عرض مشاركة واحدة
قديم 02-27-2016, 05:59 PM
المشاركة 1428
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع اليتيم رقم 6 حليم بركات


- حليم بركات الروائي السوري , وعالم الاجتماع يقدم في روايته (طائر الحوم) ما يشبه السيرة الذاتية متضمنة رحلة الآلام والآمال , ويبدو الماضي أمامنا وكأنه لايزال يتقد جمراً ..
- من جعبة تلك الأيام نتوقف عند لحظات لاتنسى, بل لنقل هي العمر كلّه منسكباً نحو القادم : تذكرت أنني في طفولتي دخلت فجأة كثافات غيوم سوداء تضيئها بروق وصواعق متكررة .. كان قد توفي والدي فجأة في الثلاثينات من عمره دون إرث من أي نوعٍ سوى بغلٍ كان يكاري عليه وبيت حجري دون غرف ترابي السطح .. فاضطرت أمي أن تنزح بنا أنا وأختي وأخي الى مدينة بيروت بعد أن جاهدت عبثاً في القرية مدّة سنة أو أكثر . عملت خبّازة على التنور (تلقى أجرها عدة أرغفة ساخنة ) وحصّآدة موسمية في مناطق نائية كان أهل القرية يسمونها (مشرّف) مازلت أحسّ بالجوع حين أتذكر أرغفة القمح الساخنة المخبوزة على التنور خصوصاً أننا بعد موت أبي كنا نضطر أحياناً أن نأكل خبز (المخلط) من قمح وذرة وشعير وهو خبز الفقراء.. نتقاسمها بعد أن نمعس رأس بصلة ورأس شنكليش نغمره بزيت الزيتون أحسّ الأن بالجوع مع أنني تناولت وجبة كبيرة منذ فترة قصيرة لمجرد تذكر الشنكليش والبصل والزيت , ومهما كان , كنّآ نقدر حياتنا ونتمتع بها. عدا جمال القرية وطيبة الناس فقد أُفلتنا فعلاً من قبضة الموت الذي قضى على أربعة أخوة وأخوات قبل أن يبلغوا الثانية أو الثالثة ثم قبض على أبى...
- يقول الراوي، وهو يلخص علاقته بالضيعة: "الضيعة وأناسها وينابيعها وتلالها وأوديتها وطيورها وطرقها وازدهارها وأشواكها وأحزانها وأفراحها شرشت في نفسي. لا أحد، لا شيء يقتلعها من نفسي. وكلما ذبلت شجرة حياتي، كلما نبتت شجرة أخرى من جذورها العميقة". أما عن اكتشاف الجنس الآخر، وبمقدار ما تختلس الفتيات النظر إلى الصبية وهم يسبحون في النهر عراة، فإن الصورة التي ترتسم في ذاكرة الفتيان أشد سطوعاً: "حين تسبح الفتيات في النهر بثناياهن وتبتل تلك الثياب، تبزغ خيرات الأرض فعلفه بضباب شفاف" فيتولد الحنين إلى الاكتشاف ويحلق الخيال وهو يصرخ: "ما أجمل غموض الجسد"، وهذا ما يجعل الالتقاء الالتحام يوماً، أمراً حقيقياً لأن "حدس الجسد لا يخون".

- "طائر لحوم" رواية متفردة بالغة الرقة والحساسية،
- إضافة إلى مرآتها في التصدي لعدد من القضايا الشائكة التي تكاد تكون حرمة.

- هذا عدا عن معمارها الفني الجديد والمتميز.

- وبقدر ما توغل هذه الرواية في الماضي. بحيث تبدو أقرب إلى سيرة الطفولة، فإنها شديدة الحضور من الراهن، في الهموم المعاصرة، كما لا تغفل عن التنبيه لأخطار المستقبل.

- لذلك ليس من السهل تصنيفها ضمن العناوين السائدة، أو حصرها في إطار ضيق، إنها تذكر وبوح وتأمل، وتصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الشعر الخالص، دون أن تنسى خطها الدرامي الذي يجعلها إحدى أبرز الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة.
----

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا

- الرواية تعد سيرة ذاتية ( تحدث عنها الكثيرون باعجاب شديد وقلة من تمكنت من قراءتها لعدة اسباب تتعلق بانتقال الكتاب عبر اشواك الحدود العربية )

- وهذا النوع من الادب قليل جدا في ادبنا العربي أصلا ، ويعاني من احجام اعترافات المبدعين وتخوفهم من اظهار تجاربهم وحياتهملعيون الناس ،

- وقد تم طرح هذه الاشكالية للسير الذاتية في الكثير من وسائل الاعلام المقروءة ولكن يبدو ان حياتنا العربية ما زالت تخاف البوح

- وانتشيت ايضا لأني لمحت رائحة تأثر هذه الرواية وبتأثر مؤلفها بنيرودا ..

- وهكذا نجد انفسنا في دائرةالتأثر والتاثير .. ولذلك يصير الأدب انساني كوني بروح الانسان فيه

- كتاب يثيرالكثير من الموضوعات منها على سبيل المثال لا الحصر : غياب السير الذاتية كجنس ادبي ابداعي ، معاناة المثقف العربي وتغييب دوره في حياتنا العربية

- اضافة الى الصراع الانساني مع الحياة والموت ، وكلاهما يتحولان الى رموز يومية تتنفس معنا

- في هذه الرواية يقدم لنا حليم بركات بأسلوب شاعري أخاذ ،تقريراً صادقاً عن حياته الشخصية

- ففي رواية قصيرة ذاتية ومركزة يستعيد بركات ماضيه كله ويزودنا بوثائق أصيلة عن رحلة حياة طويلة في الاقتلاع والحنين إلى الوطن والإغتراب والنفي الأبدي ، مما يجعل القارئ يلهث وراء الكاتب في رحلته القاسية والشديدة الانحدارات محاولاً أن يجد أجوبة لتلك الأسئلة الصعبة التي طرحتها الرواية .
- لكن تجربة الكاتب الشخصية سرعان ما تتحول إلى بيان عام أشمل يتجاوز واقع كاتبها لينسحب على المفكرين العرب الذين يعانون الاضهاد والنفي.

- يأتي كل هذا بأسلوب اعترافي يفصح عن تجارب شخصية غايةفي الخصوصية ويكشف بصراحة متناهية عن أفكار مغيبة في لا شعور الكاتب ويسلط الضوءعلى خمسين سنة من تاريخه وأحداث حياته .

- وبركات الذي هو داعية من دعاة التغيير السياسي والإجتماعي في العالم العربي وعربي قومي معروف ، إذ يركز على حياته الشخصية ويعرضها أمامناعارية إنما يقوم من خلالها بكشف عري العالم أجمع وعري علاقاته في آن معاً .

-وفي كتابته المهووسة بحنين جارف لقريته وطفولته ووطنه وأبيه وأمه يسيطر اللاوعي واللاشعور على قلمه فيستحضر أحداثاً دفينه من الماضي ويستدعي أحلاماً وذكريات غيبهاالنسيان سابقة ومستترة في النماذج البدئية واللاوعي الجمعي للفرد والأمة على السواء
- فيكسر قشرة أسراره منذ الطفولة ويمليها في واقع راهن فتأتي في مشاهد ملونة ومأساويةمعاً .

-وقد قال فيها الروائي الكبير عبدالرحمن منيف إن هذه الرواية ” تذكر وبوح وتأمل .. وكتبت بدماء القلب ” .

- تبدأ بنقطة إرتجاع سينمائية وتنفتح على مشهد من الماضي هو ” الكفرون ” قرية الكاتب ومسقط رأسه إذ تظهر في السماء أسراب من طيورالحوم الوديعة الرائعة الجمال تتأمل رحيلها إلى مناطق دافئة بعد أن إنتهى موسم الصيف وبدأ فصل الخريف .

- وسرعان مايتحول هذا المشهد الهادئ الجميل إلى مشهد دموي إذ يطلق الصيادون الأشرار نيران بنادقهم فجأة على الطيور البريئة فتسقط مضرجةبجراحاتها بأجنحة مترنحة ويتناثر ريشها الأبيض والأسود فوق رؤوس الأشجار ثم يسقط في النهر حيث يمتزج ماؤه بالدماء .
- وأمام هذا المشهد يقف الطفل الراوي مراقباً بجزع وخوف الطيور الصامتة البريئة وهي تنتظر موتها البطئ . ومنذ هذه اللحظات يتوحد الطفل بطائر الحوم ليصبح عنده ، فيما بعد ، رمزاً للمفكر العربي المظهد ، المحاط بكل قوى الشر والطغيان ، الذي يدور إلى الأبد حول الكرة الأرضية ولا يجد مواطئا لقدمه ،باحثاً على الدوام عن الحرية والخلاص لنفسه ولأمته في آن معاً ، وناشداً الحلول لتناقضات الكون الحادة في الفرح والحزن ، في الفقر والغنى ، في الحب والكراهية ، في الشرق والغرب ، وفي البحث عن معنى الحياة والموت .

- بات الطفل الرواي الذي شهد عدوان الصيادين وشر الناس معذب روح الطفولة نتيجة الظلم والعدوان الممارس ضد الطيور والمنطبق على الأفرادوالمجتمعات والأمم . كما بات مشحوناً بكراهية شديدة لبشاعة هذا العالم ، الذي ينذرنفسه داعية للتمرد والحرية والثورة في كل مجالات الحياة ، على مستوى الفرد والمجتمع.---


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا
- حقيقة أن بركات يتصدى في روايته هذه لموضوعات صعبة ومعقدة وتنسحب بالتالي على الماضي والحاضر والمستقبل .

- وأبعد من هذا فانه يأخذ طريق الخلاص وذاك عن طريق مايقدمه الكاتب من رؤى وإضاءات تستشرف المستقبل .

- والواقع أن مثل هذه المواقف القومية ليست بالغريبة ولا بالجديدة . فسبق للشعراء والروائيين العرب أن حملوا أنفسهم مهمة تصوير وتأريخ ويلات شعوبهم بما فيها وقائع الظلم التي يعيشها شعب فلسطين ، ووقائع التعسف التي يقوم بها القادة العرب ضد شعوبهم ، وأوضاع التفتت والإنقسام في الأمة العربية .

- إلا أن بركات يخرج عن إطار مسؤوليته تجاه الوطن العربي ويتجاوزها إلى العالم كله إذ يتوحد بشعب افريقيا في جوعه وفقره ، وبأطفال اليابان في مأساتهم إثر ويلات القنبلة الذرية فيهيروشيما كما يتوحد بالأقلية السوداء في الولايات المتحدة في نضالها لإنهاء سياسيةالتميز العنصري .

- إنه باختصار يتوحد بكل الضعفاء والمقهورين والمظلومين في العالم وبكل العاجزين الذين لا صوت لهم .

- إن مثل هذا التوحد الإنساني مع المسحوقين ومثل هذا التعاطف الكوني معهم إنما يأخذ مثالية عالية مليئة بصيحات تبشرية متواصلة تحض على التمرد والرفض والمقاومة .
- وفي مشهد آخر يستعرض بركات ذكرى أليمة عصفت به وهو طفل حين يقف برعب وهول أمام فراش أبيه الذي كان يواجه الموت في آخر لحظات احتضاره ، فتأتي كلماته بالغة التأثير قوية ، خارقة للروح وباعثه على البكاء .

- ولا بد لنا أن نسجل هنا أن ما كتبه بركات في هذا الصدد يعتبرمن أكثر الكتابات قوة وتأثيراً في الأدب العربي الحديث .

- إضافه إلى أن وصفه لشخصية أبيه ، هذه الشخصية التي طغت على الرواية وتسربت في ثناياهها ، تدخل وعي القارئ ولا تخرج منه . لقد رسم صورة رائعة ، صورة أب أصيل من أيام الدنيا الغابرة ، مثالي ، ذي وقار وذي هيبة يمضي عمره في خدمة زوجته وأولاده ، مجبول بالحب والتضحية

- وهذا الطفل الذي فقد أباه في الكفرون والذي شهد موته المفاجئ الأليم والذي فقد صورة المثال الأعلى ، والقدرة على الحياة ، هذا الطفل يكبر ثم يرحل إلى أمريكا ويصبح أستاذاً جامعياً .

- لكنه في البلد الذي هاجر إليه يعود لمواجهة الموت من جديد . هذه المرة يواجه موت أمه الطاعنة في السن ، إلّا أن التجربة هنا تختلف فهذه السيدة الفاضلة النبيلة والتي كان الكاتب قد أهداها أحد أعماله الروائية بالعبارة التالية ” إلى الملحمة التي كانت حياتها سلسلة عطاء ومحبة ” .هذه الأم هي مريضة الآن بأكثر من مرض ومصابة فوق ذلك بالنسيان وأمست في حالة فقدان وعي دائم وتتأرجح ما بين الحياة والموت .

- ومع تأرجحها المرير هذا يتأرجح الكاتب معها بين هذين العالمين .

- فالكاتب المعذب بعذابات أمه وآلامها يعيش من جديد تجربة موت أبيه ويقف ممزقاً وعاجزاً عن فعله أي شيئ إلا الدعاء لله أن يأخذ أمه إليه رأفة بها وبه ، وفي هذا المشهد يغوص الكاتب في معاني الموت والحياة ويطرح فيها أسئلة كونية وأن كانت كلماته في موت أبيه حادة ومؤثرة إلا أن كلماته في وصف صورة أمه القديسة لا تقل قوة وحساسية عنها بل تنحفر بعمق في وعي القارئ وتبقى خالدة .

- لاشئ يموت ولاشئ يتلاشى في ذاكرة الكاتب ، فها هو يستعيد مشهد آخر لشخصية من أيام طفولته تعمل أثراً في النفس لا يمحى . إذ كان في القرية شخص معتوه يدعى مخول ، كان غريباً ومشرداً وعجيب الخلقة . لا أحد يعرف من أين جاء أو أين ولد ، لذا كان عرضة مستمرة لتهكم أطفال القريةوإهاناتهم غير المحدودة ، يضحكون منه ويلاحقونه بالعصي والحجارة على مر السنين .

- ويأخذ المشهد بعداً مؤثراً حين يتذكر الكاتب أن أباه كان في إحدى الأمسيات يغني بصوته الدافئ أبيات العتابا بلحن عاطفي حزين ، وكان في الشارع وخلف الدار يقف مخول يجهش بالبكاء وتنهمر الدموع بمرارة على وجهه ،

- لقد اخترقت أبيات العتابا روح ذلك المعتوه وأثارت شواجنه الدفينة وعواطفه المقموعة في داخله .

- أزاء هذا المشهد يحدث وعي فجائي عند الطفل الراوي تجاه مخول ويتعاطف معه ، وينذر نفسه للدفاع عنه ضدأطفال القرية .

- ربما كانت أعظم خدمة قدمها بركات في روايته هذه هي تخليد قريته ومسقط راسه كفرون ، فهذه القريةالمغمورة الصغيرة في سوريا والتي لم يسمع بها كثيرون تصبح فجأة ذات شأن ومعروفة في العالم

- أن حب الكاتب الشديد لها واخلاصه الهائل لها ووصفه الحي لأشجارها وكرومهاوطرقها وأوديتها وأناسها والذي سيطر على الرواية كان ذا أهمية بالغة في تحويلها إلى مكان تاريخي ذي دلالة خاصة ، وفي جعلها بطلاً رئيسياً في الرواية .

- إنه لمن المفارقة أن نجدالكاتب يطلق لفظ حبيبتي على زوجته طوال الرواية ، إلا أنه لم يستطع ان يعطيها وصفاًغنياً أو رائعاً كما هو الحال في معظم شخصيات الرواية ، ونجد أن الحوار والجدال بينهما لم يكن إلا وسيلة وأداة فنية هدفها استدعاء الأحلام واستحضار ذكريات الماضي وأثارة التساؤلات حول المستقبل ، وعلى طوال الرواية بأسرها تبدو علاقته بها ، وكذلك علاقتها به ، علاقة فكرية محورية المركز دون أن تكون علاقة حب حقيقي بين شريكين . إلا أن ” طائر الحوم ” تبقى واحدة من اقوى الروايات في الأدب العربي الحديث ومن أكثرها شفافية وحساسية . وهي في حقيقة صراحتها وأسلوبها الاعترافي نادرة ومميزة ،أنها رواية مليئة بالمشاعر وبالألتزام الحميمي وبروح المقاومة .

- انها حقاً بمثابة مرآة لروح هذا الكاتب
- وسجل حافل بتاريخه الشخصي ،

- وسجل تاريخي خالد لقرية كفرون ،

- إنها تبدوكشجرة علقت على أغصانها أحداث أجيال متعاقبة ،

- وأنها بحق إنجاز كبير آخر يضاف إلى أعمال هذا الروائي وشهادة ميلاد وجواز سفر .

- وتبقى الرواية إسهاماً قيماً وهاماً في الأدب . لقد جعلتنا ننظر إلى الأشياء بعين مختلفة وبطريقة مغايرة وفوق كل شيئ وفرت لنا فرصة لنتفحص حياة هذا الكاتب العربي . - يقول الشاعر السوري شوقي بغدادي عن الرواية " إنها رواية تعصر القلب وتغسل الروح “

---

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا
- حليم بركات مؤلف رواية "ستة أيام" اعتبرت بمثابة نبوءة، لأنها تخيلت حرباً إسرائيلية عربية تمتد لستة أيام وتنتهي بهزيمة عربية علما كتب حليم بركات هذه الرواية قبل حرب حزيران 1967 بستة أعوام.

- ابتداءَ من أول صفحة في روايته يبدأ "حليم بركات" بالأسئلة الصعبة التي ليس لها أجوبة!.. أسئلة قاسية وكثيفة ينقلها إلى قارئه كيفما اتجه دون أن يفهم لم كل هذه العواصف ؟ .. ولم تصطخب في نفسه الهادئة أحداثٌ لم يكن ينتظرها؟؟
" لماذا موت أبي السريع في ذروة الشباب، وموت أمي البطئ الذي لايأتي؟"
" لماذا تلاحقني جراحك ياطائر الحوم؟
"
"متى الغروب؟ متى الخلاص؟ "
أسئلةٌ لاتنتهي و "تخفق باضطراب ".. تماماً مثل ظهور طيور الحوم في سماء الكفرون!

- يملؤنا الكاتب لهفةً لمعرفة كل شيئ عن طفولته وأيامه التي عاشها قبل الهجرة. ومع تناقض الحياة بين الكفرون وواشنطن نعيش معه وندخل إلى قلبه لنعرف هذا الكمّ الملوّع من الذكريات المخبأة بانتظار البوح.. إنها الرواية التي ينقلك فيها "حليم بركات" بكل ذاكرته إلى جوارحه وألمه ..و جرأته، و إلى كل الصدق الذي.. نفتقده !

- يقول "كتبت هذه الرواية أصلاً قصة بعنوان " اهبط أيها الموت إلى الكفرون" سنة 1962 لدى زيارتي الأولى للولايات المتحدة، ونشرتها في مجلة "أدب" بيروت صيف 1962، العدد الثالث، ص 26 ـ 35 . أعدت كتابتها في فترات متقطعة بين 85 ـ 87 بعد زيارة مفعمة للكفرون فأخذت شكلها

ـ "طائر الحوم" رواية متفردة بالغة الرقة والحساسية، إضافة إلى جرأته في التصدي لعدد من القضايا الشائكة التي تكاد تكون محرمة، هذا عدا عن معمارها الفني الجديد والمتميز.

- وبقدر ما توغل هذه الرواية في الماضي بحيث تبدو أقرب إلى سيرة الطفولة، فإنها شديدة الحضور في الراهن، في الهموم المعاصرة، كما لا تغفل عن التنبيه لأخطار المستقبل لذلك ليس من السهل تصنيفها ضمن العناوين السائدة، أو حصرها في إطار ضيق.

- إنها تذكر وبوح وتأمل، وتصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الشعر الخالص، دون أن تنسى خطها الدرامي الذي يجعلها إحدى أبرز الروايات التي صدرت في السنوات الماضية .

ـ وهكذا يسافر الطائر حليم بركات من أميركـا إلى سورية، إلى وادي الكفرون، ويحط مطمئنا مبهورا وينادي طائر الحوم كزميل له، وهما يحلقان معا في سماء الكفرون مثلك يا طائر الحوم إذن من ماض واحد: هو ماضي الكاتب

- كذلك يتقمص الطائر ماضي الكاتب (الماضي الفردي). إن طائر الحوم هو أيضا أبوه. هكدا يصف حليم بركات كيف اقترب من أبيه المحتضر، "فاقتربت بوجل كما اقتربت من طائر الحوم المصاب". وطائر الحوم كذلك أمه: "يرقد جسدها الصغير فوق رأسها وتتنفس بصعوبة.

- أضطربت كما اضطربت أمام طائر الحوم الجريح لا أدري ما أفعل. ولا يكتفي بركات برموز الطيران ليتحرر ويدخل في مصير من "الخفة". إن الحرية لا تكفيه. إنه يبحث أيضا عما يطهره وينقيه من أدران العالم. وكـما ارتفع في الفضاء سوف نراه يغتمر الأنهار ليغتسل فيها.

- هكذا تتأرجح الرواية من طيران إلى وقوع، ومن ارتفاع إلى هبوط. إن بركات يحب المرتفعات بقدر ما يكرهها، وهو يعرف، كما يقول باشلار عن ريلكة، "إن كل حلم بالطيران يتضمن السقوط البطيء أيضا… إن الحلم بالطيران هو دلالة على شخصية جامعة بين السقوط والسمو عبرت القارات وحلقت فوق القمم ومع تحليقه، يبلغ الطائر حليم بركات أقصى التطابق مع العنصر الروائي الذي تبناه.