعد أن ينقض الزحام حول البوفيه والشاي والقهوة يتناول كوباً ويملؤه بالشاي يحتسيه على مهل.

التقيته أكثر من مرة في أنشطة رابطة الأدباء والكتاب في مقرها المزال الآن بحي الاندلس وأكثر من مرة في المكتبة المركزية وفي المركز الثقافي التونسي وفي مجلة المؤتمر وفي أمانة الثقافة وكلما التقيه أحرص على مصافحته وإن كان لديه وقتاً نتحدث قليلاً لكن تحدثنا كثيراً أكثر من مرة في مكتبه بمؤسسة الصحافة بمجلة الأمل وتناقشنا في فن كتابة الرواية.

فكان لا يوافق ما يكتب حديثاً وينحاز دائماً للانضباط والنظام والجدية في كتابة الراوية.. ويقول أن الرواية تحتاج إلى وقت وتفرغ ومواصلة الكتابة من دون توقف.. وأبدى آراء متباينة في ما يكتبه الشباب الآن.. وكان يشعر بالسعادة كلما قرأ إصداراً جديداً ووجده جيداً سرعان ما يمسك قلمه ويكتب ما تجود به أحاسيسه من محبة عن ذلك الإصدار.

ذات يوم وجدت نظرات فرحة في عيون محرري مجلة المؤتمر وقبل أن اسألهم قالوا لي لقد كتب عن كتابك حجر رشيد الأستاذ خليفة حسين مصطفى كلاماً جميلاً وهنيئاً لك وانتظرت إصدار المجلة كي أقرأ المقالة وعندما قرأتها وكانت بعنوان من ألف باء الكتابة إلى حجر رشيد وكانت مقالة موضوعية أسعدتني رصد فيها تجربتي منذ أن كنت أرسل أعمالي غير المصنفة إبداعياً إليه في جريدة الشمس وكان دائماً ينشر بعضها و يهمل أكثرها ولم أغضب لذلك أبداً وكنت متفهماً لأنني كنت أتعمد أن لا أكتب كما هو موجود وسائد وكي اكتشف أشياء جديدة في الكتابة لكن بعد مدة وجدت أنه ينشر لي كل ما أرسله بعد أن وصلته عدة نصوص وفق المعايير والضوابط المعروفة في فن الكتابة مما أشعره أنني أعرف أكتب لكنني أعيش في مرحلة تجريب واكتشاف وعليه تقبل هذا الأمر من الكتاب الجدد بعد أن يقتنع بقدراتهم وموهبتهم في الكتابة.

ذات يوم استدعاني الأستاذ محمود البوسيفي إلى مكتبه ووجدت بجانبه الأستاذ خليفة حسين مصطفى الذي يبدو خجولاً وهادئاً ومبتسماً ومدّ لي مخطوط تقودني نجمة " رواية " ولم يعرف كيف يكلمني لكنه نصحني أن أغير الكلمات البذئية الخادشة للحياء والذوق العام بكلمات عربية تؤدي المعنى نفسه ولا تسبب خدشاً ولقد كانت نصائحه محل تقدير في نفسي وشعرت بأن الكتابة فن ومع الفن لابد من استخدام القليل من الذكاء والمكر.

مرّة أخرى التقيته على سلالم أمانة الثقافة المبنى الذي بجانب فندق الواحات ووجدت بين يديه روايتي سرة الكون.. قال لي إنه اشتراها بـ 15دينار وتأسفت لعدم حصولي على نسخ كي أهديها إليه.. وكان حريصاً هذا الروائي والصديق على قراءة كل أعمالي قرأ أيضاً روايتي " يانا علي " واخبر صديقاً على تحفظه في هذه الرواية حول موضوع اليهود حيث شعر أن شخصية الشاعر اليهودي الليبي كليمنتي أربيب قد مجدت أكثر من اللازم وعندما التقيته بعدها لم أخبره بالأمر ولم أناقشه في الموضوع وهو لم يطرحه علي مما يعني أن العمل الفني لا يعبر عن رأي إنما يعبر عن حالة الشخصية الدرامية وهي تمارس حياتها في الخيال تناقشت مع هذا الروائي الليبي الكبير الذي بذل جهداً كبيراً يدفع ثمنه الآن من صحته ولم ينل من حرفة الكتابة أي تقدير مادي أو معنوي لائق بإبداعه تناقشت معه في موضوع دخول أعماله إلى العالمية أو الانتشار على الأقل خارج ليبيا في الوطن العربي بصورة مرضية والحقيقة أنه لم يتذمر وكان كل همه ليس المال أو الشهرة إنما استكمال مشروعه الروائي كما ينبغي وكما يريده.. منذ مدّة أخبرني أنه يكتب رواية موضوعها الرحالة الأوروبيين في أفريقيا والصحراء الكبرى وليبيا واقتنى الكثير من الكتب الباهظة الثمن وأذكر أنني قلت له حينها إن هذا الموضوع يا أستاذ خليفة سيدخل بقية رواياتك إلى العالمية لأن موضوع الرحالة مقبول من قبل الغرب وإن اشتهرت هذه الرواية فستمد الحبل إلى كل أعمالك الأخرى لتنقذها من التجاهل وقلة الاهتمام وفرحت كثيراً لصواب اختيار الموضوع والتقيته بعدها بشهور وسألته عن هذه الرواية بالذات فقال لقد توقفت وسألته لماذا؟ فقال الإلهام.. عندما أشعر بالإلهام أكتب وعندما يذهب الإلهام في إجازة امنحه إياها وانتظره.. وهذا يعني أنه مبدع حقيقي وليس صانع روايات أو قصائد ككثيرين.. كنت ذلك اليوم انتظر مكافأة من مؤسسة الصحافة لأسدد أجرة الفندق الذي أقيم فيه في المدينة القديمة استلمت الصك وعرجت عليه وجدته يدخن سجائر الرياضي ويشرب الشاي ويسلم ظرف صغير به مكافأة لإحدى المساهمات في مجلة البيت طلب لي شاي شربته وغادرته مسرعاً كي الحق بمصرف الجمهورية الجديد بشارع الصريم.

بعدها بمدة جئت للمؤسسة وذهبت إلى مكتبه وجدت مكانه امرأة سألتها عن الأستاذ قالت لي لقد تقاعد لا أعرف بيته كي أذهب إليه ظللت اتتبع أخباره قرأت مشاركته في ندوة تكريم إبراهيم الكوني قرأت له بعدها مقالة عن كتاب حفيد الشمس القصصي لابتسام عبد المولى قرأت عن حفل تكريم أقيم له في مؤسسة الصحافة طلب مني أحمد بللو أن أعد ورقة عن إحدى رواياته لأشارك بها ولم أعلم بعدها بموعد هذا التكريم.

وإنصافاً لهذا الأديب صاحب القلب الطيب والابتسامة الهادئة أنه قد قادني من دون أن أشعر كي أكتب عن ليبيا أي أكتب عن المكان الذي أعيش فيه وروايته ليالي نجمة.. قادت الكثيرين لتناول المدينة القديمة سواء في بنغازي أو درنة أو طرابلس في كتاباتهم.. وعندما نقرأ بعض آراء النقاد خاصة الأستاذ يوسف الشريف نجد أن رأيه لا توجد رواية ليبية إلا عند خليفة حسين مصطفى وتوجد روايات تتحدث عن أمكنة أخرى تجد فيها كل شيء إلا ليبيا وبصفتي أحب هذا البلد فأحببت أن أكتب عنه لأنني افهمه جيداً وافهم كيف يفكر وكيف يعيش ولقد حرصت في كتاباتي أن امنح ليبيا نصيب الأسد من السطور وفي الوقت نفسه عندما أكتب أتخيل كل الكتاب الكبار وطريقة كتابتهم ومواضيعهم فأجد أنهم كتبوا عن المكان الذي عاشوا فيه حتى وإن خلقوا له اسماً متخيلاً لقد استفدت من الروائي خليفة حسين مصطفى حسن اختيار المكان وهو جعلني لا ابتعد وأكتب عن هنا عن ليبيا واعتقد أن الروائي إبراهيم الكوني والروائي أحمد إبراهيم الفقيه قد وعيا هذا الموضوع وهذا الأمر وركضا سريعاً بسردهم إلى هذا المضمار الليبي الثري فولجاه من باب التاريخ الذي يمكنك ضبط ساعته على الوقت والتاريخ الذي يمكنك أن تتوقف عنده وترى ذلك جلياً في روايات الكوني الأخيرة" نداء ما كان بعيداً " وفي الاثنى عشرية خرائط الروح لأحمد إبراهيم الفقيه.

تحية لهذا المبدع الذي يعاني المرض الآن ونتمنى له الشفاء والسلامة ونتمنى أن نلقاه مجدداً لنكرمه التكريم ونبعث في شرايينه حبنا الصادق الذي جعلنا نشعر ونمارس البكاء فور علمنا بمرضه وسفره للعلاج وبحثه عن دم نادر لعمليته الجراحية.

موقع السلفيوم