عرض مشاركة واحدة
قديم 03-25-2011, 01:03 AM
المشاركة 5
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي





خصائص الشعر الجاهلي:

هذا الشعر الذي وسم بأنه «ديوان العرب» وسجل حياتهم وعاداتهم، قد صور البيئة التي نشأ فيها أصحابه أصدق تصوير، في واقعية وبساطة ووضوح، لا غلو فيها ولا تعقيد، إلا بما يتفق ومهمة الشعر، من حيث كونه فناً جمالياً لا يلتزم الحقيقة والواقع التزاماً علمياً دقيقاً، وإنما يهدف إلى الإمتاع والإثارة والتشويق. ومن شأنه في هذه الحالة أن يتجاوز الواقع أحياناً، أويعتمد على الخيال والتصوير الحسي المستمد في الوقت نفسه من البادية ومعطياتها، منتقلاً بين الحقيقة والمجاز، في نقل الصور والمشاهد، أو التعبير عن الأفكار والمشاعر، في إيجاز حيناً، وإطالة حيناً آخر بحسب المقام والغرض.


ويلاحظ في الشعر الجاهلي كثرة ذكر الأماكن والمياه والوديان، ولاسيما في مطالع القصائد، وصفاً أو مناجاة، لأنها تحفل بالذكريات الحية: فهي مواطن الأحبة ومسارح الصبا وميادين الحروب والانتصارات.

والطابع القصصي يغلب على الكثير من المواقف، في جاذبية وجمال، ولكنه يميل إلى السرعة والإيجاز، كما في وصفهم للحيوان الوحشي، ووصف الصعاليك لمغامراتهم وغزواتهم الفردية، وغزل بعض الشعراء كالمنخل اليشكري، والمرقشين: الأصغر والأكبر. ويبدو ذلك أيضاً في أبيات أوس بن حجر التي وصف فيها قصة القوس وحفظ الراعي لها في رأس جبل عال، حتى حظي بها امرؤٌ استخدمها في الرمي، بعد أن أعدها صانعها وتأنق فيها.


وقد يتشابه الشعراء الجاهليون، في بعض المعاني، والصور حتى في الألفاظ أيضاً، وهذا ظاهر في أوصافهم للناقة والفرس، والمرأة، وأدوات الحرب، والوقوف بالديار، حتى ضاق عنترة ذرعاً بذلك فقال: هل غادر الشعراء من متردم؟، ومثله زهير في قوله:


ما أرانا نقول إلا معاراً .. أو معاداً من قولنا مكرورا

وسبب ذلك ضيق الحياة في ذلك العصر، واقتصار البيئة على معطيات واحدة، وشدة تطبع العربي بتلك البيئة التي ترعرع فيها، ونشأ على أعرافها وتقاليدها. واقتفاء الشاعر خطا من سبقوه من الشعراء وتأثره بهم. ولكن هذه الظاهرة لم تحل دون بروز شخصية الشاعر الفنية، وأدواته الخاصة في التعبير والتصوير، والابتكار والتوليد، والنفوذ إلى دقائق كثيرة، يجلوها أتم جلاء، ويكشف عنها ببراعة ومهارة.

ومما يلفت النظر، في طول القصائد الجاهليات، فقدان وحدة الموضوع منها. ويخضع ذلك لما دعاه النقاد بمنهج القصيدة، أو هيكلها.

وقد استمر ذلك إلى العصر العباسي، وتمسك به كثير من الشعراء والنقاد المحافظين، وتحدث عنه ابن قتيبة في مقدمة «الشعر والشعراء» وعلل مراحل الانتقال من موضوع إلى آخر ضمن القصيدة المدحية، راوياً عن بعض أهل الأدب:

«أن مقصد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار، فبكى وشكى، وخاطب الربع، واستوقف الرفيق، ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها.. ثم وصل ذلك النسيب، فشكا شدة الوجد، وألم الفراق، وفرْط الصبابة والشوق ليميل نحوه القلوب، ويصرف إليه الوجوه.. فإذا علم أنه قد استوثق من الإصغاء إليه، والاستماع له عقب بإيجاب الحقوق، فرحل في شعره، وشكا النصب والسهر، وسرى الليل فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حق الرجاء.. بدأ في المديح فبعثه على المكافأة، وهزه للسماح، وفضله على الأشباه، وصغر في قدره الجزيل».


ويعقب ابن قتيبة على ذلك قائلاً: «فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب، وعدل بين هذه الأقسام، فلم يجعل واحداً منها أغلب على الشعر، ولم يطل فيمل السامعين، ولم يقطع وبالنفوس ظمأ إلى المزيد».


ويمكن تعليل تعدد الموضوعات في طوال القصائد بأن الشاعر كان يخضع لأصول فنية متوارثة تأصلت على مرور الزمن والتزمها الشعراء فغدا الهيكل العام للقصيدة يؤلف وحدة فنية داخلية بديلة عن الوحدة الموضوعية.


ومن خصائص الشعر الجاهلي أيضاً أن هذا الشعر قد وصل إلينا باللغة التي غلبت في العصر الجاهلي قبيل الإسلام، وهي اللغة الأدبية المشتركة بين الشعراء والكتاب والخطباء، وإن كان هؤلاء ينتمون إلى قبائل مختلفة.

وقد وصل إلينا هذا الشعر كامل الصياغة، ناضج اللغة، موحد القوالب، ذا قوة وجزالة، ومتانة في العبارة، وإذا وجد قارئه شيئاً من الألفاظ الغريبة فيه، فإنما هي كذلك بحسب ما نعرفه نحن اليوم من تلك الألفاظ التي بعد العهد بها، وندر استعمالها بين الشعراء والكتاب، لكنها لدى الجاهليين أنفسهم كانت مألوفة ومعروفة.





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)