عرض مشاركة واحدة
قديم 02-28-2016, 09:46 AM
المشاركة 1429
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع اليتم رقم 7

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- مؤنس الرزاز ينطق شخصياته يحركها، يدخلها السجن ويضع آخرين منها في الإقامة الجبرية، يطوف بشخصياته في غير قطر عربي، ويسلط الضوء على أكثر من قضية ومرحلة.
- وهو ينطق شخصياته بدون صوت وذلك من خلال تنكيرهم الذي يأخذ شكل المنولوج الداخلي المسموع.

- يخلق من اليأس تفاؤلاً وتحدياً، فأحد شخصياته، الختيار، يكتب ويحبّر وعندما ينتهي من الكتابة تصادر الكلمات... لكن الرسالة تصل إلى أصحابها... من قلب الإقامة الجبرية والوحدة القاتلة تنفلت الإرادة ويشع الأمل دبالمستقبل لرؤية القرن الحادي والعشرين.

- وبطريقته يدخل الكاتب في نهاية الرواية بما يشبه الحوار مع القراء وكأنه أراد أن يجعلهم من شخصيات الرواية فيصل بهذا إلى مبتغاه ويستريح بتواضع ويختتم الكلام: "لكنه في أعماقه الخفية كان يكركر فرحاً (بخبث ومكر) لأنه وجد أخيراً عشرة قراء يقرأون روايته".
- رواية “مؤنس الرزاز” رواية تمرد على حاكم وصديق خائن.
- تعتبر من أكثر الروايات جاذبية بأسلوب كاتبها وروعة ما يحمله من خيال قاتل بين سطور روايته.

- حبكة الرواية عبارة عن قصة قاتل مأجور كانت مهمته التالية صعبة نوعا ما ولكنه قام بها على اكمل وجه كانت المهم والهدف صديقه احمد ، الصديق ابن رجل مشهور قاموا بتصفية عائلته وبقي هو بين احضان صديقه وبنفس الوقت قاتله!! عندما علم أن ساعته أتت أخبر صديقه انه يريد ان يقتله وهو مستيقظ ولكنه قتله على حين غرة باعتقاد منه انه سوف ينسى ذلك المشهد بسهولة ولكن كانت الايام والنسيان الد اعداء القاتل، فلم يجد سبيلاً إلا الاعتراف بجرائمه لكي ينام ليلة هانئة فقرر الاعتراف الى غانية استمعت لاعترافاته لفترة طويلة شاهدت الندم وشاهدت الدموع وأحست الخوف والضعف والخيانة، ولكنها لم تسمع كلمة واحدة من اعترافات ذلك القاتل لأنها صماء!! لم يعلم القاتل ذلك وبالرغم من اعترافه لها كان هنالك خوفا ينمو داخله كون تلك الغانية دليل جرائمه !! ولكنه كان أكثر جزعاً وضعفا عند معرفته بعجزها عن السمع …..
--
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن
-أفي رواية "اعترافات كاتم صوت سنجد أن مؤنس الرزاز يستخدم تقنية مألوفة في الرواية المعاصرة، أي تلك التقنية التي يوزع فيها المؤلف الكلام على المتكلمين بطريقة غير منظمة دون أن يعمد على إدارة الحوار بينهم.
- فعندما يتكلم الأب في الرواية يكتفي بالحوار مع نفسه، وكذلك تفعل الأم والابنة الصغيرة في الإقامة الجبرية حيث تعيد الشخصيات أنتاج إحساسها بالعزلة والصمت.
- ومن هنا يأخذ عنوان القسم الأول من الرواية "مدارات الصدى" دلالته المحورية، إذ أن الصدى يحل محل الصوت في غياب أي تبادل حواري بين الشخصيات.
- من جهة أخرى يمكن القول إن هذا القسم من الرواية مبني استنادا إلى أسلوب زوايا النظر، ولكنها هنا زوايا نظر تخص أحداثا متعددة لا حدثا أو موقفا روائيا بعينه.
- وهو أسلوب يفيد في تقليب معنى الفعل أو الحدث على وجوه متعددة بتمريرها في منشور تكون وجوهه شخصيات عديدة.
- وهكذا يتحلل الفعل إلى زوايا نظر تمثل الأب والأم والابنة الصغيرة والملازم والراوي.
- تقوم الابنة بتدشين النص إذ تصف مشهد العزلة.
- إن الأبطال التراجيديين الثلاثة (الأب والأم والابنة) يغرقون في العزلة والصمت رغم وجودهم معا في بيت الاقامة الجبرية.
- ولا تتواصل العائلة المسجونة مع العالم الخارجي إلا عندما يتصل الابن من الخارج في يوم محدد من أيام الأسبوع.
- ويشكل التواصل المتقطع مع العالم الخارجي تمهيدا لانتقال الرواية من الحديث عن شخصيات الاقامة الجبرية إلى الحديث عن اعترافات يوسف/ كاتم الصوت.
- وما كان ممكنا لولا حركة الانتقال الذكية (من بيت العزلة إلى العالم الخارجي) تشريح أعماق القاتل/ كاتم الصوت الذي يحتل بؤرة العمل الروائي.
- تبدأ "اعترافات كاتم صوت" بمونولوج الابن، ويلخص هذا المونولوج ظروف الاقامة الجبرية، ثم يقوم الأب والأم بجلاء شروط هذه الاقامة ويوضحان قسمات المكان المستباح بأعين الحرس.
- كما نتبين من سياق الحوارات الداخلية للشخصيات أن الأب كان مسؤولا كبيرا في السلطة التي اعتقلته.
- وتتوضح في هذه الحوارات بعض خيوط حياة هذه الشخصيات حيث يتعرف القارئ على تاريخ الأب المناضل الذي وصل حزبه إلى السلطة ثم اختلف معه فزج به في الاقامة الجبرية، وعلى تاريخ الأم التي أحبت الأب وتزوجته إعجابا به وبأفكاره السياسية.
- القسم الخاص بـ"اعترافات كاتم الصوت" يشكل المادة الأساسية في العمل، وليست الأقسام الأخرى سوى وسائل لايضاح الظروف المحيطة والانتقال إلى لحظة الاعتراف.
- ومن هنا يستخدم الكاتب في هذا القسم ضمير المتكلم موحيا بالبعد الحميم من أبعاد الاعتراف والبوح الداخلي.
- إن الصفحات (51-70) هي جملة اعتراف متصلة يقوم يوسف من خلالها بتحليل وظيفته ككاتم للأصوات شارحا لنا الأسباب التي جعلته يمتهن هذه الوظيفة.
- ويبدو المؤلف وكأنه يفرد الفضاء السردي لاعتراف كاتم الصوت عبر مونولوج طويل يتحدث فيه يوسف لسيلفيا التي استأجرها ليسرد لها اعترافاته. لكن سيلفيا لا تسمع بل تقرأ حركات الشفاه، وبما أن شارب يوسف عريض يغطي شفتيه فإنها لا تعرف عم يتحدث!
- نقبض في لحظة الاعتراف إذا على المفارقة الساخرة التي تغلف فضاء النص.
- ونحن في البداية نظن أن كاتم الصوت وحده هو الذي يجهر بصوته، وعندما نتقدم في النص نكتشف أن الطرف الذي يفترض أن يسمع الاعتراف يعاني من الصمم.
- لكن المفارقة الكبرى تتمثل في كون كاتم الصوت نفسه لا يدرك أن سيلفيا لا تسمعه.
- بهذا المعنى تطابق اللعبة السردية، التي يتوسلها الكاتب، بين صوت يوسف ومسدسه الكاتم للصوت.
- وهكذا فان الإيهام السردي، من خلال الإيحاء بالحميمية وتحقق لحظة الاعتراف وتحويل ما نسميه بالسامع الضمني إلى صورته المادية الملموسة في النص الروائي، هو وسيلة لتقليص الفعالية التي يحققها بروز ضمير المتكلم في النص لأن يوسف/ كاتم الصوت، مثله مثل العائلة المقيمة في الإقامة الجبرية، محكوم بالعزلة والصمت.
- ولعل اصطناع شخصية كاتم الصوت ووضعية الاعتراف كذلك تكشف عن نية الكاتب الاختفاء وراء الشخصية للتشديد على منظوره للعالم بأن يجعل كاتم الصوت يمارس اعترافا كاريكاتوريا أمام فتاة صماء دون أن يكتشف للحظة واحدة أنه يعري ذاته لذاته لا تسمعه الفتاة التي استأجرها لتحقيق فعل الاعتراف والتطهر من أدران ما فعله.

- إذا كانت "اعترافات كاتم صوت" تمثل في عمل الرزاز رواية الأصوات وزوايا النظر التي تجلو في حكاياتها وتأملاتها الشخصية فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها، فإن "متاهة الأعراف في ناطحات السراب"(3) هي رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر حيث يستخدم الكاتب نظرية كارل يونغ عن طبقات اللاوعي وأسلوب ألف ليلة وليلة السردي ليقيم معماره الروائي.
- إن الليل الذي تحكي فيه شهرزاد يقابل النهار الذي تتحقق فيه حكايات الليل حيث يدرك القارئ من سياق السرد أن الحاضر يكرر الماضي كما يكرر النهار الليل.

- إن بناء العمل شديد التركيب لكن ما يهمنا في هذا السياق هو أطروحة العمل الأساسية، أي كيف يصبح التراث وسيلة لتفسير ما يعرضه العمل الروائي، وكيف يصبح حكي شهرزاد رمزا للعلاقة بين الحاضر والماضي، بين الوعي الفردي والوعي الجمعي، الشعور واللاشعور، وبين طبقات اللاوعي المتراكمة الغائرة داخل الإنسان العربي المعاصر.
- ويعمل الرزاز في هذا الإطار على تقديم تصور مركب للواقع العربي المعاصر ملمحا إلى كون الراهن يتشكل من طبقات متراكمة من وعي العصور الماضية تؤثر لا شعوريا في استجابات الإنسان العربي المعاصر وتكبله وتكبح أفعاله ورغباته، ومن ثم يكون التراث لا قناعا يؤدي وظيفة شكلية في العمل بل جزءا من تكوين الوعي. إن استعارة صوت شهرزاد الحكي عن الماضي، والحديث عن طبقات اللاوعي الراسخة في وجدان الشخصية العربية، ما يجعلها تتصرف دون أن تعلم بوحي من رواسب هذا اللاوعي،
-كل ذلك يكشف اطروحة العمل وتفسيره اليونغي (نسبة إلى كارل يونغ) للعلاقة بين الفرد وتراثه الجمعي
--------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- عن مجلة أفكار الأردنية : " إن مشهد اعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويلة في ذاكرة الطفل ذي الحساسيةالمفرطة كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجدان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
- ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ماهو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .

- فنجد مثلاً أن روايته (اعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي

- ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
- وفي رواياته الأخرى اللاحقة ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من أشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها ,
- ربما لم تكن شخصياته الروائية نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها ,
- من هنا تصدعت البنيةالروائية كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامة فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً ."

- يمثل الروائي الأردني مؤنس الرزاز صوتًا متميزًا في الرواية العربية الحديثة منذ الثمانينيات.
- وينبع هذا التميز من التكوين المركّب للكاتب, الذي جمع بين ثقافة دارس الفلسفة والكاتب الصحفي والمترجم, وبين خبرات المسافر وراء الحلم القومي في عواصمه الكبرى, وتجربة المقاتل.
- يضاف إلى هذا كله ممارسة مرّةللعمل السياسي والحزبي. .
- مثّلت رواية الرزّاز الأولى (أحياء في البحر الميت) انتقالاً في رؤية الواقع العربي, ونضجًا في التشكيل الروائي. وشكّل الرزاز الضلعالثالث للمثلث الذي دخل بالرواية الأردنية فضاء الرواية العربية الجديدة والحداثية.
- تناولت رواية الرزاز الثانية (اعترافات كاتم صوت) (1986) موضوع القمع.
- بينما كانت ثالثته (متاهة الأعراب في ناطحات السحاب) (1986) بناءً فنيًّا يبعث على الدهشة, ويوغل في عالم اللاشعوروالثنائيات المتضادة, ويحكي عن المدن العربية وعن فلسطين, وعن الرمال والبداوة والعمل الحزبي.
- وجرّب الكاتب - في تلك الرواية - إمكانات اللغة المتصلة بالتراث والمنفتحة على العصر. واستعاد الماضي, وقرأ الحاضر, في محاولة للتحرر من سلطة السائد. .
- واصل مؤنس عطاءه, وعكست رواياته في التسعينيات تحولاً جديدًا في الشكل, وتركيزًا على واقع بلاده: (جمعة القفاري), (قبعتان لرأس واحد), (الذاكرةالمستباحة), (الشظايا والفسيفساء), (عصابة الوردة الدامية), وقد رسّخت هذه الأعمال موقع الرزاز بين الروائيين العرب, وأظهرته كاتبًا ماضيًا في التجريب والبحث, ومحيطًا بفن المعمار الروائي, ومناضلاً في الدفاع عن الحرية والعدل وكرامة الإنسان. ."

- من يقارب عالم مؤنس الرزّاز الروائي، يخيّل إليه للوهلة الأولى، أنّه يحاذي بعض "أشراك" الأدب المُسيّس. لكنّه سرعان ما يكتشف، أنّ السياسة هُنا، ليست غاية بذاتها أو هدفاً بذاته، بل هي وسيلة من وسائل المعرفة،وطريقة من طرق الوعي والتحليل.
- وعلى الرغم من انغماس مؤنس الرزّاز، في الحياةالسياسيّة، بل والنضال السياسيّ، فهو استطاع أن يفصل بين النضال والأدب، موظِّفاً السياسة في سبيل الأدب، لا العكس.
- ورواياته الكثيرة، تشهد على هذه الخصيصة.
- فالسياسة تحاذي الفنّ الروائيّ، ولكنّها لا تلقي بظلّها عليه، بل هو الذي يلقي بظلّه عليها.
- وقد تمكّن الرزّاز، أن يبتعد أيضاً، عن مزلق الآيديولوجيا والإلتزام المباشر، منصرفاً إلى الفنّ الروائي، في كلّ ما يعني، من بناء عالم وشخصيّات، ومن تخطٍّ للمعايير الثابتة، وترسيخ للحداثة، ومن سخريّة وهجائيّة."
--
·تابع .تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن.

- مؤنس كان يخاف أن يدهمه شبح الموت قبل أن يكمل مشروعه الذي زاوج فيه بين حرفة الكاتب المتملك لناصية النوع الروائي وحرارة التجربة الشخصية التي وزعها الكاتب على أعماله كلها.

- أدرك مؤنس أن عليه أن يبدأ كتابته مما انتهت إليه الكتابة الروائية العربية في السبعينات وما حققه جيل الستينات من تطوير للكتابة الروائية المحفوظية.

- ولعل «أحياء في البحر الميت» ترجّع صدى «أنت منذ اليوم» لتيسير سبول و «المتشائل» لإميل حبيبي، إذ يقيم الكاتب تناصاً مع هذين العملين ويخبر القارئ أن روايته تطمح إلى كتابة الواقع بطريقة قريبة من شكل تمثيل الواقع العربي المعاصر في هذين العملين الروائيين الأثيرين إلى نفسه.
- وتقيم رواية مؤنس الأولى، في الوقت نفسه، جسور نسب مع الرواية الحديثة في العالم ممثلة في «البحث عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست و «عوليس» لجيمس جويس وغيرهما من كلاسيكيات الرواية الحداثية في العالم.
- في تلك الرواية، التي تحكي عن انهيار القيم والمؤسسات القومية، وتشير بصورة غير مباشرة إلى تجربة مؤنس ووالده منيف الرزاز السياسية المرة، يؤسس مؤنس لشكل من الكتابة الروائية تعبر فيه التقنيات والشكل وزوايا النظر وأنواع الرواة عن أطروحة الانهيار التي تسكن أعماله الروائية التالية حيث يعمد إلى العناية بالشكل الروائي والمعمار المعقد للسرد، وتصبح تقنية تعدد الرواة وزوايا النظر حجر الأساس في أسلوب كتابته الروائية.
- في «أحياء في البحر الميت» ينسحب الكاتب من عمله مختفياً وراء إحدى شخصياته مضاعفاً فعل الاختفاء بجعله شخصية مثقال طحيمر الزعل تختفي وراء عناد الشاهد.
- وتكمن فرادة «أحياء في البحر الميت» في هذه اللعبة السردية، حيث يصبح البناء الروائي شديد التركيب، وتصبح الشخصيات الروائية شبحية، وتنسب فعل الكتابة الروائية إلى بعضها بعضاً، فيكتب عناد الشاهد ويعيد مثقال تنظيم أوراقه.
- ويبدو هذا المدخل الذي تتوسله الرواية تبريراً للعبة الشكل الروائي الجديد وإيهاماً للقارئ (في لعبة تغريب بريختية معكوسة) أن العمل ليس سوى هلوسات غائب عن الوعي والعالم، ويتوسل الروائي هذا الشكل للفت انتباه القارئ إلى بؤرة التجربة وأعماقها الغائرة، أي إلى التجربة السياسية الفاشلة التي خاضها عناد الشاهد.
- ليسـت «أحـياء في البحر الميت» مجرد باكورة روائية بل هي عمل تأسيسي نـجـد فـيه بــذور أعـمـال الرزاز التـالـيـة التي وسعت من أفق أطروحة الانـهيار وأقـامت من الشخصيات والأحداث والأفكار والـتأمـلات برهاناً على صحتها في الرواية والواقع.
- كان مؤنـس مـسكوناً بهذه الأطروحة يحاول تجسيدها في عمله الـروائي والتعبير عنها في مقالاته الصـحافية حتى تمكنت منه وأصبحت هاجسه وديدنه في الحياة والكتابة.
- في روايته «اعترافات كاتم صوت» يعيد مؤنس الرزاز تركيب أطروحة الانهيار من خلال تحليل واقع المؤسسة الحزبية القومية التي تحولت إلى مؤسسة توتاليتارية مرعبة تأكل أبناءها، وتستبدل الحزب القائد بالقائد الأوحد، مؤدية إلى تبخر فكرة الثورة وعلاقتها بالجماهير التي ادعت أنها قامت من أجلها.
- وقد استعمل مؤنس، للتعرف الى تحولات السلطة وتوالد القمع وازدياد سطوته، تقنية الأصوات وزوايا النظر المتعددة من خلال إعطاء الكلام للقامع والمقموع والشخصيات المراقبة في الآن نفسه.
- وتجلو هذه الشخصيات في حكاياتها وتأملاتها فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها.
- وعلى رغم تخلل سيرة مؤنس الشخصية لـ «اعترافات كاتم صوت»، إذ إن أسرته حاضرة بوضوح في هذا العمل كما هي حاضرة في «أحياء في البحر الميت» وفي أعماله التالية، فإن تقنية زوايا النظر تتيح المجال للكاتب لكي يخفي، ما أمكنه، بعد السيرة الذاتية في العمل، معمقاً هذا البعد الأساسي في أعمال مؤنس الروائية كلها.
- ينبغي أن نتنبه في هذا السياق الى أن روايات مؤنس تستند إلى نتف من حياته الشخصية، والأمكنة التي عايشها، والأشخاص الذين التقاهم أو أقام معهم صداقات عميقة طوال حياته. لكن هذا البعد الشخصي في تجربته الروائية يجري تغريبه، وتذويبه في مادة الرواية التجريبية التي تقوم لديه على اختبار السرد وقدرته على تصوير الواقع في رواية تشكك بمادتها على الدوام، ما يجعل القارئ في «اعترافات كاتم صوت» (التي تستند في مادتها الروائية إلى حكاية إقامة منيف الرزاز الجبرية في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين ووفاته وهو رهن تلك الإقامة وعودته إلى الأردن في تابوت) يحار في طبيعة العلاقة بين شخصية كاتم الصوت والرجل الذي يفكر في قتله.
- إن غاية هذا العمل الروائي هي سبر غور الشخصيات، والتعرف إلى آليات تفكير مثل هذه الشخصيات العصابية التي يستخدمها الحاكم المستبد للقتل والتخلص من مناوئيه في السلطة.
- في «متاهة الأعراب في ناطحات السراب» يبني مؤنس الرزاز رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر، حيث يستخدم الكاتب نظرية عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ عن طبقات اللاوعي الجمعي، المتراصفة طبقة وراء طبقة والتي تكرر نفسها في لاوعي الأفراد، لبحث كيفية تفكير العرب المعاصرين، والتمثيل روائياً (من خلال توالد الشخصيات من بعضها بعضاً، وحلول الواحدة منها محل الأخرى، والاعتماد في ذلك على عقيدة التناسخ) على شدة تأثير الماضي وأزماته في حياة العرب في الزمان الحاضر.
- ولكي يستطيع الروائي إقامة بنائه السردي الذي يستند إلى فكرة مستلة من علم نفس الجماعات، ويجعل في الإمكان تمثيل هذه الفكرة روائياً، من دون أن تتحول الشخصيات إلى مشاجب للأفكار وترجمة للقراءة النظرية للتاريخ، فإن الرزاز يستخدم أسلوب «ألف ليلة وليلة» السردي، حيث تتوالد الحكايات من الحكايات، ويتشابك السرد، وينشق وعي الشخصيات الآتية من الماضي السحيق والمقيمة في الحاضر في الآن نفسه، مؤسساً بذلك معماراً روائياً مركباً يسبر أغوار النفسية العربية في اصطدامها بزمان التكنولوجيا المعاصرة والهيمنة الغربية.
- نعثر على هذه العلاقة التناقضية بين مادة الحكاية الواقعية والحكاية نفسها في «جمعة القفاري» و «مذكرات ديناصور» حيث تتميز الشخصيتان الرئيستان في هذين العملين بانفصالهما عن الواقع المحيط بهما، واغترابهما عن البيئة الاجتماعية وعدم قدرتهما على معايشة الواقع من حولهما.
- ومن هنا تنشأ المفارقة والباروديا (المحاكاة الساخرة) والسخرية المرة الجارحة في النص الروائي. ويكتشف القارئ أنه بإزاء عالم انكشف خواؤه الداخلي.
- كما تذكرنا الشخصيات التي يقوم الرزاز بتخليقها (جمعة القفاري في رواية «جمعة القفاري»، والديناصور في رواية «مذكرات ديناصور»، وبئر الأسرار في روايتي «سلطان النوم وزرقاء اليمامة» و «حين تستيقظ الأحلام») بـ «متشائل» إميل حبيبي و «الجندي الطيب شفايك» للكاتب التشيكي ياروسلاف هاشيك، وبالطبيعة المعقدة لهذه الشخصيات التي يكشف هؤلاء الروائيون من خلالها عن المستور والمحجوب من مادة الواقع اليومي، مبرزين بذلك التناقض الحاد بين المثال والواقع.
- أن الأعمال الأخيرة، بدءاً من «جمعة القفاري: يوميات نكرة» (1990) وانتهاء بـ «ليلة عسل» (2000)، قد كتبت تحت ضغط التعبير عن موضوعة جديدة تطورت في كتابات مؤنس، وهي تدور حول فكرة الإنسان الهامشي، أو أبله العائلة (بتعبير جان بول سارتر في كتابه عن الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير) أو ما يقع في دائرة الظل تطحنه الحياة اليومية الحديثة اللاهثة.
------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت
الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- جمع في شخصيته ميزات استثنائيه جعلته بحق شخصيه تحوز الاجماع الوطني العام بشقية الرسمي والشعبي مثلما كان في حياتة يحوز على رضاء الجميع.

- لعل تجربة مؤنس الرزاز الابداعية تعتبر واحدة من أشد تجارب المتابه وضوحاً في انحيازها وطواعيتها لسياقات المحطات الحياتيه والتاريخيه وانعكاساً وتأثيراً , حتى بدا ان المعمار الروائي الذي شاده الراحل مؤنس انما استمد مادته الأساسية من هول الأيام وهواجس الذات وتجاربها المرة , ليس رصيداً عيانياً بقدر ماهو تفاعل مع مشهدياتها وأبجدياتها سواء بالتعبير عنها أو بمحاولات الخلاص وطئ قسوتها وشدتها .
- فذلك الطفل الذي سيولد لأب مناضل سيقضي طفولة مختلفه عن أقرانه فوالده الطبيب منيف الرزاز كان سياسياً معروفاً في فتره حفلت بكل عناصر الاندفاع حيث سيشهد الأبن مع ابية دورات متناقضة من التردد بين علو السلطة وإمتيازاتها وبين فداحة السجون والمعتقلات مقابل أحلام الأمه .
- ان مشهد أعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويله في ذاكرة الطفل ذي الحساسيه المفرطه كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
- ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ما هو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .
- فنجد مثلاً أن روايته (أعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
- وفي رواياته الاخرى اللاحقه ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من اشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها ,
- ربما لم تكن شخصياته الروائيه نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , من هنا تصدعت البنيه الروائيه كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامه فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً.

. عن أعترافات كاتم صوت يقول الاستاذ حسين جلعاد " تجلى طموحي في أن أموت موتاً طبيعياً مبكراً لا منتحراً "...لعل هذه المقوله واحدة من أفجع مشاهد الاعترافات التي أنكب الراحل مؤنس الرزاز على كتابتها قبل رحيله , حين كان يؤشر على سيرة جوانبه لم ننتبه الى فداحتها إلا حين فاجأنا برحيله .