عرض مشاركة واحدة
قديم 06-15-2016, 04:42 PM
المشاركة 34
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ما الذي جعل السنة الثانية مميّزة عن الأولى ، هل أستاذ اللغة الفرنسية الذي ما سمعته يوما ينطق غير الفرنسية ، واحد من أبناء تالوين البررة ، شاب رياضي يمارس كرة القدم بكثير من المهارة ، متمكن من بيداغوجيته غاية التمكن ، يحزّ في نفسي أن أكون غير قادر على التجاوب معه ، يؤلمه ربما أن أكون حاملا لإسمه دون أن أكون في مستوى تلاميذه المتفوقين ، أذكر كم مرة جاء وهمس في أذني ، مالذي ينقصك يا رجل ؟ حاول الاستعانة بالقواميس ، حاول الاستعانة بكتب الصرف والتراكيب ، لم يكن أستاذي يعلم أن كل ما أوصاني به أملكه دون غيري من التلاميذ منذ سنوات الابتدائي ، فعمّي عبد السّلام يمنحني العديد من كتبه ، لماذا لم أكن جادّا في التعامل مع الفرنسية ، هذا سؤال لم أجد له جوابا في ذهني ، و في حقيقة الأمر لم أكن أراجع دروسي إلا ما ندر، و لست ذلك الذي يقضي الساعات الطوال صحبة الكناش ، إن التقط ذهني شيئا بين جدران الفصل فذاك و إن لم يلتقط شيئا فإنه ذهب أدراج السراب ، ولن أبدل جهدا خاصّا لاستعادته و الغوص فيه لعلني أفهمه ، مكتف بسويعات الدراسة ، وهذا ما أختلف به عن باقي التلاميذ ، أستاذ اللغة الفرنسية يرى التفاوت البالغ بين ما أجنيه عنده من النقط ، وما يملأ سلتي من المواد الأخرى ، طفل نجيب حقا عند الآخرين ، لم يستسغ المعادلة ، و لكن هذا أنا يا أستاذي .
أستاذ اللغة العربية ، حقيقة هو أستاذ للفلسفة سدّ به الفراغ ، جعلنا لا نحبّ قواعد اللغة العربية ، دروس يمرّ عليها مرّ الكرام ، لكن حذار أن تنسى كلمة شرحها ذات يوم ، مذكرة خاصة بالمفردات و معانيها ، نصوص القراءة تشرح شرحا أكثر من مفصّل وتحلّل أكثر من تحليل ، الإنشاء يطرقه طرقا حقيقا ، لا مجال للحشو و لا مجال للأسلوب المترهل ، اكتب و إلا سلخك سلخا ، كان أستاذا عظيما حقا ، أستاذ الرياضيات قبل أن يغادرنا لمرض ألمّ به كان شديد الروعة ، كنت الأول دائما في قسمه ، أستاذ الاجتماعيات ، رجل حقيقي ، يحبّ ثقافتي السياسية ، ما أن يطرح سؤالا ثقافيا له علاقة بالسياسة فالجواب من عندي يأتي . من الصعب حقا أن تحظى بكوكبة من الأساتذة العظام و لا تسجّل إعجابك بتلك السّنة ، سنة لها فوائد جمّة على السّنتين المواليتين عند ختم الإعدادي .
انتشر نبأ مشاركتي في الحضرة بالملت ، جدّتي تتشفى قائلة أرسلوه ليقرأ و يتعلم و عاد إليهم عيساويا، في الحقيقة ليست جدّتي بل فقط قطعت حبل سرّتي ، هي جارتنا ، أقصد زوجة أخ جدّي، عمّي لحسن ، ليس أخا شقيقا لجدّي ، بل أخوه من أمّه فقط ، مات إخوة جدّي الأشقاء منذ الزمن الغابر ، جدّي كان يتيما عند مولده ، مات أبوه وأمه حاملة به ، تزوجها أخ زوجها، هو من ولد عمّي لحسن ، لست أدري لم تحمل الأسر الحقد لأبنائها ، عجيب أمر جدّتي تلك ، أنا أحبّ أبنيها حبّا جمّا ، هما في عمر عمّي عبد السلام ، واحد منهما تزوج الآن و له طفل ، شابّان لا تشبع من مجلسهما ، في كلامهما نبرة فكاهة ، في سلوكهما بعض رزانة ، في حركتهما رشاقة ، صاحبت الأكبر فيهما للاحتطاب يوما ، هو والعسكري ، العسكري هو أيضا من أبناء موسى ، أدّى الخدمة العسكريّة دون أن ينخرط في الجيش ، و هو من جنود الاحتياط ، كنا في الغابة البعيدة ، لست إلا طفلا ، في العادة أرافق أبي لنحتطب كل يوم أحد صبحا ، اليوم كنت مع القوم ، حين قطعوا الحطب ، شحّر العسكري كأس شاي معتقة و أوقد سيجارته ، يومها يستعدان للزواج ، شربنا الشاي ، فقال العسكري لابن عمي : " أرأيتها؟" التفت يمينا و يسارا ولم أر شيئا ، لم يريا شيئا ، إنها نشوة الشّاي ، التمتع برشفة الشاي كما لو أنك ترى أمامك حسناء ، كما لو أنك ترى غزالة ، كما لو أنك تمد يديك إلى وردة فيحاء ، ما أجمل التعابير التي تنم عن إشباع ما ، عن شوق ما ، عن إسقاط ما . ما أجمل الحياة البسيطة .