عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-2010, 12:52 PM
المشاركة 8
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
ثالثا:باب ذكر الموت و الاستعداد له

النسائي عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت .
أخرجه ابن ماجه و الترمذي أيضاً . و خرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده من حديث مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد بن المسيب

عن عمر بن الخطاب قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أكثروا من ذكر هادم اللذات قلنا يا رسول الله : و ما هادم اللذات ؟ قال : الموت .

ابن ماجه عن ابن عمر قال :
كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل من الأنصاري فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله : أي المؤمنين أفضل ؟
قال : أحسنهم خلقاً قال : فأي المسلمين أكيس ؟
قال : أكثرهم للموت ذكراً و أحسنهم لما بعدهم استعداداً أولئك الأكياس أخرجه مالك أيضاً .
و سيأتي في الفتن ـ إن شاء الله تعالى .

الترمذي عن شداد بن أوس قال :
قال النبي صلى الله عليه و سلم : الكيس من دان نفسه ، و عمل لما بعد الموت . و العاجز من أتبع نفسه هواها ، و تمنى على الله .

و روي عن أنس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أكثروا ذكر الموت .
فإنه يمحص الذنوب ، و يزهد في الدنيا
و روي عنه عليه السلام أنه قال : كفى بالموت واعظاً و كفى بالموت مفرقاً .
و قيل له يا رسول الله : هل يحشر مع الشهداء أحد ؟
قال : نعم ، من يذكر الموت في اليوم و الليلة عشرين مرة .

و قال السدي في قوله تعالى : الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً أي أكثركم للموت ذكراً ، و له أحسن استعداداً و منه أشد خوفاً و حذراً .

=قال علماؤنا رحمة الله عليهم :
قوله عليه السلام : أكثروا ذكر هادم اللذات الموت كلام مختصر و جيز قد جمع التذكرة و أبلغ في الموعظة فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة ،
و منعه من تمنيها في المستقبل و زهده فيما كان منها يؤمل ،
و لكن النفوس الراكدة ، و القلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعاظ ، و تزويق الألفاظ ،
و إلا ففي قوله عليه الصلاة و السلام :
أكثروا ذكر هادم اللذات مع قوله تعالى ( كل نفس ذائقة الموت )ما يكفي السامع له ، و يشغل الناظر فيه
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات :

لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ***يبقى الإله و يودي المال و الولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه *** و الخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
و لا سليمان إذ تجري الرياح له ***و الإنس و الجن فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت لعزتها ***من كل أوب إليها وافد يفد ؟
حوض هنالك مورود بلا كذب ***لا بد من ورده يوماً كما وردوا

=إذ ثبت ما ذكرناه .
فاعلم أن ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية ، و التوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية ، ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالتي ضيق و سعة ، و نعمة و محنة ،
فإن كان في حال ضيق و محنة . فذكر الموت يسهل عليه بعض ما هو فيه ، فإنه لا يدوم .
و الموت أصعب منه ، أو في حال نعمة و سعة فذكر الموت يمنعه من الاغترار بها ، و السكون إليها ، لقطعه عنها . و لقد أحسن من قال :
اذكر الموت هادم اللذات و تجهز لمصرع سوف يأتي
و قال غيره :
و اذكر الموت تجد راحة في إذكار الموت تقصير الآمل
و أجمعت الأمة على أن الموت ليس له سن معلوم ، و لا زمن معلوم ، و لا مرض معلوم .
و ذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك ، مستعداً لذلك . و كان بعض الصالحين ينادي بليل على سور المدينة : الرحيل . الرحيل . فلما توفي فقد صوته أمير المدينة فسأل عنه . فقيل : إنه قد مات فقال :
ما زال يلهج بالرحيل و ذكره حتى أناخ ببابه الجمال
فأصابه متيقظاً متشمراً ذا أهبة لم تلهه الآمال

و كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه : و يحك يا يزيد ،
من ذا يترضى عنك ربك الموت ؟
ثم يقول : أيها الناس ألا تبكون و تنوحون على أنفسكم باقي حياتكم ؟ من الموت طالبه و القبر بيته .
و التراب فراشه . و الدود أنيسه . و هو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر يكون حاله ؟ ثم يبكي حتى يسقط مغشياً عليه .

و قال التيمي : شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت . و ذكر الموقف بين يدي الله تعالى . و كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجمع العلماء فيتذاكرون الموت ، و القيامة ، و الآخرة ، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة .

و قال أبو نعيم : كان الثوري إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياماً . فإن سئل عن شيء قال : لا أدري لا أدري .
و قال أسباط : ذكر عند النبي صلى الله عليه و سلم رجل فأثنى عليه فقال عليه السلام : كيف ذكره للموت ؟ فلم يذكر ذلك عنه . فقال : ما هو كما تقولون .
و قال الدقاق : من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء :
تعجيل التوبة و قناعة القلب ، و نشاط العبادة .
و من نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء : تسويف التوبة ، و ترك الرضى بالكفاف ، و التكاسل في العبادة ، فتفكر يا مغرور في الموت و سكرته ، و صعوبة كأسه و مرارته ، فيما للموت من وعد ما أصدقه ، و من حاكم ما أعدله ، كفى بالموت مقرحاً للقلوب ،
و مبكياً للعيون ،و مفرقاً للجماعات ، و هادماً للذات ، و قاطعاً للأمنيات ، فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك ،
و انتقالك من موضعك ، و إذا نقلت من سعة إلى ضيق ، و خانك الصاحب و الرفيق ، و هجرك الأخ و الصديق ، و أخذت من فراشك و غطائك إلى عرر ، و غطوك من بعد لين لحافك بتراب و مدر ،
فيا جامع المال ، و المجتهد في البنيان ليس لك و الله من مال إلا الأكفان ، بل هي و الله للخراب و الذهاب و جسمك للتراب و المآب . فأين الذي جمعته من المال ؟
فهل أنقذك من الأهوال ؟ كلا بل تركته إلى من لا يحمدك ، و قدمت بأوزارك على من لا يعذرك .
و لقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى : و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة أي : اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا ، الدار الآخرة و هي الجنة ،
فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة ، لا في الطين و الماء و التجبر و البغي ، فكأنهم قالوا : لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن ، و نحو هذا قول الشاعر :
نصيبك مما تجمع الدهر كله : رداءان تلوى فيهما ، و حنوط
و قال آخر :
هي القناعة لا تبغي بها بدلاً فيها النعيم و فيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن و الكفن ؟

=و قوله عليه الصلاة و السلام : الكيس من دان نفسه دان حاسب . و قيل : ذل . قال أبو عبيد : دان نفسه : أي أذلها و استعبدها .
يقال : دنته أدينه ، إذ ذللته فيذل نفسه في عبادة الله سبحانه و تعالى ، عملاً يعده لما بعد الموت ، و لقاء الله تعالى ، و كذلك يحاسب نفسه على ما فرط من عمره ، ويستعد لعاقبة أمره ، بصالح عمله ، و التنصل من سالف زلله ،
و ذكر الله تعالى و طاعته في جميع أحواله . فهذا هو الزاد ليوم المعاد . و العاجز ضد الكيس .
و الكيس : العاقل ، والعاجز : المقصر في الأمور ، فهو مع تقصيره في طاعة ربه ، و اتباع شهوات نفسه متمن على الله أن يغفر له . و هذا هو الاغترار فإن الله تعالى أمره و نهاه ،

و قال الحسن البصري : [ إن قوماً آلهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا و ما لهم حسنة و يقول أحدهم : إني أحسن الظن بربي .
و كذب لو أحسن الظن لأحسن العمل ] و تلا قوله تعالى : و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين . و قال سعيد بن جبير : [ الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية ، و يتمنى على الله المغفرة ] . و قال بقية بن الوليد : كتب أبو عمير الصوري إلى بعض إخوانه :

أما بعد [ فإنك قد أصبحت تؤمل الدنيا بطول عمرك ، و تتمنى على الله الأماني بسوء فعلك . و إنما تضرب حديداً بارداً و السلام ] . و سيأتي لهذا مزيد بيان في باب ما جاء أن القبر أول منازل الآخرة . إن شاء الله تعالى .