عرض مشاركة واحدة
قديم 08-14-2010, 08:58 PM
المشاركة 2
أحمد صالح
ابن منابر الـبــار

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي تابع
كانت السماء تمطر ببطء ولكن دون توقف. وكان الكولونيل يود أن يلف نفسه ببطانية صوفية ويعود من جديد إلى سريره المعلق. ولكن إلحاح الأجراس البرونزية ذكٌره بالجنازة، فدمدم: 'يا لأكتوبر'، وسار نحو وسط الغرفة. وعند ذلك فقط تذكر ديك المصارعة المربوط بقائمة السرير.
وبعد أن حمل الفنجان الفارغ إلى المطبخ، ملأ الساعة ذات البندول المثبتة ضمن إطار خشبي مزخرف في الصالة. وعلى العكس من غرفة النوم الضيقة التي لا تناسب تنفس المريضة بالربو. فقد كانت الصالة واسعة. وفيها أربعة كراسي هزازة من الليف حول طاولة من الجص. وعلى الجدار المقابل لذلك الذي علقت عليه الساعة. علقت لوحة لامرأة متكئة وسط حرير ناعم شفاف ومحاطة بعشاق في مركب يغص بالزهور.
كانت السادسة وعشرين دقيقة عندما انتهي من تعبئة الساعة. بعد ذلك حمل الديك إلى المطبخ، وربطه إلى دعامة بجانب حفنة من الذرة. نفذت مجموعة من الأطفال من خلال السور المتشقق، وجلست حول الديك لتراقبه بصمت.
ـ لا تنظروا كثيرا إلى هذا الحيوان. فالديوك تتآكل من كثرة النظر إليها قال لهم الكولونيل.
ولكن الأطفال لم يرفعوا أنظارهم عن الديك، وراح أحدهم يعزف على الهارمونيكا أنغام الأغنية الدارجة 'لا تلمسني اليوم'، فقال له الكولونيل: 'هناك ميت في القرية' فدس الطفل الآلة في جيب بنطلونه ومضي الكولونيل إلى الغرفة ليرتدي ملابسه ويذهب إلى الجنازة.
لم تكن ملابسه البيضاء مكويّة بسبب نوبة الربو التي أصابت المرأة. وهكذا كان عليه أن يستقر رأيه على ارتداء بدلة الجوخ السوداء التي استخدمها في مناسبات خاصة جدا بعد زواجه. وقد كلفة العثور عليها في أسفل الصندوق جهدا ليس بالقليل. كانت ملفوفة بأوراق الصحف، ومحفوظة من العث بكرات صغيرة من النفتالين. تابعت المرأة التي كانت مستلقية على السرير التفكير بالميت وقالت:
ـ لابد وأنه التقي مع أغوستين الآن. ويمكن ألا يكون قد حكي له عن الحالة التي وصلنا إليها بعد موته.
فقال الكولونيل:
ـ لابد وانهما يتناقشان عن الديوك الآن.
عثر في الصندوق على مظلة كبيرة وقديمة. كانت زوجته قد ربحتها في سوق خيري أقيم لجمع تبرعات لصالح حزب الكولونيل. في تلك الليلة ذاتها حضروا عرضا في الهواء الطلق. ولم يتوقف العرض برغم المطر الذي كان يهطل. وشاهد الكولونيل، وزوجته، وابنه أغوستين الذي كان عمره حينئذ ثماني سنوات العرض حتى نهايته، وهم جالسون تحت المظلة. لقد مات أغوستين الآن وبطانة المظلة التي هي من الأطلس قد اهترأت يفعل العث.
ـ انظري كيف صارت مظلتنا كمظلات مهرجي السيرك. قالها الكولونيل وكأنه يقول عبارة قديمة كان يستخدمها بكثرة. وفتح فوق رأسه جهازا غامضا من القضبان المعدنية. ثم تابع:
ـ إنها تنفع الآن لعدّ النجوم فقط.
ابتسم. ولكن المرأة لم تتكلف مشقة النظر إلى المظلة ودمدمت: 'كل شيء هكذا'. 'إننا نتعفن في الحياة'. وأغمضت عينيها لتفكر بالميت بتركيز أكبر.

ما أعظم أن تكون غائبًا حاضر ... على أن تكون حاضرًا غائب