عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-2015, 11:21 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اقتباس من مقال الاستاذ عدنان عبد النبي

" يقول أبو هلال العسكري في كتابه ( الصناعتين) : [ فإذا عملت القصيدة فهذبها ونقحها ،بإلقاء ما غث من أبياتها والاقتصار على ما حسن وفخم ، بإبدال حرف منها بآخر أجود منه حتى تستوي أجزاؤها..]
بينما يرى ابن قتيبة أن التنقيح نوع من التكلف ، فالمتكلف عنده ( هو الذي قوّم شعره بالثقاف ونقحه بطول التفتيش وأعاد فيه النظر بعد النظر )"

- بخصوص هذه الجزئية / ارى بان دعوة ابوهلال العسكري للتهذيب خطيرة جداً والسبب ان عملية التهذيب هي عملية واعية ومصدرها العقل الواعي المحدود في قدرته بينما الشعر مصدره العقل الباطن اللامحدود.

بمعنى عندما تحين لحظة الإلهام يتولى العقل الباطن توليد القصيدة والعقل الباطن كما يرى علماء النفس والدماغ هو صاحب قوة غير محدودة ولا نهائية وهو بذلك يكون قادر على توليد نصوص متفوقة وقد تشتمل القصيدة على لغة كودية تحمل على معاني مستقبلية فعندما يخضع الشاعر القصيدة للتهذيب فهو ينطلق في عمله من عقله الواعي الذي لا يستطيع استيعاب قيمة ما تولد من عملية الإلهام فلذلك تكون اي عملية تهذيب تتخطي الامور الشكلية التي تساهم في تحسين النص من النواحي الشكلية ومن ذلك الوزن والقافية فان تلك العملية تكون بمثابة وأد للنص او لأجزاء منه تبدو ظاهريا للشاعر ليست ذات قيمة خاصة في لحظة ولادتها لكنها تكون في الواقع ذات قيمة عالية.

ولا بد ان كل شاعر اختبر هذا الامر حيث كاد يلقي بقصيدته في سلة المهملات حال ولادتها لكنه لما عاد لها بعد حين اكتشف انه كاد يرتكب جريمة في حق نفسه وحق القصيدة حيث وجد فيها قيمة لم يكن قادرا على رؤيتها عند الولادة .

ذلك ان الشاعر لا يمكنه ان يصدر حكما صحيحا على النص خاصة في اللحظات التي تلي ولادته وانا على قناعة ان الكثير الكثير من الأشعار ذات القيمة العالية اعدمت قبل ان تصل الي المتلقين واحيانا اعدمت بسبب عجز النقاد عن فهمها وفهم لغتها الكودية واعتبروها شعر رديأ لانها لا تلبي قوالبهم الجاهزة التي هي من صنع عقلهم الواعي المحدود .

حتى ان الشاعر نفسه احيانا لا يعي أبعاد ما قاله في شعره ولو ان قصيدته تتصف بانها عادية وليست ذات لغة كودية ومثال ذلك يقال ان ابي النواس سمع احد المدرسين وهو يشرح بيت شعر له امام التلاميذ يقول :

اسقني خمرا وقل لي انها الخمر

حيث اعتقد المدرس ان ابو النواس استخدم كلمة ( قل لي ) في بيت الشعر من اجل ان يستشعر الخمر بكافة حواسه فهو يلمس الكأس ويراه ويتذوقه ويشتم راحته لكنه أراد من صاب الخمر ان يقول له أيضاً انه هذا خمر حتى لا تغيب حاسة السمع عن الموقف .. فقال ابو نواس والله ما قصدتها
.

خلاصة القول لا شك ان اي عملية تهذيب او تشذيب تؤدي الي تغيير جوهري في النص هو جريمة بحق النص وعلى كل شاعر ان يثق بما يأتي به عقله الباطن اي العملية الإلهامية وان لا يأد اي نص على اعتبار انه من غير قيمة وان يترك الامر للجمهور والزمن ليحكم على النص وان تقتصر اي عملية تشذيب على الجوانب الشكلية التي لها علاقة بالوزن والقافية شرط ان لا تحدث العملية تغيير في المعنى الاصلي.

كما على النقد ان يتحرر من محاولات وضع النص في أطر وقوالب جاهزة وان يكون دور الناقد محاولة استخراج الحلي وتحديد مكامن الجمال في النص وليس الحكم عليه من حيث الجودة والقيمة .

وعلينا حتما ان نتجنب الحكم على النصوص لحظة ولادتها وان كان لا بد من ذلك فعلينا الاستعانة باخر يقوم بهذه المهمة لكن علينا ان لا نسلم ذقننا له بشكل كامل لأننا نعرف بان العقل الباطن لا محدود القوة وقد يأتي بنصوص بلغة كودية تحمل على معاني مستقبلية تبدو غريبة عجيبة لحظة ولادتها.

وفي ضوء تكشف قدرة العقل الباطن المهولة ربما علينا ان نبدا بتقبل النص كما يلد ونرفض اي تعديل عليه مهما قل شانه ولو كان شكليا ولكن في هذه الحالة لا بد ان يحاول الشاعر امتلاك حصيلة ثقافية وتجربة غنية تساعده على وضع نصوص اقرب الي الكمال من حيث الشكل .

وانا على قناعة تامة ان جودة النص وقيمته وكوديته له علاقة بالنشاط الذهني الذي كلما ارتفع منسوبه كلما صار قادرا على توليد نصوص متفوقه وذلك مرتبط بماسي الطفولة عند الشاعر فنجد ان الشاعر الذي واجه اشد الماسي في طفولته يكون اقدر على توليد نصوص متفوقة واحيانا عبقرية لا تحتاج التي التهذيب والتشذيب ومثال ذلك المتنبي والإمام الشافعي وادجر الن بو ...

ومن الخطأ الشنيع ان يعتقد الشاعر ان عليه تهذيب ما تأتي به العملية الإلهامية .

.