عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2016, 09:13 PM
المشاركة 31
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كلّ أحد يحملني الشّوق فأطير العشر كليلومترات غير آبه ببرد و لا حرّ ، أتلهّف لرؤية أبي و جدّي وجدّتي وأمّي و إخوتي ، نعيمة ليست هناك ، إنها في أكادير ، رحلت مع خالتي ، ستصبح مدنيّة ، هناك ستكمل مشوارها الدّراسي ، لم تمض إلا عاما واحدا في تغزوت ، أذكر أنّها كانت تطير من الفرح عندما همّت بالرحيل ، تحاول أمّي فرملة اندفاعها ، لكن خالتي تغريها بمرافقتها . صباح الإثنين أغادر مع أبي قبل بزوغ النور ، حمارنا يحمل الخضروات ، و بطّارية التلفاز ، هناك في تالوين يتمّ شحنها ، تمضي البطّارية أسبوعا في منزلنا ، و أسبوعا في تالوين ، أسرتي تشاهد التلفاز أسبوعا و تصوم أسبوعا . أذكر يوم أحضر أبي التلفاز ، و أذكر كم كهربائيا جاءنا لتركيبه وجعله ينقل لنا الصور ، كم مرة بدّل أبي الهوائي ، كم مرة غيرنا الأعمدة التّي ستجعله في علوّ أكبر ، رادار تالوين موجاته قصيرة ، رادار تيزي نتاتس بعيد ، رغم ذلك شغّلنا التلفاز و بدأنا نتفرج ، يوم السبت سهرة الأسبوع ، أرى وجوه الفنّانات اللائي كنّ يصدحن بأصواتهن الجميلة في الإذاعة ، ننتظر لنرى نجاة عتابو عند نهاية السهرة ، جعلت أختي أمينة تحبّها ، تعجبني تصفيفة شعرها الرّجولية ، شعرها المجعّد على أسلوب الهيبيزم ، رأسها كبّة صوف دائرية ، ملامحها الأطلسية الحادّة.
عند الزوال يوم الإثنين ، أعبر الوادي نحو السّوق ، غالبا أجد أبي أنهى بيع الخضر ، نتوجّه إلى المقهى وقد اشترينا السّكر والشاي بالتقسيط ثم علبة أسماك مع رغيفين من الخبز ، يعطينا القهوجيّ الصّينية والبرّاد و الكؤوس والماء المغليّ والصّحن ، بعد الغداء يشتري أبي سلع دكّانه ، سكّر ، زيوت ، شاي ، قنّينات المشروبات الغازية ، كان الله في عونك حمارنا ، لن تصل الملت حتى ينكسر ظهرك . يغادر أبي نحو الملت بينما أعود للإعدادية لمتابعة حصص المساء .
رفاق الطريق مساء قد يكونون من أهل تاركا أيضا ، منهم من يأتي لتالوين صبحا و يعود مساء ، أذكر طفلا كان متفرعنا جدّا في تاركا ، سليط اللّسان ، كثير السّب والشّتم ، عدت بمعيته مساء ، بدأ يتبختر، يريد أن يستهزئ بي ، كمّشت ملابسه على مستوى صدره و جررته جرّا و نصحته : " يكفيكم أننا سكتنا لكم ونحن في دياركم ." بدأ يبكي و يطلب مني أن أسامحه" . هكذا وقع لطفل آخر في تالوين ، يريد أن يتنمر عليّ ، بل فعل و أنا ألوذ بالصّمت ، يوما خدعته باستفزازه و استدرجته خارج البلدة بعيدا عن رفاقه . حتى إذا ابتعد ، قصدته عاقدا لكمتي ، فبدأت عيناه تدمعان . " لماذا لستم رجالا إلا في حضرة من يحميكم . كونوا رجالا ليوم واحد واعتمدوا على ما في جعبتكم."
كانت السنة الأولى في الإعدادية رتيبة جدّا ، لاشيء مثير حقّا ، أولاد دوزرو سرقوا منّي مصباحا جيبيا في مستودعات تبديل الملابس ساعة الرياضة ، أحضره صباحا أيّام الشتاء ، حيث أنطلق من عند الحاجّ قبل أذان الفجر في السابعة صباحا ، و ندخل الأقسام عند الخيوط الأولى للنور، كانت الإدارة تشتغل بالتوقيت الصّيفي في عز الشتاء. كانوا عصبة أطفال لا يتفرقون ، تعطيهم الجماعة زخما قويّا ، واحد من أبناء أساكي كان يسكن إلى جوارهم ، يشبعونه ضربا ، كان مشاغبا و قويّ البنية ، لكن الحمية تغلب السبع ، أعرف أنهم سرقوا مصباحي ، تظاهرت كأن لا شيء وقع . أحيانا يكون التّجاهل هو الحلّ .