عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2010, 11:11 PM
المشاركة 409
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أورسون ويلز

هذه ليست سيرة تضاف إلى سير أورسن ويلز الست، فما شرعت فيه ليسرواية قصة حياته بل تفحص القصص التي رواها عن تلك الحياة).
بهذه الصيغة يقتحم بيتر كوزاد تفاصيل حياة واحد من أساطين هوليوود أورسون ويلز. لعل فيلم «المواطن كين» هو إحدى سيره الذاتية المبكرة التي روت سلفاً قصة حياة لم يكد يبدأفي عيشه،أوحتى بطله هاري لايم في «الرجل الثالث» كان صورة ذاتية مهما أبدى سخطه فيانكارها الكاتب يعمد إلى دحض تصريحات ويلز التي أدلى بها إلى الصحافة، ويعتقد أنكثيراً من تصريحاته تلك قد كانت أكاذيب خالصة.‏

ففي عام 1950أوجز على عجل مواهبه لصحفي فقال: إنه لايحب التمثيل بل الإخراج ويتمتع أكثر مايتمتع بالكتابة وإن بحوثه ومقالاته الصحفية وأعماله القصصية وسيناريوهات أفلامهالتي لم يخرجها مرشد عديم القيمة إلى دوافعه، والنقاد لا يراجعونها إلا نادراً،ولعل ويلز قد وجد متعة في الحديث أكثر مما وجد في الكتابة، مثله مثل كوليردج.‏
كان ويلز مفسراًجريئاً ولامعاً للأدب أو خالقاً له من جديد وهو قد اختبر بالأراء أفكاره النقدية عنشكسبير وسرفانتس أو ملغيل ومارك توين أوكونراد وكافاكا ودينيس.‏
وفي أوائلالخمسينيات سعى إلى حصر التراث الأدبي الأوروبي كله بأفلمة عملين هما «أوديا» هوميروس، و«يوليسيس» ومع أن هذه المشروعات لم تسفر عن شيء فقد كانت الفكرة عنده أهممن التحقيق، ثمة عوالم أخرى اهتم بها ويلز موجودة بالفعل ومنتظرة منه ؟.‏
ففي البرازيل -مثلاً- حيث قضى عدة أشهر في 1942 وجد مجتمعاً مكنه كرنفاله الصاخب من التخلي عنصرامة الحياة العملية في الولايات المتحدة وفي إشبيلية عاش مدة وجيزة وهو شاب وفيمابعد أقام في مدريد ثم اختار أن يدفن جثمانه في إسبانيا وقد أعطته البلاد خلاصةوافية للقصص الوطنية التي تبناها، كأنها خاصة به، قصص عن حماقة الفروسية في غيرزمنها عن ثقافة المثالية والبأس الفاجع.‏
إن فرانسوانروفو كان محقاً في اعتباره الشخصيات التي أدى أدوارها ويلز «كائنات استثنائية» ولكنه تردد في الحكم عليها وقد دعاها «عباقرة أو متوحشون أو عباقرة، متوحشون».‏
وبما أن ويلزمتحذلق بالنظر -حسب رأي كونراد- فهو لا يشارك برتولت بريخت اعتراضه على التعظيمالتراجيدي للإنسان بوصفه إنساناً، فالتراجيديا في نظر بريخت قد كانت دعاية تخدممصالح الطبقة الارستقراطية المحكوم عليها بالموت، أما ويلز فقد سعى على الأقل إلىالموازنة بين تعظيم الإنسان والغض من قيمته، كان يعرف أن حماسة الإنسانيين قد دحضهاالتاريخ الحديث الذي جرّد العالم من الصفات الإنسانية، كان من همومه أن يعولم نفسهويقول «أنا المتعدد» ومن حوله كان لديهم شك جاد في ويلز كان طفلاً في أي وقت ويقولكونراد: بقي طفلاً طيلة حياته بابتهاجه الساذج وجشعه غير المميز وفظاظته عند الغضبواعتقاده أن مشاكسته سوف تعذر على الدوام.‏
ففي سيناريو (المهد سوف يهتز) جعل ويلز مارك بلتز شتاين يدعوه متحبباً بيتر بأن الولد الذي لميتمكن من النمو قط.‏

كونراد يعتقدأنه كان مواتياً أن يفقد ويلز والديه كليهما وهو صبي فقد مكنه هذا من التركيز علىصنع أسطورته الخاصة واختراع أدوار لهما فيها. ماتت أمه من التهاب الكبد في 1924 بعدعيد ميلاده التاسع ومات أبوه وهو مدمن ومخترع فاشل في 1930 منهك القلب والكليتينوكان ويلز غائباً في المدرسة ومنقطع الصلة بالأسرة وكان ويلز غائباً في المدرسة،لاحقاً كذب ويلز وزعم متخيلاً أن أباه قد مات بعد أن أحرق نفسه و ربما هذا اليتمالمبكر سبب تأثره البالغ بكتاب أنطوان سانت إكزوبي (الأمير الصغير) الذي كتبهالمؤلف خلال إقامته في أمريكا منفياً من بلده المحتل فرنسا وبعد نشره في 1942 سارعويلز إلى إعداد نص فيلم عن الكتاب، ولكن الفيلم لم يصنع قط فلا بد أن تكون القصة قدبدت ضرباً من السيرة الذاتية شأن جميع قصصه المفضلة.‏

(كلما كان كوكبك أصغر كان وجودك أكثر كلية) إن أمير إكزوبري يكتشف عندما يصل إلى الأرض النسبية المطلقة كما فعل ويلز عندما طرد إلى عالم الكبار.‏
يكتشف الأمير أن عالمنا يحكمه 111 ملكاً (باستثناء السود) كل واحد منهم يحسب نفسه كلي القدرة.‏
إن ثعلباً يخبرالأمير الصغير أن الفراخ كلها متشابهة وكذلك الرجال وعلى كوكبه يتعهد بالعنايةبزهرة واحدة متقلبة غير ذات جدوى، أما على الأرض فيتوه في حديقة أزهار تتشابه فيهاتماماً خمسة آلاف زهرة، كانت أنانية زهرته تبدو غير معقولة ولكن تباهيها على الأقليحفظ الاحساس بالاختلاف وهنا على الأرض يسحق الجمهور فكرة الفردية لقد استهوتهالملكية لما تنطوي عليه من امتيازات لك الحق في إساءة التصرف وفي استخدام رعاياكالمغرمة بك.‏

إن ويلز الذي يصعب اعتباره نموذجاً يمثل غيره من البشر قد بدأ يشغله خلال الخمسينيات قدر الجنسالذي لم يكن منتمياً إليه كل الانتماء وكثيراً ما كان يدعو الناس ديناصورات هيرستمثلاً أو أقطاب هوليوود الذين عرقلوا ودمروا عمله السينمائي ولكنه شعر أيضاً بأنهمفارقة زمنية غير مألوفة وتساءل دائماً ألا يمكن أن يكون الجنس البشري منخرطاً فيالتخطيط لاندثاره؟ لقد سهل عليه إخافة أمريكا في 1938.‏

وفي عام 1982أحزنه أن مواطنيه (لم يعد تخويفهم ممكناً) على الرغم من الأسباب الوجيهة للذعرتتنبأ بنهاية الكوكب وفناء الإنسانية.‏
إن القصص التيأعاد ويلز روايتها أو طبقها على نفسه قد عالجت كلها مشكلات عصية على الحل تناقضاتلم يكن ممكناً حسمها بالخاتمة المعدة وفق صيغة معينة كان له شغف بالملوك المخلوعينوالنهايات كان يقول: (النهايات السعيدة التي تسعى إليها لأنك مفرط العاطفة تتوقفعلى قطع القصة قبل أن تنتهي، إن الكوميديا تنتهي بالزواج والتراجيديا تنتهي بالموت،هذان الخياران هما أمامك)،‏
الكتاب-أورسونويلز-وقصص حياته. - الكاتب: بيتر كونراد - ترجمة: عارف حديفة - صادر عن وزارةالثقافة-الفن السابع في 477 صفحة.‏